صدر للدكتور خزعل الماجدي كتابه الجديد الذي يحمل عنوان (علم الأديان : تأريخه، مكوناته، مناهجه ،أعلامه، حاضره، مستقبله) منشورات دار مؤمنون بلاحدود ، بيروت 2016 .
&ضمن سعيه الدائب لسبر اغوار الاديان ،كونه باحثا متخصصا في علم الاديان المقارن،يواصل الدكتور خزعل الماجدي تقديم نتاجاته في هذا المجال ،لاسيما ان اهمية الموضوع تكمن في ما يحدث في العالم الان، مع اعتراف المؤلف ان الأديان والظاهرة الدينية تثير، اليوم، أكبر الأسئلة وتغير أعرق المجتمعات وتجتاح حياتنا بأكملها ولن نستطيع فهم ما يجري إلاّ من خلال العمق العلمي والمعرفي الذي يقدمه (علم الأديان) بشجاعة لكل الأديان مجتمعة &أو لكلّ دين على حدةٍ أو للظواهر الدينية المشتركة في جميع الأديان، وحين نصل إلى ذلك الفهم العميق سندرك، وقتها، أن تاريخ الإنسان في الماضي كان غارقاً في الدين الذي ساعد الإنسان من جهة على الصمود أمام تحديات الحياة والكون وأغرقه، من جهة أخرى، بالأوهام التي آن الأوان لكشفها بصراحة وشجاعة.
يقع الكتاب في 600 صفحة من الحجم المتوسط ،ويتوزع على ستة ابواب تتضمن عشرين فصلا &حملت الكثير من المعلومات والاسماء والطروحات التي تخص هذا العلم ، فضلا عن مقدمة أوضح فيها المؤلف تصوراته وقد اكد فيها أن حلّ اللغز الديني لا يكون إلاّ من خلال علم الأديان وأن فهم الأديان أو الظاهرة الدينية.
يذكر ان الباحث الماجدي اصدر &سلسلة كتب في (تأريخ الأديان) وصلت إلى حوالي عشرة كتب.
&
كتاب موسوعي
وقد قال المؤلف في كلمة الغلاف الاخير :تجتاح الظاهرة الدينية، اليوم، العالم أجمع، وتثير أكبر الأسئلة وأعمقها، وتغيّر أعرق المجتمعات، وتغمر حياتنا بأكملها. ولن نستطيع فهم ما يجري، إلا من خلال العمق العلمي والمعرفي الذي يقدّمه علم الأديان.
واضاف: على الرغم من اهتمام العرب بالدين، إلا أنّ الكتب، التي تبحث في «علم الأديان»، نادرةٌ باللغة العربية. مع العلم بأنّ هذا العلم قطع شوطاً طويلاً في الغرب، منذ بدأ على يد ماكس مولر.
وأوضح : يغطي هذا الكتاب الموسوعي كلّ ما يتعلق بالأديان، فيُعرّف الدين وتكوينه، ونشأته في ما قبل التاريخ، وتشكُّل الأديان البدائية والقديمة، مستجلياً تكوينها وأساليب التعبّد فيها، ثمّ يدرس أديان الحضارات القديمة عند الإغريق والرومان، وفي الشرق الأقصى والأدنى، وظهور الأديان السماوية، إلى أن يصل إلى العصر الوسيط، ويستعرض المجادلات الدينية، والموضوعات التي أُثيرت في تلك الحقبة، ونشوء الأديان الغنوصية، مستمراً إلى العصر الحديث.
وتابع: يستعرض، خلال بحثه التاريخي، أدوار المفكرين الدينيين، وعلماء الاجتماع، والأنتربولوجيا، واللغة، والفلاسفة، واللاهوتيين، الذين أسهموا في دراسة الظاهرة الدينية، ووضعوا مناهج البحث لعلم الأديان..
وأكد ايضا انه عرج على المعتقدات المعاصرة، التي تشبه الأديان في تكوينها، وممارساتها. واستشرف مستقبل الأديان في ظلّ تنامي ظاهرة العولمة، وتطوّر المعلوماتية، وعلم الاتصالات، وانتشار «الإنترنت» في كلّ صعيد.

6 أبواب و20 فصلا
يتكوّن الكتاب من ستة أبواب مترابطة تؤدي إلى بعضها تدريجياً، وكل باب يحتوي على عدة فصول ،والعدد الإجمالي للفصول هو عشرون فصلاً .
فالباب الأول كان بمثابة المدخل الواسع الذي يحاول تعريف الدين أولاً وتعريف العلم الذي يدرس الدين ثانياً، الذي هو (علم الأديان). فقد تناول تعريف الدين بمعناه اللغوي والاصطلاحي عربياً وأجنبياً ومكونات الدين ونظريات نشوء الدين ، ثم تناول مكونات كلّ دين الأساسية والثانوية ونظريات نشوء الدين.وفي (علم الأديان) تناولنا تعريف هذا العلم وضرورته ومكوناته وتصنيف الأديان.
أما الباب الثاني فقد تناول تأريخ علم الأديان أو جذور علم الأديان التي نشأ منها لاحقاً علم الأديان ابتداءً من الحضارات القديمة ووصولاً إلى منتصف القرن التاسع عشر قبيل الظهور الرسمي التأسيسي لعلم الأديان ولم تكن لتلك الجذور أهمية علمية دقيقة بل كانت موقفاً خاصاً من الأديان ونقداً وتحليلاً لها، بدأ الأمر في بدايته نقداً بين الأديان المختلفة أو نقداً داخلياً لتلك الأديان لكنه تطور منذ العصر الوسيط وكان للعرب والمسلمين مساهمة كبيرة في هذا المجال من خلال ما سمي بـ(علم الملل والنحل) الذي لم يكن علماً بالمعنى الدقيق بل هو أحد العلوم الدينية التي تنظر في أحوال المذاهب والأديان الأخرى من خلال رؤية دينية (وليس علمية) لذلك الدين. لكن فحص الأديان بالطريقة العلمية بدأ، جدياً، مع عصر النهضة ثم تطور منذ القرن الخامس عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر ولم يتطور إلى علم إلاّ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على يد ماكس مولر الذي كتب أول كتاب عن (علم الأديان).
اما الباب الثالث فتناول تطور هذا العلم منذ ماكس مولر وحتى بداية القرن الحادي والعشرين من خلال حقلين واسعين كبيرين هما أولاً العلوم الإنسانية التي بدأت تناقش علم الأديان وخصوصاً علم الاجتماع والأنثروبولوجيا ثم علم النفس.. وثانياً من خلال المناهج العلمية التي بدأت تتطور وتزداد دقةً في التحليل والوصول إلى نتائج جديدة وخصوصاً المنهج الظاهراتي (الفينومونولوجي) والمنهج التأويلي (هيرمونوطيقيا) وهما يتصدران الآن المناهج الأساسية لعلماء الأديان. وفي هذا الباب ناقشنا كل ما يتعلق بالأديان عبر العلوم الإنسانية وعبر مناهج تلك العلوم لكي نتعرف على تطور علم الأديان خلال ما يقرب من قرن ونصف من السنوات المتسارعة بالمنجزات.والباب الثالث ذهب واسعاً في التعريف بعلماء الأديان وعلماء العلوم الإنسانية التي اهتمت بالأديان بطريقة علمية بل وبالعلوم المكوّنة لعلم الأديان والتي ساهمت في تشكيل بنيته لاحقاً. وعرضنا لمنجزاتهم وكتبهم في الحقول التي تصب في علم الأديان. ومثل ذلك فعلناه مع المؤسسين الكبار لمناهج علم الأديان التقليدية والحديثة وعرضنا لمنجزاتهم في هذا المجال.
وفي الباب الرابع ذهب المؤلف إلى علم الأديان المتخصص بأهم الأديان المعروفة سواء كانت أدياناً ظهرت في عصور ما قبل التاريخ أم في العصور التاريخية القديمة أم في الأديان الوسيطة (الشمولية). وعرضنا، أيضاً، لمنهج ومنجزات أهم علماء هذه الأديان. ثم عرضنا جامعات ومراكز ومؤسسات علم الأديان في العالم.
اما في الباب الخامس فقد تطرق المؤلف إلى (علم الأديان) بذاته وشرحنا بالتفصيل مكوناته الداخلية الرئيسية والثانوية التي اختص، بكل منها، علمٌ من العلوم الفرعية المكونة لعلم الأديان مثل علم العقائد الدينية وعلم المثولوجيا وعلم الطقوس وعلم الإسكاتولوجيا وغيرها. ثم ناقشنا العلوم الخاصة بالمكونات الوظيفية لعلم الأديان ثم العلوم الخاصة بمكونات العلوم الإنسانية في الأديان ومناهجها. ثم علم المكونات الثقافية للأديان، وبهذا نكون قد كشفنا عن جوهر هذا العلم وماهيته العلمية الدقيقة.
اما الباب السادس /الأخير &فقد ناقش الفرق بين ماضي وحاضر ومستقبل الأديان والسبل المختلفة التي يمكن لعلم الأديان دخولها &لدراسة ومعالجة الأديان في الماضي والحاضر والمستقبل وعلاقة الأديان بالتاريخ والعلم والعولمة والسياسة وصراع وحوار الأديان ومستقبل الأديان والحركات الروحية الجديدة والأديان الجديدة وما بعد الدين وغيرها.
&وفي نهاية الكتاب وضع المؤلف قوائم كاملة لمؤلفات الفلاسفة وعلماء العلوم الإنسانية وعلماء الأديان لنعطي صورة شاملة للمراجع المكتوبة التي شكّلت ينابيع نشوء علم الأديان &الذي مازال في طور النضج في عصرنا هذا ، وقد تتبعنا العلماء وكتبهم عبر الأحقاب التاريخية بأسمائها العلمية، فالقديم هو الذي انتهى في القرون الميلادية الأولى والوسيط هو الذي انتهى في القرن الخامس عشر الميلادي والحديث هو الذي انتهى &في منتصف القرن &العشرين والمعاصر هو الذي مازلنا فيه .

حلّ اللغز الديني
لكن المؤلف شرح في مقدمته للكتاب الكثير من تصوراته التي استغرب فيها عدم الاهتمام في هذا العلم ، فقال : لطالما أثار استغرابي عدم وجود أي كتاب مؤلفٍ باللغة العربية عن (علم الأديان)، رغم أن هذا العلم قد قطع شوطاً أمده أكثر من قرنٍ ونصف بعد تأسيسه الأول على يد ماكس مولر، ورغم الاهتمام الإستثنائي الذي يوليه الباحثون العرب لحقل الأديان ودراستها. ورغم الركام الهائل من الدراسات الدينية والإسلامية الحديثة لكن أحداً لم يسأل أين كل هذا من علم إنساني جديد يعتني عناية أكاديمية وعلمية بالأديان ذلك هو (علم الأديان).
واضاف: الغريب في الأمر أن الجامعات العربية ومراكز البحوث والدراسة تهتم بكل العلوم الإنسانية من اجتماع واقتصاد وسياسة ونفس...إلخ إلاّ علم الأديان فهو مهمل من ناحية بتعمدٍ واضح ومريب، ومن ناحية أخرى، يُنظر له كعدوّ وليس كعلمٍ منضبط بمناهج بحث علمية حاله حال بقية العلوم الإنسانية.
وتابع: الكثيرون يكتبون عن الأديان ولكن ليس من خلال علم الأديان، بل هم يكتبون دراسات خليطة مما هو عقائدي ومعياري وذوقي ويندر أن تنحو المنحى العلمي منهجياً فهي امتداد للدراسات المعيارية ولمحاولات البحث والتحليل العفوية الممتدة من معالجات الدفاع عن الدين أو تسفيه الأديان الأخرى،ولعل في ما يسمى بـ (الدراسات الإسلامية) &وخصوصاً الشكل العقائدي &لها النموذج الواضح لهذا النوع من الدراسات ، أما الشكل الأكاديمي فمازال نهب أذواقٍ ومعايير مختلفة ومتناقضة .&
وأوضح : ولا بد أن أكون صريحاً ودقيقاً فأقول أن حلّ اللغز الديني لا يكون إلاّ من خلال علم الأديان وأن فهم الأديان أو الظاهرة الدينية لا يمكن أن تكون من خلال الدين نفسه أو من خلال الفلسفة بل من خلال (علم الأديان) فقط بكل مدارسه ومناهجه التي سيعرضها كتابنا هذا.
&