طرح هذا السؤال الدكتور وليد الشرفا في كتابه الجديد quot; الجزيرة والإخوان: من سلطة الخطاب إلى خطاب السلطةquot; ، الكتاب يقع في 216 صفحة من القطع المتوسط وقد أصدرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت ،وهو بشكل عام دراسة دقيقة لتفكيك عملية التحول بين خطابي الإخوان والجزيرة فيما بات يطلق عليه الربيع العربي، ووفق تقرير دار النشر عن الكتاب فإن هذا التحول الذي يسرده الكتاب يري أن قناة الجزيرة والإخوان مارسا عملية استبدال دقيقة ومعقدة في مخاطبة الرأي العام وبنائه ، باعتبار أن التحولات الهائلة في خطابي الطرفين لم تكن إلا حتميات ضرورية لإنشاء فعل التحرر والإيهام بالثبات ، لتشكيل أغلبية في الرأي العام العربي . وعملية الإقناع هذه اتخذت أشكالا معقدة بداية من النصوص الكبرى عند الإخوان وليس انتهاء بالأخبار والصور والتعليقات والبرامج الدينية والسياسية والحوارية .وقد عقب على منهج الكتاب الدكتور نادر سعيد مدير المركز العالم العربي للبحوث و التنمية quot;أورادquot;، بالقول : إن المنهج الذي يتبناه هذا الكتاب يفتت جلمود الصخر وينثر هواءه في الغبار ،.. فيصبح الخطاب محدود في حبس ايدولوجيا أحادية الحق ، لا يتجاوز نقطة معينة . ويتابع : من هنا يصبح دور الإعلام ابعد ما يكون عن إنتاج الاختلاف والتحفيز على التفكير النقدي والأرجاء للأحكام المتسرعة واقرب إلى إنتاج الصراع والتثوير .
يغطي الكتاب ستة فصول أساسية ، يطرح الفصل الأول قضية استبدال المرجعيات في خطاب الإخوان المسلمين ، بعد ما أطلق عيه الربيع العربي ، حيث شحن الخطاب بطاقة تأويلية اقناعية حادة تعتمد على الثتنايات الضدية التي قدم خطاب الإخوان نفسه على انه القادر على تمثيلها ، بداية من تطبيق الشريعة إلى تطبيق الديموقراطية ، يناقش الفصول الثلاثة اللاحقة خطاب التحول عند حركة حماس باعتبارها أيقونة الإخوان والجزيرة ، هذا التحول الذي دفع بحماس من مطلق المقاومة إلى مطلق السلطة ، وما تبعه ذلك من تحول في الميثاق الذي بنى حركة حماس بصفتها ممثلة لمطلق الإسلام القادرة على إعطاء البعد الإسلامي لأي سلوك تتصرفه على الأرض ، من حيث السيطرة المسلحة على غزة والهدنة مع إسرائيل وما رافقها من اشتباكات وعمليات قتل ، وكيف كانت قناة الجزيرة المؤطر، من خلال تقنيات تغطيتها للعمليات المسلحة وللسيطرة العسكرية على غزة وللهدنة ، هذا التطاير المحكم الذي مارس عملية خطابية تنتج واقعا لا يشبه الواقع الحاصل . أو تحويل أحداث الواقع إلى قضايا ، وبالمقابل تحويل القضايا إلى أحداث بسيطة حسب النسق الخطابي المراد بناءه .
في الفصل الخامس يتابع الكتاب تفكيكه لتسارع الأحداث العربية وطرق تحليلها وتغطيتها ، إذ كيف أعيد إنتاج الأخبار والأحداث بما يخدم النموذج المصمم قبل عملية البث وفيه تركيز على عناصر الادرمة التي حكمت تغطية القناة للأحداث العربية ولأحداث وثائق ويكيلكس وللحراك الفلسطيني .وفيه نقد للمركزية الإعلامية التي باتت تنتج القمع المضاد لا تهاجم ثقافة القمع، بقدر ما تنتج سياقات تبرز قامعا نزيها وقامعا مشبوها ، حسب تحالفات المصلحة واستبدالها .
أما الفصل الأخير فقد تركز على الملف المصري ضمن خطين متوازيين : تحول الإخوان وتحول الجزيرة نفسها ، في تغطية الأحداث ، ويحلل هذا الفصل التحول في خطاب الإخوان من نص سيد قطب إلى فتاوى الشيخ القرضاوي من خلال اعتباره برنامج الشريعة والحياة نصا جماهيريا يعيد إنتاج الإخوان المسلمين بصفتهم جماعة الحق في مصر وسوريا وفلسطين وتونس وغيرها ، وهو تحول يصل إلى حد التناقض مع الخطاب الذي أسسه سيد قطب ، حيث الانتقال من الهجوم على المجتمع المدني إلى تقديسه ومن ثم تدنيسه .
من خلال تقنية استبدال المطلق بالسياق ، المطلق النصي والسياق الإعلامي ، في استغلال رهيب لعناصر صناعة المعنى تمهيدا لاستمالة الرأي العام ، وفق قاعدة القدرة على إبطال السلطة عندما يكون الإخوان في موقع المعارضة المقدسة دينيا ووطنيا من خلال العلاقة مع الآخر ، والقدرة على ابطال المعارضة عندما يكون الإخوان في مركز السلطة ، حيث القدرة على إنتاج التوصيف نفسه مع انقلاب الدور .
يذكر أن الدكتور وليد الشرفا هو أستاذ الإعلام والدراسات الثقافية في جامعة بير زيت ، حاصل على الدكتوراه في تحليل الخطاب ، اصدر ثلاث روايات آخرها القادم من القيامة التي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2013 ، وتم ترشيحها لجائزة البوكر .إضافة إلى عدد من الأبحاث في السرد والصورة .