تقدّم الدكتور علي الوردي منذ خمسينيات القرن الماضي بوصف للمجتمع العراقي من حيث كونه مجتمعا متناشزا يتصف افراده بالازدواجية، وكان ذلك الوصف مثارا للاهتمام، سواء بالرضا او الرفض، او بالدراسة. انّ اصل اطروحة الوردي هو الطابع البدوي ndash; كما يقول ndash; لتشكيلات المدن والارياف وخارجها في العراق، فكانت البداوة تترحل هنا وهناك ناقلة خصائصها السلبية والايجابية الى تنظيمات الدولة، وظلت اساس الحياة النفسية والاجتماعية دون ان تنتقل الى الحالة المدنية، او، الحضارية.

وقد امكن للوردي، ومن يسير على طريقته في تحري الاصول الاجتماعية، ان يجمع مظاهر كثيرة تؤيد فكرته عن quot;الطبيعةquot; الاجتماعية والفردية للعراقيين ولهذا فان كتابه quot;لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث quot; يستوعب الحوادث التي تذهب الى انّ ماساة الاصلاح تكمن في طابع البداوة الذي لم يتم انتشال المجتمع منه بل تغلغل ذلك الطابع الى ثقافة المجتمع ولغته. واستمرأ الوردي اطروحته وانتقل بها الى العرب بشكل عام، انطلاقا من الهجرات التي سبقت الاسلام وانتظمت بعده.
في عام 2005 كان الوردي موضوع حلقة دراسية في بغداد شارك فيها عدد من الباحثين، وقد تصدوا لاطروحة الوردي واعادوا تركيبها ونقدها، وكان من بين المشاركين في الحلقة: مالك المطلبي، الذي قرأ كتاب quot;اسطورة الادب الرفيعquot; وقام بتقليب فكرة الوردي عن اللغة والنحو والشعر العربي، وصار المطلبي الى تطوير قراءته لتكون كتابا في quot;تامل المقدسquot; كما سماه.
كان quot;اسطورة الادب الرفيعquot; تجميعا لمقالات صحفية ذات موضوع واحد هو اللغة العربية باعتبارها دليلا على ازدواجية العرب، وكانت مساجلة مع عبد الرزاق محيي الدين، لكنّ المقالات تناولت مواضيع في النحو والصرف والصوتيات واجتماعيات اللغة على نحو غير عميق او ان الوردي تعمد ndash; كما هو شانه ndash; الى تبسيط الموضوعات ليستطيع تمرير افكاره الى اوسع دائرة من القراء. أما المطلبي فانه عمل على استرداد المشكلات ووضعها في اطارها الاصطلاحي مع ايقاظ القواعد ذات العلاقة، والردّ على ملاحظات الوردي ّ: بحيث يتبين، كما يقول المؤلف، انّ ذلك الاخير كان يتحدث عن مفاهيم معاكسة لمرماه، واحيانا عن مفاهيم مختلفة تماما عن توصلاته، لانّ دقائق الحقل النحوي او الصرفي او المعجمي ليست مطابقة لحقل الاستعمال اللغوي كما يودّ الدكتور الوردي في رؤيتها. وقد انتظم كتاب المطلبي في خطة متتابعة من فحص عنوان الوردي، في معنى الاسطورة والادب والرفعة، والصلة بين اللفظ والمعنى والازدواجية البدوية والحضرية، وذهب الى تحليل وعرض لبعض مظاهر العلم النحوي والصرفي والمعجمي، من قبيل الاعراب، والزوائد، والاضداد، والمترادف وادخل كل ذلك الى المفاهيم الاجرائية للدلالة. واعتمد على الاليات اللسانية quot;التركيبيةquot; لفقه اليات اللغة ومايمكن ان ينتمي منها الى المجتمع مباشرة ومالا ينتمي مباشرة، وماليس له علاقة بذلك.
انّ كتاب quot;تامل المقدّسquot; يستحق قراءة متوسعة، للدخول مجدداً الى افكار الوردي عبر دراسة مصطلحه الاجتماعي والنفسي والسياسي والتاريخي، فقد اعتمد هذا الكاتب ذو النفوذ الواسع لدى القراء على مفاهيم عامة لابد ان يختبرها النقد وصولا الى موضوعها المباشر والحساس، وذلكم هو: المجتمع العراقي.