بغداد: اكد الفنان التشكيلي العراقي طه وهيب على ان عدم اقامة معارض شخصية لاي فنان لا يؤثر على سمعته الفنية او شهرته او قيمة نتاجه الفني، لان الابداع والسمعة الطيبة لا تأتي من كثرة المعارض المقامة، بل ان تجربة الفنان هي التي تحدد ضرورة اقامة معرض من عدمه، مشيرا الى ان الرسام يجد سهولة في الحصول على ادواته على عكس النحات لان النحت فيه عدة مراحل ومن الصعوبة ان تنفذ دون ان تكون الادوات جاهزة ومتوفرة.
قال الفنان طه وهيب ان واقع الفن التشكيلي العراقي بخير، لانه بخير دائما،على الرغم من الصعوبات الموجودة التي تعيق عمل الفنانين التشكيليين، مشددا على ان العراق بلد ولود وله تاريخ قديم ومهم، موضحا ان هناك بلدانا وحضارات متقدمة وما زالت تشتغل على مخزون الفن العراقي القديم ويتأثرون به.
* ما اخر معارضك الشخصية؟
- ربما كان قبل سنتين، ولكنني اشارك في المعارض المشتركة بشكل مستمر، اخر معرض شخصي لي كان في مدينة (لاراشيل) في جنوبي غرب فرنسا، هذه المدينة الجميلة، مدينة الفنانين والادباء، قبل نحو سنتين، وكانت دعوة من قاعة تحمل اسم (83) قاعة فنية في المدينة، انا وزميلي نجم القيسي، وكان المعرض نحتيا، ومعنا عرض رسامان فرنسيان.

* هذا الغياب البعيد للمعارض الشخصية، الا يؤثر على ابداع الفنان وشهرته؟
- ليس بكثرة المعارض يتحقق الابداع او ينال الفنان سمعة جيدة، بل ان تكون هناك تجربة جديدة او نتاج ابداعي اخير يتوصل اليه الفنان، قد نجد احيانا فنانا عنده عشرات المعارض ولكن ليست لديه تجربة مهمة، المعارض ليست تكرارا للتجربة نفسها،اي ان لايقيم كل يوم معرضا على اساس التجربة الواحدة، المعرض يأتي من خلال تطور التجربة او طرح جديد، هكذا تطرح المعارض، والا فالاسلوب الواحد او العملية الواحدة لا يمكن ان تطرح فكرتها يوميا، يجب ان يكون هناك جديد حتى يكون هناك معرض.

* أليس من حق الفنان ان يقيم معارضه متى ما شاء؟
- انا اتحدث عن المعرض الصحيح، وليس بالضرورة ان يكون للفنان كل سنة معرض، ربما كل خمس او عشر سنوات، ولكن عندنا اقيم معرضا، الا يجب ان تكون هناك تجربة اطرحها، وهناك شيء جديد اريد ان اقوله، طيب.. انا قلت ما لديّ في تجربة سابقة، هل من الضروري ان اعيده في السنة المقبلة؟، لا يوجد قانون يقول ان الفنان يجب ان يقيم معرضا في كل سنة او اكثر، بل ربما هناك في سنة واحدة تطرح عدة تجارب، هناك مخيلات عديدة وطرح معين او رؤية جديدة، قد تجعل الفنان يقيم معرضين او ثلاثة في السنة.

* الا يؤثر الغياب على سمعة الفنان وقيمة نتاجاته الفنية؟
- ان كان هذا الفنان مؤثرا فلن يؤثر الغياب على سمعته، فالبصمة تبقى والتأثير في ذاكرة المتلقي، تبقى الحلاوة تحت اللسان كما يقال وفي ذهنية المتلقي، الجميل يبقى جميلا، مثلا : جدارية جواد سليم الله يرحمه، (نصب الحرية)، لا يمكن ان يكون لها وقت معين او يمكن ان تنسى، الابداع يبقى ابداعا والتأثير في الاخرين يتبع قدرة الفنان على تأثير منجزه الفني فيبقى عمله خالدا.

* ما الذي تعمله حاليا؟
- اعمل على تجميع مجموعة تخطيطات تحمل افكارا معينة، انا استمتع بالتخطيطات التي تجعلني اشحن جهدي للانطلاق الى مرحلة النحت، لديّ مجموعة من التخطيطات احاول ان اجعلها كتيبا،واعتقد انه سيرافقه معرض للنحت.

* ايهما اقرب الى نفسك الرسم ام النحت؟
- العملية بين النحت والرسم هي مخيلة واحدة، وهذا ينطبق على كل الفنون، الموسيقى، الشعر، المسرح وكل المجالات الابداعية، فهي ترتبط بشيء واحد هو المنجز، احيانا تكون الاقرب الى النفس لوحة، واحيانا يكون موضوع النحت اهم، فأنا ما دمت ارسم وانحت، فسيان عندي، احيانا اجد نفسي في اللوحة ومرات في النحت، فأينما تجد منجزك، في اي منطقة، تذهب اليه، ولكن تبقى الذات واحدة.

* حين تراودك فكرة معينة، في الليل او النهار، كيف تتصرف معها اولا؟
- ان كان بالقرب مني ورق فعلى الفور ارسمها، ولكن احيانا اكون غير جاهز لهذه الفكرة، فأطبعها في المخيلة، فتبقى في ذاكرتي الى ان انفذها، انا دائما.. الفكرة التي تأتيني لا اشاهدها لوحدها، بل ابدأ مزاوجتها مع ذاتي ومخيلتي، اضافة الى المنظور، اي ان المنظور لم يبق هو وحده فأذهب لنقله، لا..بل ازاوجه بأشياء اخرى، وانا اقول دائما لي عالمي الخاص في عملي، في منجزي، لي جوي الخاص، علاماتي وحيواناتي وحتى مملكتي الخاصة، شجري يختلف، صحيح هو شجر لكنه ليس مثل واقع الحال، وأهم نقطة انني اشتغل على تحقيق ذاتي.

* ما اكثر معاناة يعانيها الفنان التشكيلي الحالي؟
- اهم نقطة هي الامان، اي انسان وحتى الحيوان ان لم يحس بالامان لا يستطيع ان يتصرف، خذ اي حيوان او طائر، هل تعتقد انه سيلعب في مكان ما ان لم يحس بالامان؟، بالطبع لا، فحين لا يشعر بالامان تجده مرعوبا ومتخوفا، والفنان اول المتحسسين لهذه الاشياء، فمتى ما تواجد الامان والرخاء، يتواجد الفنان بترفه وبمزاجه وحسه المرهف.

* ربما يجد الرسام سهولة في الحصول على ادواته، انت كنحات كيف تحصل على ادواتك النحتية؟
- النحت معداته اصعب وآلياته كذلك، بينما الرسم في اي مكان تتهيأ لك فيه راحة تستطيع ان تأتي بلوحتك والوانك وترسم، ولكن النحت فيه مراحل، تبدأ اولا مع هيكل حديد ومن ثم الطين والقوالب، ومن ثم هذه القوالب لابد ان تخرج منها نسخة شمع، ومن ثم الشمع يختتم المرحلة ومن ثم يذهب الى المصهر ويصب البرونز، فأما ان ينجح او يفشل، وهذه مراحل عديدة صعبة، ولكنه كمنجز او ابداع موجود في اللوحة وموجود في النحت لكنه في النحت اصعب.

* هذه الصعوبات يتحملها الفنان على حسابه الخاص ام هناك مؤسسات اخرى او جهات ما تساعده؟
- لا يوجد دعم، وكل هذه يتحمل الفنان عبأها بنفسه، في بعض الاحيان يأتي الفنان ويشتغل العمل ويكمله، والنحت فيه نفقات عديدة، واحيانا العمل لا يباع، فالعمل الذي يدخل في صميم الفن لا يرغب الكثيرون في شرائه، واكثر الاعمال التي يشترونها من الانواع التزيينية، ثم ان الفنان الذي لا يسوّق اعماله لا يستطيع ان يستمر، فلابد لي ان ابيع تمثالا حتى استطيع ان انحت ثلاثة او اربعة تماثيل اخرى كبدائل له، فهذه مشكلة كبيرة يعاني الفنان خاصة الفنان الذي يشتغل في منطقة الفن، فلا يعني له العمل كونه جميلا فقط، بل لابد من وجود فكرة او طرح معين، واحيانا هناك طرح مناهض للافكار الاخرى ايضا، وهذه صعبة جدا.

* كيف ترى واقع الفن التشكيلي العراقي؟
- هو بخير دائما، فالعراق بلد ولود وله تاريخ قديم ومهم، هناك بلدان وحضارات متقدمة وما زالت تشتغل على مخزون الفن العراقي القديم ويتأثرون به، فكيف وانت تعيش بوسطه، اي انت كعراقي.. سليل اولئك الخالدين او واحد منهم، وربما يطلع جدك احد النحاتين السومريين او البابليين، فبالتاكيد هناك جينات وتواصل، وربما هناك اجواء عاشها الفنان القديم يعيشها الفنان الحالي، فأنا اعتقد ان الفن العراقي بخير ولكنه يحتاج الى اهتمام قليل من الدولة او المؤسسات، كما يحتاج الى وضع احسن من الوضع الحالي الذي لا يهتم فيه بالفن مثلما يهتم بالمواضيع الاخرى.

* هل تحس ان الناس فعلا تهتم بالفن التشكيلي؟
- حسب وعيها، فالفن متى ما وجدت الثقافة والمثقفون والمهتمون، فالفن ليس ان اشتري لوحة واتباهى بها كونها من الرسام فلان، بل بالدرجة الاولى ان احبها، ولي علاقة بها، صحيح انه قد يملي مكانا معينا في بيته او مكان عمله، ولكن لابد ان يكون لها اختيارها الصحيح.

* قلة قاعات العرض في بغداد، هل اثرت على مستوى الفن او اتساعه؟
- ليست القاعات السبب،بل هي اول المتضررين، فالسبب الحقيقي هو عدم وجود رواد، في السابق كانت اغلب الاعمال يشتريها الاجانب الذين يزورون البلد، بالاضافة الى المثقفين العراقيين او المتذوقين للفن،وكان لدينا منهم اشخاص ممتازون، وقد ضعفت الحالة حاليا لان اكثرهم سافروا خارج العراق او لعدم وجود اجانب في بغداد، حاليا الوضع المؤثر هو الوضع السياسي وليس الوضع الثقافي، ولكن لا يقل اهمية وتأثير، فأن لم يكن لدينا وضع ثقافي ممتاز كيف تبني سياسة ممتازة، انا اعتقد ان هذا مهم.

* ما رأيك بالعديد من النصب التي وضعت في ساحات بغداد؟
- الذي يحدث الان في بغداد.. ليس فيه اهتمام كبير، صحيح هناك اشياء جيدة واشياء غير جيدة ولكن هذا واقع الحال، ليس هنالك شيء محسوب، وليس هنالك شيء فيه قانون، خذ مثلا على الوضع العام،هل تجد اشياء منضبطة بقانون؟ انا لديّ تمثال رئيس الوزراء الاسبق عبد المحسن السعدون، الذي صنعه النحات الايطالي كونكا، وكان قد سرق، وهو الذي له اثر في المثقفين واصحاب الذاكرة في المكان لاسيما ان شارعا مسمى باسمه (شارع السعدون)، ثم انني لا استطيع ان ارى الشارع دون ان ارى التمثال، فكانت فرصة لي، ان يتصلوا بي محبوه واهله عام 2004 وكانت لديهم مناسبة وفاته، وخلال 20 يوما استطعت ان اصنع التمثال، وتم نصبه في المكان ذاته، واذكر ان جريدة الزمان كتبت ان السراق اعادوا تمثال السعدون، وانا فرحت لان معنى هذا انني عملت النصب كما عمله الايطالي كونكا الذي سبق له ان صنع تمثال الملك فيصل والجنرال مود.

* الم تتصل بك امانة العاصمة لاقامة تماثيل من اعمالك؟
- امانة بغداد تحتاج الى تشكيل لجان مشتركة بين الثقافة والامانة، ولكن هناك قرارات عليا تأتي من فوق وتحكم الامانة وحتى تحكم وزارة الثقافة، يا عزيزي.. هناك لدينا اشياء ليس لديها قانون ولا حساب، يجب ان ننتبه اليها اذا ما اردنا ان نبني بلدا ووطنا ومستقبلا صحيحا، يجب ان نضع قوانين وضوابط وخطوطا صحيحة نشتغل عليها، فأن لم تضع قانونا صحيحا لن تظهر انظمة صحيحة.

نبذة مختصرة:
الفنان طه وهيب... هو من ولادة بغداد 1964، بكالوريوس فنون تشكيلية /نحت- 1988 عضو في نقابة الفنانين وجمعية التشكيليين والرابطة الدولية للفنون (IAA) يعمل نحاتاً وخبيراً في دائرة الفنون ومديرا للمصاهر...له مشاركات في اغلب المعارض والمهرجانات الوطنية والدولية وخاصة في قاعات مركز الفنون واثر-حوار- دجلة- شداد- الميزان- فجر- الرواق- فضلا عن معارض شخصية ومشاركات في معارض دولية في الشارقة- دمشق- دبي- حلب- فرنسا- اليونان- لندن- الصين وغيرها. نال جوائز عن النحت وشهادات تقديرية عديدة للأعوام 1999-2000-2007-2010 أنجز أعمالا ونصبا فنية أهمها... إعادة تمثال رئيس الوزراء السابق عبد المحسن السعدون بعد تعرضه للسرقة، تمثال الرئيس العراقي الراحل عبد الكريم قاسم، نصب البذرة في ساحة النهضة ببغداد.