&

حفل الفن التشكيلي النسوي في العراق بأهمية خاصة، وذلك لتوفر عناصر التأثير البصري المسوغة برؤية فكرية وفلسفية، وتطلع حسي خاص، فمنذ مديحة عمر ونزيهة سليم وسعاد العطار، استحال فن الرسم النسوي في العراق الى صيغ من العمل المتقدم المتماشي مع رسومات الفنانين من اقرانهم ومن الذين سبقوهم ولحقوا بهم، وبذا فان كفتي الميزان بين الفن الذكوري والانوثي &متعادلتين، الا ان حالة التنامي والتطور في الفنون التشكيلية العراقية ساعدت على بروز الكثير من الاسماء الفنية، ومن كلا الجنسين، واتسعت رقعة الفنون التشكيلية بشكل لافت للانتباه وشملت قائمة الاسماء الفنية المئات من العاملين والعاملات في حقول الرسم والنحت والخزف والخط العربي والزخرفة الاسلامية والكرافيك وسواها من التفريعات التشكيلية الاخرى وقد استطاعت الفنانة فاطمة العبيدي، الولوج في عالم الفن التشكيلي محققة حضورا منظورا في المشهد التشكيلي العراقي المعاصر من خلال مشاركاتها النوعية الهامة في ابرز الملتقيات العالمية وأهم المعارض الوطنية التي تقام في داخل وخارج العراق.
كيف يمكننا الدخول في عالمها الفني؟
اعتقد، ان الفنانة فاطمة العبيدي ترسم بوحي من حريتها وموقفها الفكري ورؤيتها المعاصرة للفنون الحداثية، بيد ان خصوصية الرسم لديها تتأتى من خلال تلقائيتها بلا تصنع ولا مبالغة ولا ادعاء، وان كيفيات الرسم تخضع لمجموعة من سبل تحريك المواد اللونية على سطح اللوحة وانواع من المحاولات التجريبية التي تسمح بأستثمار طاقة الاستخدامات المختلفة لتقنيات الرسم، وصولا الى المواضيع الحسية التي تكاد (موسقة الالوان والخطوط)، وخلق اجواء من الانسجام والتناغم بين التداخلات اللونية وبين تشكيلات الخطوط، فالالوان وعلى الرغم من تضادها وتباينها الا انها تتحرك في كل الاتجاهات مضفية بعدا زمنيا من خلال كسر السكون، والمهم في فن الرسم ان يعرف الفنان الكيفيات التي تسمح بصناعة لوحة ناجحة بكل المعايير وينبغي ادراك كل عناصر العمل الفني المتداخلة في بنى الاعمال الفنية مثل: المواد الخام والتي نطلق عليها بالمواد الملموسة، والالوان، والمذيبات، وادوات التنفيذ، وحتى السطوح التصويرية كلها تعد موادا خام اساسية وفي تعريف المواد الخام (انها وسائط الفنان للتعبير لنقل ما يجيش في خاطره ويعلق في تذكره ويعبر عن افكاره، وربما تتشارك حدوسه ونظرته الاستشرافية، المتطلعة للغد والعنصر الاخر هو (الشكل) والفنانة فاطمة العبيدي تشتغل على فكرة بناء الشكل وقد نجدها تتقصد في تدمير هذا الشكل او تخريبه والنقطة الهامة التي يجب شرحها وهي ان الشكل في كل احواله وتداعياته يمثل حاضنة مناسبة لوضع كل المفردات والعلامات والاشارات وما يعتمل في ذات الفنانة من رؤى وتطلعات وتأمل وأخيلة، اذا، الشكل وعاء للأحساس والتفكر معا، وحين تبني الفنانة شكلا معينا، انما تلتزم بقواعد الضبط للتصميم واحتساب القيم البصرية ومديات الرؤية، وبذا فأنها استطاعت ابتكار أشكال لوحاتها ونظمتها على اسس علمية وفنية في ان معا.
لقد زاوجت الفنانة بين مفهومي العقلي والحسي ووظفتهما على نحو متقن، وهذه سمة بارزة، يحسب لها الف حساب، وفي جانب انتقائها للمواضيع ذات الابعاد المعبرة عن المواقف الشخصية والعامة والمرتكزة الى المفاهيم التي اكتسبتها عبر مسيرتها الفنية، ولكي نضيء جانبا من حياتها الفنية فاننا نقول: بأن الفنانة فاطمة العبيدي ومنذ نعومة اظفارها تعرفت على فن الرسم والمواد المتداخلة في صناعته من خلال عمها الفنان الرائد محمود العبيدي، الذي حرص على ان تتعلم هذه الفنانة، ابجدية الالوان وهجائية الاشكال وبلاغة التعبير وكذلك تعلمت منه مفاهيم الحرية الفردية، المسوغة بالصدق والوضوح والصراحة، وكما يقول الفنان الفرنسي (فردناند ليجيه): (وبالصدق والحرية يمكن للفنان تحقيق مبتغاه)، ولو أننا تأملنا في لوحات الفنانة فاطمة العبيدي لوجدناها مرسومة بحرية وصدق مراعية وضع الحلول الفنية والتقنية فتبدوا اللوحة اخذة لكفايتها من الاشتغال الفني وقيم التعبير عن الاحداث والمواقف والمفارقات، بيد ان شعورها لحركة الزمن السريعة حتم عليها الرسم بالطريقة التجريدية، والتجريد بحسب مفاهيم الفنان (شاكر حسن ال سعيد) يعني بلوغ حالة من النجوى والتأمل، غير ان شاكرا حسن، يشتغل بمنطق فكري ورؤيوي مختلف تمام الاختلاف وربما تكون الفنانة فاطمة العبيدي متأثرة بدرجة ما بالفنان روسي الاصل (فاسيلي كاندنسكي) هذا الفنان الذي كان يهمه اضفاء طاقة نغمية على التراكيب اللونية والخطية وهذا ما نطلق عليه (موسقة الالوان) ولا بد ان يكون مغزى الفنون التجريدية مرتبط بالأبعاد الزمانية والمكانية معا.
ان الزمان يجري تجريدا وتغييرا ديناميكيا على كل أشكال الوجود والمكان يتغير بحكم مرور حزم الزمان عليه وكان تجريد (شاكر حسن) معني بتشخيصات مكانية حيث التصدع الذي يطرأ على بنى الموجودات بحكم عوامل الزمن والطبيعة التي تتعرض لعوامل التعرية المستمرة، وعلى هذا الاساس فأنه مهتم برسم عدة طبقات على السطح التصويري ويزاول عدة اجراءات تقنية كأحراق سطح اللوحة وتخديشها وتخريمها وتحزيزها ولكن الفنانة فاطمة العبيدي لم تغامر في أجراء مثل هذه الحلول وهذه الاجراءات، ولم تبادر لكي تستثمر طاقة المواد الاخرى التي تخرج عن قائمة مواد الرسم التقليدية وبصراحة ان كل المواد التي توظفها لا تخرج عن كونها موادا معتادة في مجال الرسم، وكذلك انها ترسم على وفق المناهج الاتباعية والتقليدية، أي انها تضع اللوحة على حامل الصور، محافظة على اتجاه اللوحة وعندما ترسم تكوينا معينا فأنها تضع ضمن حساباتها مسلمات الانشاء التصويري المعتنى به (تصميميا) ولكنها تحسن أداء اللعبة الفنية لاسيما في عمليتي وضع انسجامات بين الالوان وعلى الرغم من تضادها وممكنات تداخلها مع الخطوط المتراصفة والمشغولة بمسنن يشبه (المشط) مما يضفي طابعا زخرفيا يعبر عن التناغم من خلال خطوط المقشوطة.
ان الفنانة فاطمة العبيدي، تحث خطاها من أجل اعادة ابتكار ذاتها فنيا مجربة سبل مختلفة في رسم اللوحات، وحتى الخوض في غمار التجريب وتوظيف السبل الادائية والتقية المختلفة، فأنها تروم لشق طريق وصولها الفني في رؤية وموقف وأفكار مسبقة من شأنها الارتقاء بفنها نحو الغايات الطموحة. & & & &