مدينة يونشوبينغ السويدية الواقعة في وسط السويد، بمحاذاة فيتيسنيس أوسع بحيرة في المملكة، عُرِفَت المدينة بحلة جمال الطبيعة الساحرة على مدى الفصول الأربعة، وعلى نحوٍ متميز في فصل الصيف بدلالة زخم السواح من داخل وخارج السويد، إضافة لتكنيتها بالقدس الثانية أي بأورشليم، لما تتمتع به من الكنائس القديمة والحديثة.
في الآونة الأخيرة من العام المنصرم 2014 تمتعت واستوعبت قاعات ومسارح تلك المدينة العديد من المناسبات الإجتماعية والثقافية والفنية بمساهمات الجمعيات ذات الجذور الأجنبية التي منها الآشورية والعربية وأصول أخرى.. وعلى حين غرة بإشراقة العام الجديد لم تتوانى تلك الجمعيات والمنظمات من الإحتفاء بما يبشر بالخير ويبعث الطمأنينة في نفوس الجماهير من محبي الأمسيات الفنية والثقافية، ومن تلك المآثر الفنية التراثية تجلت مساء يوم 10 كانون الأول بما أقدم عليه ثلاثة من شباب شعبنا الموهوبين في الحقل الموسيقي بتصميمهم على إحياء أمسية فنية تراثية في غاية الأهمية في قاعة الكنيسة الكاثوليكية بيونشوبينغ، متمثلة بالأخوين ريمون يوسف عازف الكمان وعضو اوركيسترا المدينة، ونينوس يوسف عازف العود وعقيلته سحر جورج عازفة البيانو خريجة كلية الفنون الجميلة ببغداد، إضافة لمشاركة العازف السويدي ماكنوس ليدمارك على آلات إيقاعية هندية قديمة في بعض المعزوفات، بحضور مجموعة من المهتمين من السويديين وجنسيات أخرى.
في البدء تقدم راعي الكنيسة الآب يوسف نيلسون مرحباً بالجماهير، ليتبعه الشماس يوران فيلد مسؤول منظمة كاريتاس في يونشوبينغ، ليستهل هو الآخر كلمته بالترحيب ومبيناً بأن برنامج الأمسية هو دعاء وإبتهال لإسناد قلوب المشردين في الوطن الأم من بلاد ما بين النهرين، وريع الأمسية هو لدعمهم مادياً ومعنوياً.
ما تميزت به الأمسية& هو إنتقاء العازفين لمقطوعات موسيقية شرق أوسطية من عدة بلدان تعبيراً عن التضامن الفني في خدمة القضايا الإنسانية، وفي ذات الوقت تم تطعيم الأمسية بعدد من المعزوفات والأغاني التراثية العراقية، وفي مقدمتها ترنيمة كنسية توحي بإحلال السلام في ربوع الوطن، ليتبعها على التوالي معزوفة بعنوان " الفراشة " للموسيقار العراقي غانم حداد، ومعزوفة " الشروق " للموسيقار العراقي جميل بشير، ومن ثم معزوفة من التراث السوري في العهد العثماني مطعمة بإيقاعات آلات اسبانية وهندية بمشاركة العازف ليدمارك، فترتيلة تضرع لمناسبة أعياد الميلاد من كلمات الشاعر الفذ نزار حنا الديراني، تلحين وغناء العازف نينوس مؤدياً أياها بإسلوب طغى عليه مسحة الخشوع، وبصوت يتناغم مع مآسي وآمال وتضرعات أبناء شعبنا في العراق. ومن التراث الموصلي تراقصت أصداء الآلات الموسيقية بأنامل العازفين مجسدة ألحان تموجات أغنية شعبية شهيرة لها وقعها في العديد من مناسبات الأفراح باللهجة الموصلية تُوّجَت بعنوان "إلى الحدباء" إستذكاراً لما حَلّ بساكنيها من الأصلاء، ولا زال يحلّ بأقدم المدن العراقية من هدم وتخريب وتفجير معالمها الدينية الإسلامية والمسيحية المغمورة في القِدَم ومنها تلك الآثار التي تجسد عظمة ومكانة حضارة عاصمة الأمبراطورية الآشورية. ومن ضمن ما تم تقديمه تقاسيم أغنية " عمي يا جَمّال " للعراقي الشهير عبد الجبار الدراجي إضافة لمعزوفات أخرى من التراث الشرقي.
ومما ينبغي الإشارة إليه دور جمهور الحاضرين من جنسيات مختلفة في الإستماع بآذان صاغية للغة الفن العالمية التي لا يستوجبها الترجمة من جراء تناغم الألحان بصدى تآلفها وتجانسها واتساقها وكأنها شبيهة بتلك اللوحات الفنية التي تبهر الأبصار بألوانها الزاهية المتآلفة، وعلى وجه الخصوص حين كان صوت العود يناغم الكمان، وحين كانت أصداء البيانو تحاكي وتلاطف الآلتين بتمهيد لإنطلاقة العزف المباشر، محفزة مشاعر وآحاسيس الحاضرين بتعالي التصفيق الحاد في خاتمة كل قطعة موسيقية، إعجاباً بها وتثميناً لجهود العازفين. وفي ختام الأمسية تم دعوة الحاضرين في صالة الإستقبال لإرتشاف السواخن على طعم رائحة معجنات المخبوزات البيتية لمواصلة الأحاديث الودية التي غلب عليها الإشادة بما استمعوا اليه في أجواء من الراحة النفسية، شاكرين العازفين ومنظمي الأمسية بشكل عام، آملين المزيد في المستقبل القريب.
&