حوار وترجمة ابتسام جدير: عبد اللطيف عطافي كاتب مغربي أميركي يقيم بأميركا حيث يدرس "بالتشارلستون كوليج"، شعبة اللغة الإيطالية والفرنسية والدراسات الفرانكفونية. ولد بطنجة حيث تابع دراسته الابتدائية والثانوية، ثم قضى عشر سنوات بفرنسا حيث أنهى دراسته الجامعية والعليا، ومن ثم انتقل للتدريس بالولايات المتحدة الأميركية. كتب في البيداغوجيا بحوثا ومؤلفات، ثم كتب النقد، والشعر والرواية. تحتفي رواياته ("Le rocher perdu"، و"Greffe de rêves"، و"Tanger à la croisée des vents"...) بطنجة، والبحر، وحب الوطن، وباريس وفرنسا... حيث يدرس ويشرف على برنامج يمتد على مدار السنة... ينقله بساط الحنين إلى طنجة، بين فينة حنين وأخرى، التي يعتبرها حلية أخرى تزين جيد المغرب الساحر بأهله وتضاريسه. وهو ما سمح بهذا الحوار مع كاتب لكتاباته صدى في فرنسا وأميركا، ويبقى غير معروف ببلده الأصلي..

- كيف أتيت إلى الكتابة؟&
- أكتب بحثا عن إيجاد أجوبة لأسئلة تؤرقني وتوجعني. وبقدر ما أكتب، بقدر ما تتضح الأمور أمام عيني.
&
- هل يمكن القول إن كتاباتك في مجال التربية والتعليم (أولا والكتابة في الأدب) تندرج ضمن إطار المقولة الأمريكية الشهيرة (النشر أو الموت): المرتبطة بسياق التنافس الجامعي)، والتخصص، والترقية...&
- تندرج كل كتاباتي ضمن إطار مهنتي حيث يعتبر النشر ضرورة. تمثل قضية النشر أو الموت واقعا ضمن النظام التعليمي الأمريكي حيث على المدرسين أن ينشروا ليترسموا في عملهم. فخلال الخمس سنوات الأولى التي عملية التوظيف على الأساتذة أن يقدموا الدليل على حسن انتمائهم إلى مجال عملهم. وبعد ذلك فالنشر هو الذي يحدد مختلف أنواع الترقية ويتحكم فيها. ويعتبر كل ما أشرت إليه ممكنا لأن الجامعة الأمريكية تتوفر على موارد وإمكانيات ضخمة تمكن من البحث والإبداع.&
&
- ويمكن القول إن رواياتك تندرج ضمن مسار التعبير عن الذات... (وعن المجتمع)؟
- لقد نشرت روايتي الأولى [Le rocher perdu] سنة (1996)، أي بعد مضي سنتين على حصولي على الترسيم في مهنة التدريس. وقد شكل ذلك ما يشبه التحرر من عبء. كان السؤال الذي يؤرقني ويوجعني هو لِمَ أوجد بعيدا عن أهلي وبلدي؟ لم يكن من السهل تدبير البُعد بالرغم من النجاح على المستوى المهني. فقد كانت الكتابة ضرورية لنتمكن من الفهم، لنمنح هذا الوجود معنى لأتقاسمه مع كل الذين يرحلون..
&
- ما الظروف التي دفعت بك نحو العودة إلى كتابة الرواية، وكنت قد كتبت ونشرت أعمالا كثيرة تخص قضايا التربية والتعليم؟
- أكتب دائما ما أشعر به بطريقة شعرية، وملحة، وتلقائية. لكن كتابة الرواية تتطلب التنظيم، والاستعداد، ووقتا أطول من التركيز. عندما تتوفر هذه الشروط فإنني أكتب الرواية، وإلا فإنني أكتب في النقد الأدبي، وفي الإبداع التربوي، وفي الشعر، وفي مهنتي التي هي التدريس.
&
- يحضر في كل واحدة من رواياتك عناصر سيرذاتية...
- بالتأكيد، وقد أقول يحضر في كتاباتي ثلث من السيرة الذاتية، والثلث الثاني تغذيه تجارب الأصدقاء والأقارب، والباقي هو نتاج ملاحظاتي.
&
- هل تمثل الرواية، بالفعل، مرآة تعكس العالم الواقعي والعالم النفسي؟
- تقوم الرواية على بناء ما ينعكس على مرآة الواقع واللاواقع. إنها التخييل الحقيقي الذي يسمح بالانسجام مع الذات، ولكن الانسجام مع المجموعة البشرية خاصة. وهذا يختلف عن الخيال الذي يحشر الفرد داخل فقاعة منفصلة تماما عن الواقع ولكنها تقدم مظهرا خادعا عن الواقع. إنك تقيم بالولايات المتحدة الأمريكية،&
&
- لكن كتاباتك تتخذ من المغرب موضوعا لها وفضاءا؟
- من المغرب وفرنسا حيث قضيت عشر سنوات من حياتي، والتي أتردد عليها باستمرار في إطار عملي الدراسي والتربوي. ثم إن العيش بالولايات المتحدة الأمريكية يمنحني المسافة التي أحتاجها كي أعيش وأشعر، في الآن ذاته، بالحنين الذي يلقي بي في غمار الكتابة وبالحرية التي تسمح لي بالتحرر من القواعد والمعايير الضاغطة.
&
- ماذا يعني بالنسبة إليك مفهوم الأدب المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية؟
- إنه أدب مشبع بإرث ثقافي مغاربي. يمكن أن يكتبه كل شخص ينتمي أو ينحدر من هذا الإرث، أيا كانت ديانته أو جنسيته. وأداة تعبير هذا الأدب هي اللغة الفرنسية سواء كتب بها الكاتب بحسب الاختيار أو فُرض عليه وفق ظروف معينة أو كان ذلك ثمرة الصدفة. ويعتبر فضاء هذا الأدب هو العالم بإسره.&
&
- هل تعتبر نفسك تنتمي إلى هذا "التيار" الأدبي؟
- نعم، لأن تراتي وإرثي الثقافي مغاربي وأغنيه بتجاربي الثقافية الأخرى: أقصد الفرنسية والأمريكية.
&
- نلمس من خلال قراءة رواياتك أن هناك نفحات صوفية تنبعث من كتاباتك (عزلة عزيز في رواية (Greffes de rêves)، وشخص مصطفى المنقسم بين ايجابيات وسلبيات مغادرة طنجة أو البقاء بها في رواية (Tanger à la croisée des vents)... والأمر ذاته نلمسه في بحثك المكتوب عن رواية الطاهر بن جلون (البعد الصوفي في"تلك العتمة الباهرة")...
- يعتبر التصوف بحثا كما هو الأمر بالنسبة للكتابة.
&
- ما هي الأسس الحقيقية للتعليم في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تجعله الأكثر تنافسية في العالم؟
- الاحترام السائد في العلاقة بين المُدَرِّس والمتعلِّم لا تحكمه بالضرورة موقع الرتبة، لكنها محكومة بولوج المعرفة.&فالمدرس يوجد دائما تحت تصرف المتعلّم ويسعى إلى اقتسام أكبر قدر من معرفته معه. فلا وجود لمسافة بينهما.&والمدرسون، هم أيضا، باحثون، ويمثل ذلك مثلا أعلى للمتعلمين. وفي الأخير، فهناك علاقة قوية بين التدريس والبحث.&