إيلاف: صدر للشاعر السوري خلف علي الخلف طبعة ثانية من كتابه الشعري "يوميات الحرب القائمة"، بنسختين إلكترونية وورقية عبر شركة النشر الأمريكية لولو برس، التي تتيح النشر الذاتي للكتب. الكتاب الذي جاء بـ 144 صفحة من القطع المتوسط صمم غلافه المصممة سنا كيالي، بينما صورة الغلاف للمصور الفوتوغرافي السوري عيسى عيسى.&
وكانت الطبعة الأولى قد صدرت قبل سنة من الآن وكتب عنها في عديد من الصحف العربية الورقية والإلكترونية، كما استعرض العديد من القراء تجربتهم القرائية للكتاب عبر شبكات التواصل.
وقد جاء على غلاف الكتاب الأخير مقتطفات قصيرة من المواد التي تناولت طبعته الأولى؛ فقد كتب الكاتب الألماني المعروف، السوري الأصل رفيق شامي "تأثرت جداً وتوقفت كثيراً عند بعض المقاطع لإنقطاع نفسي رهبة وحزناً". وكتب الصحفي السوري رياض معسعس في الشرق الأوسط أنه ذرف دمعاً ساخناً بعد قرائته الكتاب. بينما رأت الكاتبة السعودية عزة السبيعي أن الحزن والغضب يتحدثان في هذه اليوميات.
أما حسين سليمان فقد رأى السخرية، في هذا الكتاب وجهاً آخر لغضب استدار من الشدة واعتبر أن السخرية هي الخيار الأمثل للتعبير عن الأهوال التي تواجه السوريين اليوم. "فإما الصمت وإما السخرية"
الصحفية اللبنانية أنديرا مطر كتبت في القبس الكويتية أن "الخلف يتفاعل مع ثورة شعبه مطلقاً كلمات كالرصاص، ليس بهدف القتل إنما للتصويب على حياة لا يريدها لا هو ولاشعبه". بينما اعتبر مروان العياصرة أن "الكتاب مجزرة على الورق ومن لحم ودم ودموع وبكاء.."
وكان إبراهيم قعدوني قد كتب في جريدة إيلاف الإلكترونية &أن اللغة تصبح "شديدة الإيلام -على بساطتها- كلّما توغّلنا في متنِ الكتاب مستعرضين لوحاتٍ تسيل منها الدماء وتصبح البداهة فيها ألغازاً وحيرَةً مضنيةً، وعجزاً يُثقِل الروح أمام فظاعةِ هذه التراجيديا البائسة". &ورأى أنه بالرغم من فداحتها فإنه يسجل لنصوص الكتاب قدرتها على استدراج القارئ نحو فوهة البركان لتتلاشى خياراته " فيجد نفسه إمّا ضحيّةً وإمّا قاتل."
وقال الخلف لإيلاف "إن الترجمة الإنكليزية الكاملة للكتاب ستصدر خلال الأيام القليلة القادمة عبر شركة أمازون."
يذكر أن الكتاب يحتوي على سبع باقات شعرية [ يوميات الحرب القادمة – (هنا الحرب) يوميات الحرب القائمة – عينات عشوائية من مجازر كثيرة – خطابات الحرب – مجازات الموت – هوامش الحرب – عن سوريا التي يعرفها الجميع] تتضمن كل باقة مجموعة من النصوص.&
الكتاب المهدى "إلى الشُّهداء والمعتقلين المجهولين؛ الذين لم يذكُر أسماءَهم أحد..". خصص ريعه لدعم تعليم الأطفال السوريين اللاجئين.&
وفي مبادرة نحو قراءإيلاف؛ سيتيح لهم الكاتب نسخة إلكترونية مخصصة بإهداء للتحميل مجاناً لمدة أسبوع [انقر هنا للتحميل].
من قسم عن سوريا التي يعرفها الجميع هذه النصوص التي خص الشاعر بها إيلاف
&
ما يمكن فعله قبل التوجه إلى الحدود&

جَفِّفِ الذِكريَاتِ؛ كَمَا كانَتْ أمُّكَ تُجَفِّفُ البامياءَ والباذنجانَ، الذكرياتُ الجافَّةُ يسهلُ حملُهَا؛ لِتكونَ مَؤونَة في شتاءٍ لا تَعرِفُ أينَ سَيُحلُّ بكَ.
ضَعهَا في جيبِ حقيبَتِكَ الصغيرةِ، أو جيبكَ إنْ غادَرتَ على عَجلٍ أثناءَ الغارةِ الجويِّةِ، وقبلَ سقوطِ البرميلِ المتفجرِ بلحظاتٍ. لاتترُكْ ذكرياتِكَ خلفَكَ مشرَّدَةً؛ فعِندَمَا يُدمِّرونَ الأَمكِنَة تُصبِحُ ذكرياتُنا بِلا مَأوَى.
أَوْصِ أصدِقَاءَكَ قبلَ أنْ يغادِرُوا خَرَائِبَهُم التي كانَتْ بُيُوتَاً، أَن يَحْمِلُوا خَرَائِطَ عليها أسماءُ قُرَاهم، أو أحيَائِهم؛ ربَّمَا لَنْ يَبقى مِنها حَجَرٌ، فَهذهِ الحربُ كقطيعِ كلابٍ مسعورةٍ تنهشُ كلَّ شيءٍ.&
احتَفِظ بِصوَرِ الأمكِنَةِ التي تُحِبُهَا؛ المَقهَى الذي كُنتَ تَشربُ فيهِ قهوَتكَ مَع أصدِقائِكَ، الشَارِعُ أو الحَديقَةُ حيثُ قابَلتَ حبيبَتَكَ لأوَّلِ مرَّةٍ؛ وكنتَ مرتبِكاً كعصفورٍ مُبللٍ؛ ولا تنسَ صُوَرَكَ في الأماكِنِ الأثريةِ مَع زُملائِكَ في الرحلاَتِ المَدرَسيِّةِ، والذينَ ربَّما الآنَ يُقاتِلونَ في جبهاتٍ متقابِلةٍ، صُورُ مدرَسَتِكَ أيضاً، إنْ كنتَ مِمَنْ يُحِبُّونَ المدرسَةَ، صُوَرُ بيتكَ الذي دَفعَتَ ثَمَنَهُ عَدَّاً ونَقدَاً سِنين طويلة مِن عُمرِكَ...&
سَتحتَاجُ هذهِ الصورَ كوسائلِ إيضاحٍ حينَ تَروي [في بلادٍ لا تعرِفُ اسمَهَا ولا لُغَتَها الآنَ] لأصدقاءٍ جُدُدٍ، أو غُرَبَاءَ جَمَعَتْكَ بِهِمْ مُصَادَفَةٌ، قِصَصَاً عَن «بلدِكَ الأصليِّ»، عنِ البِلادِ التي يتناوَلُ فيها الناسُ إفطَارَاً موحَدَاً كنشيدٍ وطني.&
سَتَحتَاجُهَا وأنتَ تَروي لِأحفَادِكَ؛ دُونَ أَنْ يكونَ هُنَاكَ مِدفَأةٌ يَتَحلَّقون حَولَهَا، سِيرَةَ البِلادِ التي جِئتَ مِنها. وتُفَسِّر لَهُمْ وَشْمَ «البلدِ الأصليِّ» الذي يَحمِلُونَهُ في بَلَدِهِم الجَديدِ.
سَتَحتَاجُهَا عِندَما تَثْمَلُ؛ وأنتَ تُنَادِمُ نوباتِ الحنينِ في حانَةٍ لا تعرِفُ فيها أَحَدَاً.
قبلَ أنْ تودِّعَ سوريا يُمكِنُكَ أنْ تَفعَلَ أشياءَ كثيرةً لا مَعنى لَها:
تَبتَسِمَ لَأعمِدَةِ الكهرَبَاءِ التي كُنْتَ تَمرُّ بِجَانِبِها دونَ أَنْ تُثيرَ انتبَاهَكَ، تَحفِرَ اسمكَ للذِكرى على حَائطٍ سَتَقصِفُهُ الطائِراتُ قريباً، تَزرعُ شَجَرةَ كينا أو صَفصَافَةً [ولا تَستَهتِر في هذا الأمرِ؛ فَقَدْ تَعوُدُ بَعدَ سنينٍ وسَتَجِدُ أنَّها الكائِنُ الحيُّ الوحيدُ الذي تّعرِفُهُ في هذهِ البلادِ].
تَحفِرُ قَبرَاً وهمِيَّاً في مَكاَنٍ غيرِ صَالِحٍ للقصفِ، تدفنُ فِيهِ كُلَّ أَشيائِكَ الحَميمَة؛ رَسائِل حَبيبتِكَ، دفترَ مذكَّرَاتِكَ، هَدَايا صَديقَاتِكَ وأصدِقَائَكَ، صُكُوكَ المُلكيَّةِ لِمَا أَضحَى غُبَارَاً...
فَكلُّ ذي حَيِّزٍ سَيكونُ عِبَئاً عليكَ وأنتَ تُغادِرُ البَلدَ الذي يَأكُلُهُ الخَرَابُ.
25-7-2014
&
للمهاجرين الجُدد

على الحُدُودِ؛ وأَنتَ تُغَادِرُ سوريا؛&
لا تَسْتَعجِلْ؛&
قِفْ والتَفِتْ إليِهَا لِدَقيقةٍ لا أَكثَرْ؛&
انظُرْ إليِّها بِهدوءٍ لِمَرَّةٍ أَخيرَةٍ والتَقِطْ بِعينيكَ آخِرَ الصورِ؛
تنفَسْ هَواءَهَا بِعُمقٍ؛ عِدَةَ مَرَّاتٍ، حَتَّى يَتَعَبَّأ جَوفُكَ بِرائِحَتِها؛
اذرُفْ دَمعَةً وَاحِدَةً كَمَلِكٍ يبكي ضَيَاعَ مُلكِهِ..&
رُبَّمَا لَنْ تَعودَ مَرَّةً أُخرى
وسَتَحتَاجُ هَذهِ الزوَّادَةَ في غُربَتِكَ الطَويلَةِ.
26-7-2014
&
&
وداعاً سوريا&
قُلْ وَدَاعَاً لهذه البِلاَدِ التي عَجِزَتْ أَنْ تُصبِحَ وَطَنَاً كَطَالَبٍ فَشِلَ في الامتحانِ؛
ودَاعَاً لِلنَدَمِ طَويِلِ البَالِ؛
للشُرُفَاتِ التي شَهِدَتْ مُشَاجَرَاتِكَ مَع زَوجَتِكَ، ودَفَنَتَ فيها الذكرياتِ
المتقيِّحَة، وخِيَانَاتِ الأصدِقَاء؛ لِلصُوَرِ التي بَقيَتْ مُعلَّقةً على الجُدرَانِ، كَذاكِرةٍ مُنتَقاةٍ مِنْ سِيرَتِكَ التي لا تَهمُّ أَحَدَاً، والتي سَتَذهَبُ وَحيِدَةً للنسيانِ [تحتَ الرُكامِ ربَّما].
وَدَاعَاً لِلشَمسِ العاديَّةِ، التي انتَظرتَها في الشِتَاءِ ولعَنتَهَا في أيَّامِ الصيفِ اللاهِبَةِ.
ودَاعَاً لِلحِجَارَةِ التي تَحتَ كُلٍّ مِنهَا حِكَايَةٌ أو نَدَم.
ودَاعَاً لِلخُبزِ، لِغبارِ الأمسِ، لِحَسَرَاتِ القتلى، لِلطُرُقَاتِ التي تَمشِي عَليِها الحِيرَةُ، للنَميِّمَةِ التي تَفرِدُ شَعرَهَا لِكُلِّ عَابِرٍ.&
قُلْ وَدَاعَاً لِلتَلَصُّص على حَياةِ الآخريِنَ، التي تَستَحِمُّ عَاريَّةً كَحَقيقَةٍ بَائِتَةٍ في المنازِلِ المُجَاوِرَةِ؛ للسيَرِ المُكَرَّرَةِ للجيرانِ، الذينَ اقترَضُوا مِنكَ الخُبزَ والمِلحَ؛ ولا تُفَكِّرُ بِإعَادَةِ الصُحُونِ التي استَعَرتَهَا إلى مَطَابِخِهِمْ المَهجُورَةِ.
ودِّعِ المَوتَى ولا تُودِّعِ الأَحيَاءَ؛ اترُكْ لَهُمْ فُرصَةَ شَتمِكَ لأَنَّكَ لَم تُوَدِّعهمْ؛&
اغسِلْ يقينكَ بالعَودَةِ بِصَابُونَةِ غارٍ. تَذَكَّرْ أُمَّكَ عِندَمَا كَانَتْ «تطبش» رَأسَكَ بِهَا، بينَمَا تَبكي مِن الصَابُون الذي دَخلَ عينيك؛&
وأَنتَ تُوَدِّعُ مِيَراثَكَ مِنَ الحياة التي هَرِمَتْ بَاكِرَاً؛ كَفِّنهُ بِتَهويدَاتِ النَّومِ التي غَنَّتهَا لكَ أُمُّكَ صَغيرَاً، اتركُهُ على سَريِرِكَ.. وغَادِر!&

في نَهارٍ مُقَشَّرٍ مِنْ لَيلِ الآخَرِينَ،
وبخلسةٍ عاريَّةٍ مِنَ الضَحِكِ، ونَميِّمَةِ الأصدقاء؛
بِتلويِّحَةٍ واهِنَةٍ مُصَابَةٍ بِشَلَلِ الأطفال؛&
وَدِّع هَذي البِلَادَ التي فَشِلَت في أَنْ تُصبِحَ وَطَنَاً كَطَالِبٍ كَسُولٍ؛&
قُلْ لَهَا وَدَاعَاً؛ [وَدَاعَاً لا لِقَاءَ بَعدهُ، وَنَعِمَ البَلَدُ أَنتِ لِلعَدوِّ، وليسَ لِلصَدِيقِ، ولا يَدخُلُكِ «سوريٌّ» بَعدَ الآنَ إلَّا خَائِفَاً]*
ودَاعَاً يا سوريا
ودَاعَاً يا أُمَّنَا؛&
التي بَكَتنَا كَأَعمَى لا يَعرِفُ الطَريقَ؛
التي سَتَنْتَظِرُنَا كَعَاشِقَةٍ بيقينٍ لايُبصِرُ؛ أنَّنَا سَنَعُود.&
ودَاعَاً لأمسِكِ الذي سَبِحنَا بِهِ عُرِاةً؛
لِغَدِكِ العَاري مِنَ الأَسماءِ والصِّفَاتِ.&
اغفِري لَنَا خَطَايَانَا وأخطَاءَنَا فَقدْ كُنَّا نُحِبُّكِ ونَحنُ نَهدِمُكِ حَجَرَاً.. حَجَرَاً.
11 – 8 - 2014
&