&

جميعُنا وحيدون، هياكل تسير تجاه ما لا تدرك كنهه، وبكل ما في العنفِ من معنى: يسقطون الواحد تلو الآخر.

الوحدة حريّةٌ حزينة. نصْلُ الوقتِ وحده من يعزلنا عن الشعورِ بتكرار الخسائر، يعبر الخواصرَ بخفّة ودون أي صوت؛ فالصوتُ عارُ الأشياء التي تعيشُ في الظل.

أتذكّرُ الآن ماضيَّ الذي أُحبُّه، كان مطرزاً بالخطايا، أوجاعُهُ فتنةٌ ولياليهِ أشباحٌ مألوفة ليس من بينها الرغبةُ أو حتى مكائدَ صغيرةٌ لتزجية الوقت. إنه ماضٍ يتراوحُ بين طفلين؛ أحدهما كَبُر إلى غير رجعةٍ، والآخرُ لا يزالُ يبكي في زاوية منزلنا الطيني. وحيداً أشعلُ ذاكرتي، وأتدفأُ بأحزانِ رعاةِ قريتي، الأحزانُ اليوميةُ ليستْ أكثرَ من وَجَلٍ قديمٍ لا يضرّ؛ وإن تركَ ندوبَه في أرواحٍ مُتْعبةٍ عديدة. كلُ أولئكَ الرفاقُ وحيدون حول نارٍ وَاحِدَةٍ، أعرفهم جميعاً، ولكنَّ محبةً مطفأةً تظللهم كغيمة، الجميعُ يتآلفُ معها، والجميعُ يريدها كمحضيةٍ بكماء.

جميعُنا وحيدون، حتى عندما نشاهدُ صوتاً ضالاً؛ أو نتمايلَ على بقايا معاركَ لا تخصُنا. وربما، ولأن الأمكنةَ علّمتْنا الخوفَ، ظلتْ عزيزةً علينا قصائدَ تتحدثُ عن العشّاقَ وكأننا نعرفهم. يشعرُ الفقراءُ، عادةً، بالتعاطفِ مع مآسيَ يعرفونَ نهاياتها، يكررونها كتعاويذَ، ويتشبثون بأملِ ألا يفقدَ العاشقُ حبيبته، لا أحدَ يعودُ من الموتَ ليغيرَ النهايات لهؤلاء الحُزانا، ولا الوقتُ يرجع إلى الوراء ليعزيهم قليلا.

الوحدةُ حريّةٌ حزينةٌ جدا، وأطيافها المتعددة، بتعددِ أيامنا، ليست حقيقيةً إلى درجة أن تخبرنا سببَ بكاء طفلٍ طيلة هذه الحِقَب في زاوية منزلنا الطيني. إن ما يعرفه الجميع، بلا استثناء، هو أن هذا الطفلَ أصبح يشبهنا تماماً، إذ لم يعدْ قادراً على المحبّة..
&