إبراهيم بنادي من الرباط: وصلت رواية "نوميديا" للكاتب المغربي طارق بكاري إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، ما جعلها محور اهتمام القارئ العربي، ويرى بكاري أن اختيار روايته في الجائزة كان فرصة للوصول إلى جمهورٍ أرحب و بناء ثقة بينه وعموم القرّاء.

وتعالج الرواية مسألة الهوية وقضايا الواقع المتعددة. ويرى بكاري أن التطرف الديني زاد من ضياع الهوية. وقال إن "نوميديا" وان كانت تحاول أن تدينَ الإرهاب إلا أنها تتبنى موقفًا صارمًا من الغرب.

"إيلاف" التقت بكاري وكان معه الحوار التالي:

وصلت روايتك للقائمة القصيرة للبوكر، ماذا يعني ذلك بالنسبة لك خاصة أن "نوميديا"هي عملك الروائي الأول؟

- أنا سعيدٌ جداً بالوصول إلى اللائحة القصيرة لجائزة البوكر 2016 , سعيدٌ ايضا لأنني أمثل دار الآداب العريقة، ولأنني حظيتُ كذلك بثقة لجنة جائزة البوكر الموقرة، جميلٌ بحق أن يثمرَ مجهودُ المرء. و لأنّ الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) تحظى بثقة القارئ العربي فلا بدَّ أنها فرصة للوصول إلى جمهورٍ أرحب وبناء ثقة بينَ الكاتب وعموم القرّاء.

إلى أي مدى أثر عملك كمدرس للغة العربية في عملك الروائي؟

- دراستي الأدب ساعدتني كثيرًا ووجهتني إلى قراءات كانَ لها النصيب الأكبر في تشكيل مرجعيّتي الأدبية و صقلت لغتي و ثقّفتها و شذّبتها من شوائب الأخطاء التي لا يكادُ يسلمُ منها أحد، لكن عملي كمدرس لا أعتقد أنه أفادني كثيرًا اللهم إذا تعلّقَ الأمرُ بضمانِ الاستقرار المادي و العيش الكريم، أمّا ما دونَ ذلكَ فأعتقد أنّ العمل عمومًا، أيّ عمل لا بدّ و أن يؤثرَ في الكاتب وعلى تحصيله الثقافي و إنتاجه الأدبي، لأنه لا يسرقُ من يومه الساعات الطوال و حسب، بل يؤثرُ في مزاجه، و بالنسبة لمن هو صارم حينَ يتعلّقَ الأمر بالكتابة فلا بدّ أن يلتهمَ العمل و الكتابة جل وقتهِ، يسطو على حياتهِ الاجتماعية و يورثُهُ مشاكل جمّة مع الآخرين و يزفُّه إلى اغتراب نفسيّ مرير، في الأخير الوقتُ هو رأسمال الأديب، لأنه يمنحهُ متسعًا للقراءة التي هي بمعنى أو بآخر مفتاح الكتابة.

كيف تتعامل مع اللغة الأمازيغية والجغرافيا الامازيغية في كتاباتك. هل من آليات محددة؟ 

- "إغرم" في الرواية هي أكثر من مجرد قرية عادية، هي سحرٌ عذبٌ سكنَ البطلَ و ظلَّ يشدُّه من قلبهِ إليه، كما أسلفت، للمكانِ تاريخ موشوم في الذاكرة و لعلَّ ذلك أرخى بظلالهِ على الرواية، و لعلّي كتبتُ مديحَ ذلك المكانِ ولاءً لشيء ما مبهم في داخلي، لعلّهُ الطفولة أو أشياء أخرى صميمة.فتناول ذلك الفضاء الأمازيغي إستيطيقياً هو وفاء للذاكرة.و بناءً على ما سبق فإن علاقتي بالأمازيغية علاقة انتماء إلى مكان أكثر منها علاقة انتماء لغوي. 

تبدو مهتمًا في روايتك بإظهار التطرف الديني، لكن السؤال هنا، هو هل زاد تيار الإسلام السياسي بتطرفه الديني من ضياع الهوية أم حاول إلى حد كبير الاقتراب من الإمساك بها؟

- طبعًا زاد التطرف الديني من ضياع الهوية. وإن كانت الرواية تحاول أن تدينَ الإرهاب إلا أنها تتبنى موقفًا صارمًا من الغرب، موقفا يدين الغرب كذلك. جوليا رمز الغرب في الرواية، في سعيها إلى استنطاق مأساة البطل ستحاول أن تحرض عليه مخاوفه، و ما دام البطل يكتب ضدَّ التطرف الديني فستلجأ إلى الخديعة و الدسيسة لتوهمه بأنّ الإرهابيين قد أهدروا دمه، و نحن هنا أمام وضع يقول ما يقوله حاضرنا تماما، إن جزءًا من مخاوفنا من الإرهاب إنما هو صناعة إعلامية غربية!

تبدو في روايتك أيضا متأثرًا بالميثولوجيا، وبالطبع أي مجتمع يتأثر إلى حد كبير بأساطيره. فإلى أي حد ساهمت الأساطير في تشكيل بنية المجتمع المغربي العقلية لاسيما في سياق الوضع الراهن الذي يكاد لا يوجد مكان للعقل فيه؟ 

- بالنسبة إلى مسألة الخلط بين الواقعي في الرواية والجانب الخرافي، نجد ان رواية "نوميديا" تبنّت بعض الخرافات الشعبية و الميثولوجيات المتعلقة ب" اغرم " القرية الأمازيغية، لكنّها لم تقدمها على نحوٍ ساذج بل جنحتْ بها نحو الأسطرة و قامتْ ببلورتها في أفق حداثي أكثر.. كما حاولت في رواية "نوميديا" أن أشتعل على بنيات حكي بالغة التركيب من جهة، و حاولتُ، من جهة أخرى، أن أتناولها من منطلقات جمالية. 

بطل الرواية "مراد" إنسان لقيط، لا يعرف لنفسه هوية، هل يشبه مراد الإنسان العربي راهنا؟

- طبعاً رواية "نوميديا" تقدّمُ جانباً من الصراع الهويّاتي والثقافي في المغرب، صورة للصراع بين الهوية العربية والأمازيغية وكذلك الحضور الفرنكوفوني الطاغي بقوة في المشهد الثقافي المغرب، والرواية تتبنى موقفاً من كل هذه الصراعات الثقافية – الشعواء في كثير من الأحيان – رؤية قوامها أساساً الانفتاح واحترام الإنسان والإنسانية والابتعاد عن كل شوفينية أو غلو فكري كيفما كانَت مرجعيته. الصراع الهوياتي في المغرب يدعو للقلق وتستدعي معالجَتهُ أكثرَ من عملٍ أدبي. "نوميديا" تقدّمُ بطلاً يتحدّثُ بالعربية والأمازيغية والفرنسية لكنّهُ يحملُ في قلبهِ جرحاً فجّاً إنه بطلٌ لقيط، لقيطٌ بمعنى أنّه من دون جذور ومن دون هوية، إنهُ بطلٌ "لا منتمٍ" لكنّهُ مثقف، خسرَ حليبَ البدايات، وخانهُ سؤال الهوية، لذلك تجدهُ يحاكمُ هذا الصراع، ويطرحُ بديلاً إنسانياً أكثر إذ يكشفُ بهتان أسباب الصراع من جهة وينتصرُ للإنسان والانسانية من جهة أخرى. الحضور الطاغي للأمازيغية يعودُ بالدرجة الأولى إلى عشق البطل للفضاء الأمازيغي حيثُ وجدَ أول مرّة، إنهُ مديحٌ لجماليات المكان، غزل بالطبيعة التي آوت طفولةَ البطل، وحنينٌ لمراتع الطفولة ولعلَّ لكل إنسانٍ مكانا له في القلبِ حظوة ومكانة وكذلك الشأنُ بالنسبة للبطل، وبالتالي فمراد الوعل لا ينتصر للأمازيغ على حساب العرب و لا العكس بل إنهُ يسفّهُ هذا الصراع إذ يؤكدُ نبذه لكل ما من شأنهِ أن يفرق البشرية مصرًّا في الوقت نفسهِ على أننا ننتمي للإنسان، ويجدرُ بنا وفق هذا المعطى أن ننآى عن الحروب المجانية والتافهة التي تفرق أكثر مما توحد.

دائمًا ما ينصب اهتمام الأدب على إبراز سوداوية الواقع، وهذا ما لمسناه في روايتك. أين الجانب الوردي من هذا الواقع؟

- للسواد غواياته و جمالياتهُ كذلك، الواقع الذي نعيش فيه لا يقل سواداً على أيّةِ حالٍ، لستُ من هواة وضع المساحيق على هذا الواقع المسخ ولا معنيّا ببثِّ الأمل بينَ الناس، و أعتقد أنّ الأدب عموما غير معنيّ بشكل كبير بالأمل، أكثر مما هو معنيّ بقول الحقيقة، حقيقة الواقع ووجع الإنسان حينَ تنحرهُ أكثر من تراجيديا.

 لماذا هذه المأسوية؟

- لأنّ الإنسان من حين لآخر يجبُ أن يتأمل مأساةَ غيره ليتخفّفَ من أحزانه، و يرى أنّ هناكَ من يفوقهُ حزنا وألما، و في الأمر تطهير لدواخله، و أعتقد أنّ الرواية الحزينة والمحبوكة على نحو متقن تغيّر الإنسان نحو الأفضل أكثر من الرواية التي تدعو للأمل على نحو مباشر و فج

عند بدء كتابة روايتك، بمن تأثرت من الروائيين العرب والأجانب. الذين شكلوا خريطة طريق بالنسبة لعملك الإبداعي؟

- أثَّر فيَّ الكثيرُ من الكتاب.. على رأسهم نجيب محفوظ، لعلّه أول من فتح شهيتي على الأدب، بعده أثر الكثير من الكتاب و النصوص، عالميّا أثرت فيَّ أعمال كافكا، وغابرييل غارسيا ماركئز دوستويفسكي وغيرهم.