كتاب "حكايات الحمراء للصغار الذي أعده الكاتب الأسباني ميجيل أنخيل جونثالث عن كتاب الرحلات الذي نشره الكاتب الأمريكي واشنطون ايرفنج الذي زار غرناطة في العام 1829 وسحرته قصور الحمراء بروعتها والتي كانت في ذلك الوقت مرتعاً للخارجين على القانون في المدينة، وضم الكتاب الأصلي موضوعات متعددة تتنوع ما بين مذكرات المؤلف الأمريكي خلال رحلته وما جمعه من حكايات ترتبط بالعهد العربي الذي كانت غرناطة عاصمة أهم وآخر ممالكه، واختار الكاتب الأسباني من بين تلك الحكايات سبعا منها ليكتبها في لغة مبسطة يستفيد منها الصغار ولجذبهم للإطلاع على تاريخ وطنهم أسبانيا والذي يعد التاريخ العربي في الأندلس جزءا أساسيا منه رغم محاولات بعض المؤسسات الرسمية إهمال هذا الجانب.
اختار الكاتب ميجيل أنخيل جونثالث سبعا من تلك الحكايات أو الأساطير التي ابتدعتها الرؤية الشعبية عما تبقى من تاريخ أبو عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة العرب، وتلك الحكايات تتناول الجانب المضيء في معظمها من ذلك التاريخ وإن حاول إبراز الجانب المسيحي إلا أن إعجاب المؤلف بالحقبة الأندلسية في أسبانيا جعله يبدو أكثر قربا من ثقافة تلك الحقبة.
في القصة الأولى "الفلكي العربي" مزج الكاتب بين التقدم العلمي للعرب وبشكل خاص القادمين من الشرق وفي الوقت نفسه كان يحاول أن يبين أن فشل الغزوات المسيحية المتكررة لغرناطة يعود إلى تلك الأسلحة السرية التي برع العرب والمسلمون في صناعتها ومنها السحر، فأصبح المسيحيون لعبة على طاولة ابن حبوس حاكم المدينة بمساعدة الفلكي العربي.
أما في حكاية "الأمير أحمد الكامل" وإن لعب السحر أيضاً دورا في فوز الأمير العربي المسلم بالأميرة المسيحية فإن الحب كان اللاعب الأكبر، نجد الأمير أحمد الكامل الذي قرر أبوه الملك العربي حبسه في أحد أبراج الحمراء ليمنعه من الاختلاط بالجنس الآخر والوقوع في الحب وحتى لا يخسر ملكه الذي ورثه عن آبائه وأجداده طبقا لنبوءة المنجمين، ولكن قوة سحر كلمات الحب تنتصر على الحرص الذي أحاطه به الأب ومعلم الأمير وتصل الكلمة إلى أسماع الأمير عبر غناء الطير وفي النهاية ترشده تلك الكائنات الرقيقة إلى الحبيبة التي تنتظره في مملكة أخرى.
وحكاية "إرث العربي" تكشف عن قناعة فقراء غرناطة رغم أنهم يدبون على أرض تقول الأساطير أن باطنها يضم كنوز الملك أبو عبد الله الصغير وحاشيته، وأيضا تكشف عن جشع بعض من يتولون المسؤولية في تلك المدينة في العهد المسيحي، بعد عثور السقّاء الفقير على الثروة بعد أن ساعد مسلما مريضا، ولكن كما في كل الأساطير يفوز الخير على الشر وينجو السقّاء بثروته من جشع عمدة المدينة ونميمة الحلاق.
أما الحكاية الرابعة "الأميرات الثلاث الشقيقات" أكثر شبهاً بأسطورة الأمير أحمد الكامل، فالأب الملك العربي كان يخشى على بناته الثلاث من الوقوع فريسة للحب بعد أن كشف المنجمون عن مستقبلهن وما يمكن أن يحدث لهن بعد اكتمال أنوثتهن، فقام الأب، رغم حبه لبناته، بإبعادهن عن مقر الحكم في غرناطة وبعد أن أصبحن مكتملات الأنوثة نقلهن إلى أحد أبراج قصور الحمراء الحصينة لإبعادهن عن "المكتوب لهن" ولكن كل الاحتياطات من ذلك الذي كان يخشاه الأب لم تمنع من وقوع المكتوب، فلا حذر يمنع من وقوع قدر.
والحكاية الخامسة "وردة الحمراء" تنبع من مزيج بين ماضي قصور الحمراء العربي وماضيها المسيحي بعد أن اتخذ منها الملك المسيحي مقرا له، وتدخل بعدا ثالثا على الأساطير التي تجمع العهدين العربي والمسيحي للأندلس، سطوة الموسيقى وقدرتها على الشفاء، والتي انتقلت أهميتها من العهد العربي الأندلسي لتصل بنفس الأهمية إلى العهد المسيحي بعد سقوط غرناطة ونهاية الحقبة العربية الإسلامية في شبه الجزيرة الايبيرية.
بعض التماثيل الفنية التي يصنعها فنانون لتزيين الأفنية أو مداخل القصور قد لا تكون مهمتها تجميل الأماكن التي تقام فيها فقط، بل يمكن آن تكون لتلك التحف الفنية مهام لا يعرفها إلا المتمعن في أشكالها أو الأماكن التي توجد فيها، وهذا ما تقدمه لنا الحكاية السادسة "التمثالان الكتمان للسر" يلفتان النظر إلى النقطة التي تلتقي فيها نظرات التمثالين القائمين في أحد أفنية قصور الحمراء، وبالتدقيق تكون هناك نقطة تلتقي فيها النظرات، انه المكان الذي يختبئ فيه أحد الكنوز المرصودة التي تركها أصحابها من العرب المسلمين من حاشية آخر ملوك الأندلس أبو عبد الله الصغير.
الأمر نفسه نجده في حكاية "الجندي المسحور" الذي سحره أحد الفلكيين العرب وتركه حارساً على كنوزه التي خبأها بعد سقوط غرناطة حتى لا يعثر عليها المسيحيون، ويظل الجندي لا يظهر أمام أعين المارة سوى الشخص المكتوب له العثور على هذا الكنز الفريد.
في النصوص التي يضمها كتاب "حكايات الحمراء للصغار" حاول الكاتب الأسباني ميجيل أنخيل جونثالث أن يقدمها من خلال لغة مبسطة تخفف من تقعر وتعقيد لغة النصوص الأصلية وتجعلها في متناول العقول الغير راغبة في بذل جهد كبير للإطلاع على التاريخ الماضي للأندلس الذي يعتبر جذرا أساسيا من تاريخ حضارة شبه الجزيرة الايبيرية، مع الحفاظ بقدر الإمكان على النسق الأساسي لتلك الحكايات الأسطورية، والتي تعكس في معظمها أهمية التراث العربي الإسلامي الذي ورثه الشعب الأسباني عن الأندلس.
ترجع أهمية هذا الكتاب "حكايات الحمراء للصغار" إلى أنه يتوجه في الأساس إلى الصغار الذين يمثلون المستقبل، الأجيال القادمة لتهتم بجزء مهم من تاريخ أسبانيا المعاصرة الذي حاولت ولا تزال تحاول بعض المؤسسات الرسمية والهيئات المعادية للحضارة العربية الإسلامية طمسه وإبعاده عن مكانه من التاريخ الخاص بشبه الجزيرة الايبيرية رغم الشواهد المادية التي يمثلها الوجود المعماري الفريد لقصور الحمراء التي تعتبر من أهم ما صنفته هيئة اليونسكو قبل عقود على أنه تراث حضاري إنساني يخص جميع شعوب العالم وليس العرب والمسلمين أو الأسبان وحدهم. تأتي هذه الحكايات امتدادا للتراث الشفهي، أو عير المادي بتعبير دارسي الفلكلور، الذي يدعم الحضور المادي لقصور الحمراء ويؤكد على استمراره في وجدان الشعب الأسباني.&
&
يذكر أن الكاتب الاسباني ميجيل انخيل جونثالث من مواليد مدينة غرناطة يكتب القصة القصيرة وبشكل خاص القصة الموجهة للصغار، والرواية والدراسات الأدبية، ويمارس الكتابة الصحافية أيضا. نشر مجموعة كبيرة من الكتب القصصية من أهمها: "لقد ماتت ترافياتا منا" و"الأندلسيون يحكون"، و"حكايات الحمراء للصغار"، و"مبارزة" و"الحكاية الأندلسية الحية". حصل على العديد من الجوائز المهمة منها: جائزة مسرح الطفل عام 1982، وجائزة "التيا" لأدب الطفل والصبيان &1990. عمل مراسلا صحافيا بمدينة غرناطة لعدد كبير من الصحف الصادرة بالعاصمة مدريد وبرشلونة.
أما المترجم الدكتور طلعت شاهين فهو شاعر واعلامي ومترجم متخصص في الأدب الاسباني وأدب امريكا اللاتينية، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة كومبلوتنسي بمدريد، مارس الصحافة في مصر وبريطانيا واسبانيا، صدرت له أربع مجموعات شعرية: أغنيات حب للأرض، وأبجدية العشق، وفصول من كتاب العشق والدم وباللغة الاسبانية "El libro del Amor y la sangre"، ترجمت أشعاره إلى الاسبانية والانجليزية والفرنسية والايطالية والألمانية. له مجموعة من الدراسات الأدبية من أبرزها: "جماليات الرفض في مسرح أمريكا اللاتينية". له اكثر من أربعين كتابا مترجما عن اللغة الاسبانية من أبرزها "أن تعيش لتحكي" مذكرات الكاتب العالمي جابرييل جارثيا ماركيز الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1982، و"الطوف الحجري" للكاتب البرتغالي جوزيه سارامجو، و"المرأة المسكونة" للكاتبة النيكاراجوية "جيوكوندا بيللي"، و"المطر الأصفر" لخوليو ياماثاريس و"رجل عدن" و"المجنون" للكاتبة والشاعرة كلارا خانيس، و"شراك القدر" مسرحية للكاتب الاسباني بويرو باييخو.
&