&
الرواية السعودية المعاصرة كانت محور أولى مشاركات ضيف الشرف لهذا العام المملكة العربية السعودية في معرض القاهرة للكتاب بدورته الـ 46، شارك بها كل من د.يوسف نوفل، د.سلطان القحطاني، د.فرج مجاهد، وأدارها د.مدحت الجيار الذي أشار في افتتاح الندوة إلى أن هناك احتفالا مصريا نقديا بالرواية السعودية وقد آن الأوان لتظهر للنقاد، ومن هذا المنطلق أقمنا بحوث متفرقة لروايات لأشخاص مختلفين أوقات مختلفة بحيث نستطيع تغطية الأجيال المختلفة، ومشاركة نقاد من خارج السعودية، ولدينا حتى الآن 9 أبحاث عن الرواية السعودية من باحثيين وأساتذة في الأدب هم فرج مجاهد، د.معجب العدواني، د.حسن النعمي، د.علي القرشي، د.نجيب الجباري، د.سامي الجمعان، خالد اليوسف، أسامة الزيني ود.أمل التميمي.
وقال "هكذا تشكل الملف السعودي الذي خرج للمرة الأولى وأصبح لدينا كتاب عن الرواية السعودية"، وأضاف "إن لدينا مجموعة باحثين لبلورة مشوار الرواية السعودية وتبيان نقاط القوة الموجودة فيها، وبالتالي سنعيش مع الرواية السعودية في محاولة بدايات الاهتمام المصري بهذا الفن".
وتحدث د.يوسف نوفل وهو باحث وأستاذ جامعي عن رؤية بانورامية عن الرواية العربية السعودية ذلك الفن المظلوم حسب قوله حتى الآن، وأوضح أن الاهتمام كان منصبا على الشعر ومثال ذلك ما كتبه طه حسين عام 1948 عن الحياة الأدبية في شبه الجزيرة العربية، تلاه كتاب المرصاد لإبراهيم الهلالي عام 1951 عن مجلة رائدة في الاهتمام بالرواية، وفتحت لنشر كتاب المرصاد الذي يعتبر أقدم كتاب نقدي لكنه أيضًا كان عن الشعر، الجميع كتب عن الشعر، حتى طه حسين كتب مقدمات لدواوين ولم يكتب للرواية، كذلك في البلاد العربية الأخرى، فطغى الاهتمام بالشعر، لكن هذا لم يمنع النقاد من الاهتمام بالرواية السعودية ومنهم سلطان القحطاني الذي كتب كتابة موسعة في دراسته "الرواية في المملكة نشأتها وتطورها" إلى جانب مقالات أخرى، ومثل عبد الله الجفري، ومحمد صالح الشطي، ومنصور الحازمي وغيرهم ممن ينتمون إلى الحركة النقدية السعودية.
وأضاف قائلا "إن البحوث والنتاج النقدي التاريخي الذي اهتم بالأدب السعودي، ونظرا لاتساع رقعة المملكة كان يتسم بالانتماء للمكان "نجد، الاحساء، عسير"، فكان الأدباء يقسمون حسب الأماكن ولم يتحدث أحد عن الرواية السعودية بشكل عام، وبهذا شقت الرواية السعودية طريقها في غياب النقد".
وأشار نوفل إلى أن الفترة ما قبل عام 1980 كان فيها المجالين النقدي والتأريخي يفتقران للرواية التي كان أولها "التوأمان" سنة 1930 والفضل يرجع في ذلك لاهتمام "المنهل" وهي أول دورية كتبت عن الرواية السعودية، ثم تتالى الأمر بعد ذلك في سنين 1935 و1948 حتى كان التطور الحقيقي في "زمن التضحية" لحامد الدمنهوري عام1959 والتي كانت نقطة تحول في الرواية السعودية، جاءت بعدها رواية إبراهيم الناصر عام1961 "ثقب في ميدان الليل"، وتوالت الأسماء، ومنذ عام 1980 كان الثراء الحقيقي للرواية بصدور 170 رواية حتى 1985، فكانت هناك زيادة كمية وتطور فني واستمرارية للكاتب بخلاف السابق، حيث كان الأديب يكتب رواية أو اثنان لكن ما حدث أن الروائي ظل يكتب في هذا الفن، مثل عبد الله الجفري حين أصدر أعماله الكاملة عام 2005 صدرت في 6 مجلدات كان من ضمنها 9 روايات، كما انتزعت الرواية من الشعر كاتبا روائيا هو غازي القصيبي، وأخيرا ظهرت الكاتبات وزاد عددهن.
وحول التعرف على مصادر دراسة الرواية في السعودية وتطورها الفني تحدث د.سلطان القحطاني الأستاذ الذي وهب نفسه للرواية في نقاط أولها: الجغرفة السكانية، حيث قال في عام 1926 كانت نسبة الأمية في المملكة 97%، وكانت نتقسم إلى الحجاز، الشرق، الجنوب، الشمال والوسط. وأضاف إن الوسط كان عندهم العلم التقليدي من شعر، منظومات، فقه ابن مالك واللغة، وكانت الثقافة تدور في حلقة مفرغة لعدم اختلاط بثقافات اخرى. أما الجنوب فقد تأثر بالثقافة اليمنية وما بها من منظومات، مساجلات، والردود مابين المذاهب المنتشرة، وكذلك الشمال كان يغلب عليه الطابع البدوي والاهتمام بالشعر الشعبي، أما الحجاز فقد احتفظت بثقافتها منذ القدم لكثرة ما يفد إليها من البلاد العربية والإسلامية محملة بالثقافات التي عجنت ببعضها وكونت الثقافة الحجازية.
وأكد القحطاني على أن الشعر كان الأساس، وأن كل بيئة كونت ثقافتها، وأضاف أن الاشتراكات كانت سارية المفعول للمجلات والدوريات العربية، وكان عبد القدوس الأنصاري صاحب رواية "التوأمان"، له كتاب اسمه "إصلاح الكتابة"، وكان في كل عام يرحل لدمشق ويطبع كتبه، كما كان عدد وكالات الصحف كبيرا، وكانت الكتب تباع من الشاحنة قبل وصولها للمكتبات، وقد أنشأ عبد القدوس الأنصاري مجلة "المنهل" من ولعه بالقصة وقام بإطلاق اسم الرواية على عدة فنون أدبية، وعن نشأة الرواية كضرورة مرحلة كتب الأنصاري "التوأمان" بسبب الحرب العالمية، وكان يؤمن أن اهتمامه بالرواية كان للقصة وأن القصة عندما تقرأ أفضل من كتاب، كانت هذه نظرية الأنصاري خاصة في اليوبيل الفضي للمجلة المنهل بعد أن أكملت 50عاما.
وعن كتابه "الرواية في المملكة العربية السعودية نشأتها وتطورها" قال أنه "رسالة دكتوراة ظهرت من ولعي للرواية وعندما جئت أسجل الرسالة لم يصدق المناقشون في الخارج أن السعودية بها فن الرواية ولكنهم بعد قراءتهم لها تغير رأيهم تماما، وقد عمل منصور الحازمي كتابا عن القصة والرواية لكنه لم يكن عملا أكاديميا". وأضاف "لقد بدأنا في إدخال الروايات على الكمبيوتر على مقاييس معينة ليقرر البرنامج ما إذا كانت رواية أم لا، وقد قمنا باختبار قصة "التوأمان" فلم تقبل كرواية ولكنها قبلت كقصة قصيرة، بعد ذلك قمت بترجمة الرسالة للعربية، وقد كتبت عن نشأة الرواية وتطورها لكني عندما كتبت عن النقد الأدبي في المملكة كتبت عن نشأته واتجاهاته، لأنه لم يتطور ولم ينضج كالرواية.
ثم قال إن المرحلة الثانية للرواية العربية بالسعودية كانت بيات شتوي طويل من عام 1961 إلى 1975 لأنها لم يكن مرحبا بها وقتها، فقد اتهمت فئة معينة الكتاب بالضلال، ولأن القصة القصيرة كانت هي المسيطرة، وبسبب أنها غير مرحب بها لم تجد ناشرين يوافقون على النشر، لكن ما حدث في الثمانينيات كان انفجارا لـ 3 أسباب: كثرة الخريجين الجامعيين والأساتذة الذين درسوا في جامعة الملك سعود وقاموا بالتأثير في طلابهم بالعمق النقدي والتأثير فنيا، ثم صدر قرار تشجيع المؤلف بشراء 30% من إنتاجه ثم ساهم الإعلام بصدور ملاحق ومجلات وجرائد تناقش الرواية والقصة القصيرة، وأخيرا تقهقر فن القصة القصيرة بانحدار مستوى كتاب القصة، كما تتراجع الآن الرواية أمام أدب السير الذاتية.
وختم القحطاني بقوله إن ما جعل الرواية الآن تشتهر بقراءتها هو شبه التوقف التام للمسرح السعودي الذي كان يمثل جزءا كبيرا، لكن للأسف جاء تيار يحارب كل ماهو نور وحرَّم المسرح والموسيقى والديكور وتوقف الآن، وجمعية المسرحيين السعوديين أفلست تماما.
وأكد الباحث فرج مجاهد المتابع لتاريخ الرواية العربية السعودية إن الرواية السعودية في نهوض بل بالعكس تكاد تنافس الرواية المصرية الآن، واستطاعت في وقت وجيز وفي مراحلها الأربع أن تقفز قفزات زمنية وتقنية وكمية على مختلف الاصعدة، كما اختلف مع د.القحطاني في رأيه عن تراجع الرواية أمام السير الذاتية قائلا "إن أدب السيرة الذاتية من روافد الرواية وليس منفصلا عنها، وهناك بعض الأعمال تمزج بين الفنين، فتكون رؤية تكميلية متناسقة".
وعن تطور الرواية السعودية قال إنها حازت على اهتمام النقاد خصوصا في المراحل الأخيرة وقد كتب في ذلك حسن النعمي، وعلي سرحان القرشي، وحسن الحازمي، وطلعت صبحي السيد، وسيد الديب، كما ظهرت الرواية السياسية التي لفتت النقاد فالمجتمع السعودي محافظ وبعيد عن النشاط السياسي، برواية محمد العباس "سقوط التابو.. الرواية السياسية في السعودية"، كما ليوسف نوفل 4 كتب عن الرواية السعودية، وأضاف إن بداية الرواية الفنية كان بين عامي 80-89 فقد بدأت تبرز الرواية الفنية برواية "فتاة حائل" لمحمد عبده يماني، كذلك روايات الصندوق المدفون، ستشرق من جديد، أجل ياسيدي، رجل من الزمن الأخير، ومجموعات أخرى تناولتها الكثير من الدراسات.
وقال مجاهد إن من العلامات البارزة في الرواية السعودية حصول رواية عبده خال على جائزة البوكر وهذا اعتراف ضمني بالرواية السعودية، بالإضافة إلى روايات عبد الرحمن منيف وخماسية مدن الملح، وروايات كل من عبد اللطيف الشمري ويوسف المحيميد الذي حاز على جوائز وترجمت رواياته لعدة لغات، غازي القصيبي، شريفة الشملان، محمد بن سعد بن حسين في روايته "الزهرة المحترقة" والتي طبعت عدة طبعات، وهو من أهم النقاد العرب ويوصف بأنه طه حسين المملكة، كذلك الروائي محمد حسن علوان، ورجاء الصانع صاحبة رواية بنات الرياض التي فتحت المجال وخرجت من عنق الزجاجة وهوجمت كثيرا، وأيضا فهمي العتيق، عبد الرحمن صالح العشماوي، غالب حمزة، مها محمد الفيصل، منذر القباني في روايته "حكومة الظل" التي تحدثت عن السياسة.
وأضاف إن الرواية السعودية تحولت في البناء وتغير السرد، فالبناء الروائي ما يتحرك في النص الروائي وله أحداث ومراجعات، والبناء التعاقبي في الرواية، ومجاورة النص لنص آخر له طبيعته السردية، أو له جنسه المختلف عنه ظهر جليا في روايتي رجاء عادل، فالمرأة السعودية أثبتت تفوقا، ونحن بصدد إعداد لكتاب عن الرواية السعودية نتمنى أن يخرج للنور قريبا.
&