بغداد:مازال الاديب العراقي ملتصقا بالقول المأثور (ادركته حرفة الادب) على الرغم من التغيرات التي تحصل في الحياة العراقية والتي تتمثل في طفرات اقتصادية جيدة ترفع من مستوى الدخل للفرد العراقي، فالاديب.. كأنه خارج قوس من هذه المتغيرات والطفرات ولا علاقة له بها، واذا ما قورن بأدباء الدول التي من حوله، لاسيما دول النفط المحسوب عليها العراق، لا تجد هناك من مقارنة، فالبون شاسع في كل شيء ولا يدري لماذا ؟، وها هم الادباء العراقيون يتساقطون صرعى الامراض وليس لديهم القدرة على تحصين انفسهم او الرد على المرض بعلاج ناجع او الاستقواء عليه بردهة جيدة في مستشفى مجهز بكل ما يشفي، وهذا سببه ان الاديب العراقي فقير الحال، يعيش من راتب بسيط،ولا يمكن ان يقال الان انه يعيش على ما ينتج في ظروف اصبحت الطبع والنشر محنة، ونادرا ما تجد من طبع كتابا ونال بسببه مردودا ماديا، اذن.. الادباء عاجزون عن رد الفقر الذي يحيطهم بجناحيه وكثيرا ما نسمع عن موتهم لانهم فقراء وليست لديهم القدرة على الايفاء بمتطلبات العلاج الكبيرة، فبالامس ودعنا محمد علي الخفاجي لان احواله المادية لم تساعده على السفر الى خارج العراق للعلاج ولا الحكومة اعانته فمات في مستشفى تعليمي، وذاك فهد الاسدي ما زال يصارع الموت في غيبوبة ولم تكن لديه امكانية العلاج في مكان افضل، وهنالك زهير احمد القيسي الذي يرزح تحت عذابات المرض في مستشفى اليرموك، وهناك ناظم السعود يشكو عللا وما عنده ليس يكفي لاطعام عائلته، وربما القائمة تطول، وكيف وهم يعيشون في بلد نفطي استثنائي وليس عاديا.
فالاديب العراقي.. يرى احوال الكثيرين ممن حوله تتغير نحو الاحسن،وتتبدل ظروفهم المعاشية من سيئة الى ممتازة، لن حين ينتبه الى نفسه يجدها لا زالت تعيش في عوز وحاجة، ولو نظرنا الى واقعنا العراقي بنظرة بسيطة نجد ان الكثير من الادباء العراقيين لازالوا يعبشون في اوضاع معيشية غير جيدة، ولا ترقى الى مستوى البحبوحة، فالواحد منه ليس لديه بيت ملك لهم ولا سيارة، ولا يمكن ان تتفاجأ حين تجد البعض منهم حين يجوع يذهب الى اقرب مطعم فلافل وينزوي هناك فيما كتبه التي يتأبطها تختبيء تحت المنضدة، ليس هذا فقط، بل ان الاديب العراقي حين يتعرض للمرض لايجد لديه ما يؤدي به الى مستشفى جيد او الحصول على علاج شافي وفي اغلب الاحيان يظل طريح الفراش في بيته ولا احد يسأل عنه حتى يموت من وجع عدم الاهتمام وعدم السؤال، ومعنى هذا ان الاديب العراقي ما زال في حال يرثى لها، وفي محاولة لمعرفة الاسباب وراء هذا استطلعنا اراء عدد ممن يهمهم الامر.
توقفت اولا قرب الشاعر موفق محمد وشكوت له حال اهل الادب فقال : قديما قالوا ان فلان ادركته حرفة الادب، يعني انه اصبح فقيرا، المسألة الثانية انا الاحظ ان العراقي شكاء دائما،شكاء بكاء، حتى لو ان يعيش في بحبوحة رغيدة من العيش نجده يشكو دائما، انا الان مثلا احسب نفسي من الاثرياء الان،واعلنها (واما بنعمة ربك فحدث)، نحن بعيدون عن هذا ولكنك تشعر انك تعيش بمرتب مؤمن لك السلامة وتقدر ان لا تقترب من سلطان او مسؤول تضطر الى ان تمدحه او كذا، وحتى لو كنت معتازا هذه المفروض ان لا تفعل، ولن ان كنت تملك مادة او مرتبا يكفيك وتعيش به عيشة رغيدة بعد هذه الشكوى، فلم الشكوى ؟
واضاف : الغريب هو هذا الذي نحكي عنه وهو ان الاديب لا يقارن بغيره حيث لابيت عنده ولا سيارة مثلا، والمفروض ان لا يكون هذا للاديب فقط بل ان من المفروض يعيش جميع العراقيين في العراق برفاهية، ورفاهية مطلقة، لانه بلد ثري زاخر، انا اليوم في الفندق اتأمل عمالا من بنغلادش وأقول : هذا الاب الذي يضطر ان يرسل ابنه الى فم الموت، للعراق، كم هو في عوز، وعندما سألت احد الاصدقاء الذين زاروا هذه المدن قال لا يمكن ان تتصور حالة الفقر التي يعيشها هؤلاء الناس، مهولة، مروعة، فنحن في بلد غني ويجب ان يعيش فيه الجميع عيشة كريمة ومرفهة، ولكن الواقع مر، وهذا العراق على مر التاريخ السلطان والحاشية يتمتعون بالامتيازات وعموم الناس في طوفان الفقر المروع.
وتابع : الاديب عنده تصور خاطيء ان من حق السياسي ان يتمتع بامتيازات هائلة وهو بلا امتيازات، ولا اعرف كيف صارت هذه؟ هل هو الذي خلقها ام فرضت عليه ام ان السياسي خلقها، فلماذا لا يعيش السياسي الذي بالسلطة حالة موازية لحالة الاديب الفقير، فصار شرطا ان السياسي يتمنن ويتصدق على الاديب، فالمسألة تحتاج الى ثقافة وتغيير بنية وتعب كثير.
فيما قال القاص والروائي علي لفتة سعيد : ربما هو عائد الى واقعية التنظيم الاجتماعي الذي كون مكونات خارج التعريف الثقافي بمعنى ان الخاصية الاجتماعية هي التي خلفت تشابكا بين الحقيقة والوهم وبين الثقافة فعل وبين بروز الشخصية من جهة اخرى.,هذا المعترك التاسيسي للشخصية العراقية وازدواجيتها جعلت الحال في العراق ينتمي الى خانة التراجع في تنظيم الصفوف..هو يحتاج دائما الى رمز ربما يكون دينيا او عشائريا أو سياسيا وفي بعض الاحبان يحتاج الى بروز قوة عائلية ليكون تابعا لها.؟هذا الامر انعكس بكل تاكيد على خاصية وجود المثقف العراقية مما خلق جوا داخل نفسية المثقف العراقي انه هو وحده يعمل ووحده ينتج ووحده يفكر..وباتت مقولة الفعل الثقفافي فعل فرداني هو المفهوم السائد لذلك تراجع موقفه،وايضا لغياب الدور الاعلامي الذي يحرك فاعلية الثفافة بانجاه المثقف وادواته لكي يبرز اجتماعيا.،فهناك مثلا الفنان الممثل اكثر شهرة من المؤلف للنص الذي يمثله الممثل وكذلك لاعب كرة القدم، فعل الاعلام اكبر وياخذ هذه الخاصية في حين يكون دور المثقف محصورا في الانعزالية هذا الامر استغلته كل الحكومات وجعلت من دور المثقف هيا لانه فعل فردي لا يؤثر على المجتمع وليس له قدرة على التاثير الجمعي وحتى حين كان الشاعر في الخمسينيات والستينيات له القدرة على التاثير كما كان الجواهري،فلأن الحواهري كان في السياسة وداخلها كان في مجال الاعلام الصحفي اقر لنشر قصائده التي كانت لها الفعل.
واضاف : المثقف العراقي منتج فردي والحكومات لا تهتم بهكذا منتج وهي حكومات لا تريد بناء حضارة كما تفعل الحكومات النفطية التي تري ان تبني حضارة نفطية من خلال فعل ثقافي كبير ولذلك تهتم بهم وتجعلهم قامة ثفافية فضلا عن ان عدد المنتجين للثفافة فغي العراق بعدد نخيله وهو ما يجعلهم ان تحركوا اكبر قوة من فعل كل الدول النفطية.
اما الكاتب مازن لطيف فقال: ليس المثقف العراقي افقر حالاً من مثقفي الخليج ودول النفقط بل ان المواطن العراقي هو الافقر دائما بالقياس الى دول النفط.. دول النفط تدعم مواطنيها بما فيهم مثقفيهم ونخبهم بل تميز وتفتخر بنخبها من فنانين وادباء ومثقفين، عكس ما يحصل بالعراق، المثقف العراقي دائما يشعر بعدم الاهتمام به داخل بدله سواء من الكومة او من المؤسسات الثقافية الاخرى.. الكثير من الاسباب تجعل المثقف العراقي فقيرا.. من يدفع له رابتاً جيداً؟ من يطبع كتبه؟ من يهتم به ويقدر قيمته؟ لذلك نرى المثقف العراقي دائما يرثى له من الناحية المادية، ملبسه مأكله سكنه، وهذا كله يؤثر على سلوك المثقف العراقي، يشعر بأنه لم يأخذ فرصته او استحقاقه ابدا، وحتى من يدعم المثقف سواء من السلطة او من منظمات المجتمع المدني فهو مطالب بأن يسكت عن اشياء.
واضاف : المثقف العراقي مع احترامتي له رخيص جدا جدا حين يقارن بأبسط مثقف خارج العراق في قوت انه من الناحية الابداعية يتميز عن الكثير من المثقفين العرب، وابسط مثال هو منحة الادباء البائسة بعد عام كامل يعوطه مليون دينار يعني حوالي 60 دولار شهريا هل يقبل اي مثقف او اديب من دول النفط ان تعطيه الدولة 60 دولار شهريا
وقال الشاعر جليل خزعل : الحقيقة لا أملك اجابة محددة لسؤالك، ولكن أعتقد أن التفاوت المالي والإقتصادي موجود بين عامة الناس في العراق وبالبلدان النفطية، وهذا ينعكس ايضاً على الكاتب او المبدع، نحن في العراق الى اليوم لم نطبق قوانين الملكية الفكرية، اي ان حقوق المبدع تكون في الغالب في مهب الريح، وهناك قصص وامثلة كثيرة لا مجال لذكرها الآن حصلت مع مبدعين عراقيين وانا واحد منهم، تصور انا لدي أكثر من ستين كتاباً للأطفال، وعشرا ت البرامج اتلفازية وافلام الرسوم المتحركة لوكانت هناك عدالة وتطبيق لقوانين الملكية الفكرية، وحقوق المؤلف؛ لتغير مجرى حياتي، وأصبحت الآن صاحب ثروة طائلة. في الخليج الجور مجزية على مختلف الأصعدة ومنها صعيد الابداع، وبالتاكيد سيكون هناك تفاوت بين الطرفين.
اما الكاتب اثير محمد شهاب فقال : اعتقد ان تقديم السؤال على هذا النحو غير ممكن وغير مقنع لسبب بسيط ان كثير من البلدان غير النفطية تقدم لمثقفيها الشيء الكثير،ومع هذا فغياب المؤسسة الثقافية في ادارة الفعل الثقافي يفضي الى المزيد من الارتباك،وهذا لا يعنني ان المؤسسة مطالبة بتقديم الدعم المادي المستمر للمثقف،لانه ساعتذاك سيتحول الى اداة كسولة في استقبال الراعي الرسمي وربما يتحول الى وجه اخر لسلطة الحكومة...ربما الدول النفطية وعبر التراكم الزمني لقانون الدولة جعل المؤسسا الثقافية الحكومية وغيرها تدفع باتجاه دعم الثقافة والمثقف.
وأضاف : المؤسسات الثقافية اليوم بعيدة كل البعد عن مشروع المثقف،لانها تعيش في فوضى المحاصصة الطائفية وهذا يعني ان ملوك الطوائف هم من يوجهون الثقافة والمثقفين بحسب اهوائهم،على الطرف الثاني هناك مثقفون يحترمون مشروعهم ولن يقبلوا بالمساومات يدفعون باتجاه الثقافة الحرة الديمقراطية