&

&
في 27 آذار/مارس 1941 كتبت فرجينيا وولف الى ناشرها جون ليمان، الذي باحت له بقلقها حول روايتها الأخيرة. وشعرت ان الرواية Between the Acts "سخيفة وتافهة" بحيث لا يمكن ان تُنشر في شكلها وقتذاك. وكتبت انها بدلا من ذلك ستعمل على تنقيحها للنشر في وقت لاحق من ذلك العام. وفي اليوم التالي، قبل ان يستلم ليمان الرسالة، ملأت وولف جيوبها بالحجارة وانتحرت بإغراق نفسها في نهر أُوس. وكانت حالتها العقلية ناجمة عن اصابتها بمرض الكآبة الذي من المرجح انه تفاقم مع تجمع نذر الحرب في اوروبا.&
كانت وولف في التاسعة والخمسين من العمر، وكتبت ثماني روايات بينها "اورلاندو" و"مسز دالواي" و"الى المناورة" والعديد من الأعمال غير الروائية. وتضعها الشبكة الواسعة من الأصدقاء وافراد العائلة في مركز ما أصبح معروفا باسم مجموعة بلومزبري. كان الناشر وزوجها ليونارد وولف على السواء طمأناها بشأن نوعية الرواية التي وصفتها بالتافهة. وحين نُشرت Between the Acts في تموز/يوليو من عام 1941 الذي انتحرت فيه اضاف ليونارد ملاحظة يوضح فيها ان المخطوطة لم تُنقح نهائياً وقت موت زوجته. ولكنه استبعد ان فرجينيا كانت ستجري تعديلات واسعة عليها لكنها كانت على الأرجح ستجري العديد من التصويبات أو التنقيحات الصغيرة قبل اعطاء النص النهائي للناشر. من المتعذر ان نعرف على وجه التأكيد كيف كانت وولف ستجري تنقيحاتها على روايتها الأخيرة ولكن الناقدة الأدبية اليكس كلارك تقول ان ما لا شك فيه ان الرواية ليست سخيفة ولا تافهة. ولا غرو ان الكاتبة الكساندرا هاريس تصف رواية Between the Acts بأنها "أثرى تعبير عن هذه الانعطافة نحو عينٍ غير نقية وجامعة وانكليزية جدا ". ولاحظ نقاد ميل وولف الى تناول نقاشات حول الأوضاع الاجتماعية وامكانية التغيير في اعمالها الأخيرة، لا سيما ما يتعلق بالمرأة. وفي عام 1937 نشرت أكثر رواياتها مبيعا The Years التي تقتفي حياة أسرة بارغايتر على امتداد خمسة عقود وتلقي نظرة فاحصة على حياة النساء من شخصيات الرواية والقيود المفروضة عليهن. وبعد عام كتبت عملا سجاليا في شكل رسالة الى رجل تستقصي فيها الطرق المختلفة التي يمكن منع الحرب بها، وكيف ان وضع المرأة الاجتماعي يحول دون قيامها بدور كامل. وكتبت في ذلك النص "ان المسألة التي تهمنها هي ما يمكن ان نقدمه لكم من مساعدة في حماية الثقافة والحرية الفكرية. فأبواب الجامعات أُغلقت بوجهنا مرات متكررة ولا نُقبل فيها الآن إلا بحدود ضيقة للغاية، ولم نتلق أي تعليم مدفوع الأجور، أو ما تلقيناه ضئيل بحيث لا نستطيع إلا قراءة لساننا ونكتب لغتنا الخاصة، نحن اللواتي لا ينتمين الى فئة المثقفين بل الى فئة الجهلة".&
بعد كتابة ذلك العمل والحزن على قريبها جوليان بيل الذي قُتل في الحرب الأهلية الاسبانية عام 1937 التفتت وولف الى كتابة روايتها الأخيرة. واشتغلت عليها من 1938 عندما لاحت نذر الحرب الى عام 1941 بعد اشتعال الحرب واستهداف لندن بحرائقها. الكثير من قوة الرواية ناجم عن الطريقة التي يتجاور بها الضجيج والهدوء. فان مزهرية موضوعة "في قلب البيت، رخامية، ناعمة، باردة، تحمل الجوهر الجامد، المقطَّر للفراغ، للصمت، وفي الخارج يتعالى ضجيج التحضيرات لحفلة ما بعد الظهر". حين انتهت وولف من كتابة الرواية شعرت مرة اخرى ان عقلها بدأ ينهار، كما تشهد الرسالة التي تركتها لزوجها ليونارد قائلة فيها "عزيزي، أشعر على يقين بأني سأجن مرة اخرى، وأشعر بأننا لسنا قادرين على المرور مرة أخرى بتلك الأوقات الرهيبة. فأنا لن أتعافى هذه المرة".&
المجتمع نفسه كان مهددا بالانهيار وقتذاك. وبدا الفن عاجزا عن إبقائه متماسكا، كما تكتب الناقدة اليكس كلارك. وفي ختام الرواية تقف آيسا وزوجها وجها لوجه فيما يكمن في الخارج "الليل الذي كان سكان الكهوف يتابعونه من مكان مرتفع بين الصخور". أن تضع وولف مثل هذه الدراما الديناميكية المبهمة في قلب روايتها الأخيرة فان هذا يليق تماما بكاتبة ارادت ان تستشكف اسرار الشخصية والوعي في نتاجها الاستثنائي بأكمله.&
&