&

في عام 2012،عاد الكاتب ألأمريكي جاك كيرواك(1922-1969) إلى الواجهة من جديد بعد أن أعيد طبع النّسخة الكاملة من روايته"على الطّريق"التي خوّلت له شهرة عالميّة واسعة عند صدورها في أواخر الخمسينات من القرن الماضي .وقد تزامن هذا الحدث مع عرض فيلم مستوحى من هذه الرواية خلال دورة السنة المذكورة لمهرجان "كان"الفرنسي .وكان مخرج الفيلم البرازيلي المرموق ،والتر سلاّناس.و تعتبر هذه الرواية من أبرز الأعمال الفنّية التي تميّز بها جيل ما بعد الحرب الكونيّة الثانية،وتحديدا جماعة “Beat Generation "التي ضمّت إليها شعراء،وكتابا،وفنّانين يتميّزون بمواهب عالية،وبالميل للمغامرة في الكتابة وفي الحياة.وكان جاك كيرواك النّجم السّاطع لهذه المجموعة التي تركت بصماتها واضحة في الأدب ألأمريكي في النّصف الثاني من القرن الماضي.ولا يزال آنشغال النّقاد،ومؤرّخي الأدب بها قائما إلى حدّ هذه الساعة...
&
وفي حوار مسهب أجري معه ،ونشر في كتاب حمل عنوان:”صعلوك بوجه ملاك"،يروي الشّاعر آلن غانسبارغ ،وهو أيضا من رموز الجماعة المذكورة،تفاصيل العلاقة التي جمعته بصاحب"على الطّريق".وهو يشير الى أنه آتسب وهو في السّابعة عشرة من عمره إلى جامعة "كولومبيا"بنوييورك ،وكان ذلك في خريف عام 1943.وفي تلك الفترة آلتقى بلوسيان كار الذي كانت تجمعه علاقة بكلّ من جاك كيرواك، وويليام بوروز.وعن هذين كان يتحدّث كثيرا مشيدا بموهبتهما الأدبيّة العالية .وعن جاك كيرواك كان يقول بإنه "بحّار رومنطيقي يكتب أشعارا".وتحت تأثير لوسيان كار ،بدأ آلن غانسبارغ يخطّط لزيارة جاك كيرواك .وهذا ما تمّ له في عام 1944.وفي لقائه الأوّل به ،آكتشف أنه كان قد أنتهى من كتابة نصّ طويل بعنوان"البحر أخي"،وهو نصّ شاعريّ رومنطيقي لم ينشره حتى بعد أن حصل على الشهرة.ويقول آلن غانسبارغ:”كان والدي،وهو مدرّس آبتدائيّة، شاعرا.مع ذلك كان كيرواك أوّل شخص ألتقي به،وأشعر أنه كاتب بالمعنى الحقيقي للكلمة.وهو يتصرف ويفكّر آنطلاقا من هذه الصّورة.وقد أثّر فيّ ذلك كثيرا،وشجّعني على أن أكون أنا كاتبا أيضا.”.ويضيف غانسبارغ قائلا:”وكنت قد آلتقيت قبل ذلك بأشهر وجيزة خلال عطلة عيد الميلاد ويليام بوروز.وكان أكبر سنّا منّي..وقد تمّ اللّقاء في Greenwich Village،الحيّ الذي يسكنه ،ويرتاده الفنّانون والشعراء الطلائعيّون في تلك الفترة،والذي لم يكن بعيدا عن جامعة كولومبيا.وقد أعجبني حديث بوروز عن شكسبير،فأصبحنا أصدقاء...”.وفي أول لقاء له بكيرواك،تحدث غانسبارغ عن رغبته في أت يصبح محاميا متخصصّا في حقوق العمل.فقد كان في تلك الفترة يَدرُسُ الحقوق،فردّ عليه كيرواك قائلا:”ولكنك لم تجرّب العمل ولو ليوم واحد.كما أنك لا تعرف شيئا عن عالم العمّال.فلماذا إذن تريد أن تحشر نفسك في ما لا يعنيك،ومن جعلك مثاليّا تفكّر في إنقاذ العمّال من بؤسهم؟وقد تبيّن غانسبارغ أنه كان يرددّ مثل الببّغاءأفكار عائلته السياسيّة.لذلك شعر بالإحراج.غير أن ملاحظة كيرواك ساعدته كثيرا إذ أنها شجّعته على الإستماع إلىى الآخرين.ويواصل غانسبارغ حديثه عن كيرواك قائلا:”الشيء الذي لفت آنتباهي في لقائي ألأوّل به هو -أي كيرواك -كان وسيما جدّا.وكان عائدا للتوّ من رحلة بحريّة حيث كان يعمل في البحريّة التّجاريّة.وكانت الحرب قائمة.وكان قد شاهد بواخر تقصف وتنسف من حوله في عرض البحر.(...).وأذكر أنه آستقبلني وهو يرتدي "تي -شورت"،وكان يتناول فطور الصّباح.بعدها خرجنالنسير قليلا في المدينة .وقد لا حظت أنه يبدي فضولا كبيرا لمعرفة السّبب الذي يدفع إنسانا مثلي للقائه.وقد ذكرت له أني أكتب الشعر،فأظهر آهتماما بذلك.وكان لطيفا وحنونافتصادقنا وتحاببنا.كما لاحظت أن هناك ما يجمع بيننا ،والمتمثّل في روايات دستويفسكي.وقد تحدّثت عن الأمير ميشكين في رواية "الأبله" كما لو أنه شخصيّة مثاليّة.وكان كيرواك معجبا به أيضا.وكنّا متّفقين على أن دستويفسكي أراد أن يصف من خلاله الإنسان الأجمل الذي يمكن أن نتصوّره".
&
وقد تعرّف غانسبارغ أيضا على نايل كاسيدي الذي جعل منه كيرواك بطلا في روايته"على الطريق" ،مختارا له آسم دين موريارتي.وتصف هذه الراواية رحلة الصديقين عبرالولايات ألأمريكية في سيّارة قديمة في الخمسينات من القرن الماضي ليعيشا الحياة كمغامرة يوميّة،وكتحدّ للنواميس والعادات المحافظة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد نهاية الحرب الكونيّة الثانية.وقد ولد نايل كاسيدي عام 1926 بينما كان والداه المكسيكيّان يقطعان "سان لايك " للوصول الى لوس أنجلس.وبعد وفاة والدته وهو في العاشرة من عمره،أهمله والده الذي كان مدمنا على الكحول فعاشر المنحرفين واللصوص والشواذ.وفي الخامسة عشرة من عمره ،حكم عليه بالسجن لمدة احد عشر شهرا بسبب سرقة سيّارة .ومن داخل السجن كان يتبادل الرسائل مع هايل شايز الذي كان صديقا لكلّ من جاك كيرواك والن غينسبارغ .وبعد اطلاق سراحه في عام 1947،تزوج من لونا هاندرسون التي كانت في السادسة عشرة من عمرها،ومعها سافر الى نيويروك ليتعلم الفلسفة بمساعدة الن غينسبارغ .ومنذ البداية آنجذب اليه جاك كيرواك ،واجدا فيه سمات الشخصية المتمردة، المقبلة على ملذات الحياة ،والضائقة بالصرامة البورجوازية والرأسمالية ،والرافضة لكل القواعد والقيود ،والملتهبة بحب الحرية ،لذلك آختاره ليكون رفيقا مثاليا لتلك الرحلة الجنونية عبر الولايات المتحدة الامريكية،والتي خلدها في روايته:”على الطريق".وكان نايل كاسيدي مدمنا على الكحول والمخدرات،عاشقا للجنس.وقد تزوج أكثر من مرة،وعاشر نساء متزوجات.وفي مطلع الستينات قام برحلة جنونية اخرى عبر الولايات المتحدة.ويوجد صدى لهذه الرحلة في رواية توم وولف :”Acid test”.وفي عام 1968،حضر نايل كاسيدي حفل زواج في سان ميغال دو اليندي بالمكسيك .وبعد آنتهاء الحفل ،قرر أن ينطلق الى مدينة أخرى ،ولم يكن يرتدي غير تي شورت وبنطلون دجينس.وفي الصباح وجد ميّتا.وقبل وفاته بأسبوع واحد فقط،آلتقي بشارل بيكوفسكي الذي سيكتب في ما بعد سيرته تحت عنوان:”يوميّات عجوز كريه".ومرة كتب نايل كاسيدي الى جاك كيرواك يقول:”ليس بإمكانك أن تعلمني الحزن إذ لم يعد لي أيّ آستعداد لذلك.ومنذ سنوات لم يعد بمقدوري أن أشعر بأيّ حزن كان.لذلك اعتقد أنني فقدت نهائيا الشعور بالحزن".