&
في مقال له نشر في الثلاثينات من القرن الماضي، وصف خورخي لويس بورخيس كارل سانبورغ(1878-1967) بأنّه قد يكون "أعظم شاعر في أمريكا الشماليّة"، وأفضل خليفة للشّاعر الأمريكي الكبير الآخر والت ويتمن (1819-1892). وينتسب كارل ساندبورغ المولود يوم 6 جانفي-يناير 1878 إلى عائلة فقيرة هاجرت من السويد إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة. وكان والده حدّادا يعمل في سكّة الحديد بشيكاغو. ومبكّرا خاض ساندبورغ معارك طاحنة لكسب قوته. وقد عمل مساعدا لأحد الحلاّقين، ثمّ عاملا في أحد المسارح، ثمّ نجّارا وغاسل صحون في فنادق "كانزاس سيتي"، و"أوماها"، و"دنفر". كما عمل مزارعا. وعندما تدركه البطالة، كان يهيم على وجهه في المدن الكبيرة بحثا عن عمل. وفي عام 1898، انتسب إلى الجيش الأمريكي، وقاتل ضدّ الإسبان في بورتوريكو". وفي ما بعد سيكتب قصائد مُرّة عن تجربته العسكريّة المريرة. وخلال السنوات التي أمضاها في الجيش، تعلّم ساندبورغ القراءة ،والكتابة. وعند عودته إلى الحياة المدنيّة، شرع في كتابة الشّعر، وكان ذلك في بداية القرن الماضي. وقد استقبل النقّاد نصوصه الشعريّة ،والنثريّة الأولى بنوع من النّفور،والإزدراء، غير أن البعض منهم لمسوا فيها شيئا من الموهبة. عند بلوغه سنّ الخامسة والثلاثين، نشر قصيدة حملت عنوان "شيكاغو" فآحتفى بها النقّاد، وبدأ أحبّاء الشعر في ترديد قصائده في كلّ مكان. وبسبب تجنّبه استعمال الوزن إقتداء بمعلّمه والت ويتمان، هاجمه النقّاد المحافظون بشدّة. لكنه لم يعبأ بذلك، وواصل كتابة الشّعر بحريّة مطلقة. وفي عام 1918، زار النرويج، والسويد بحثا عن آثار أجداده. ومن وحي زيارته تلك، أصدر مجموعة شعريّة حملت عنوان :"دخان وفولاذ". وقد أهداها إلى العقيد إدوارد جاي.شتايسن قائلا:”إلى العقيد إدوارد شتايسن، رسّام اللّيالي، والوجوه، وحفّار الإنعكاسات، واللّحظات، مُنصتا إلى رياح المساء الزرقاء، وإلى الأزهار الصّفراء التي تفتّحت للتّوّ، الحالم والمكتشف، فارس الصباحات الكبيرة في الحدائق والأودية والمعارك". ومقتديا بويتمان، طاف كارل ساندبورغ في العديد من المدن الأمريكيّة. وكان يقرأ أشعاره بحرارة منشدا أغان قديمة. ويقول بورخيس :”كانت قصائد ساندبورغ مكتوبة بلغة تشبه صوته وطريقته في الكلام. وهو يستعمل اللّغة اليوميّة. كما يستعمل كلمات لا توجد في أيّ قاموس من قواميس اللّغة الإنجليزيّة". ويضيف بورخيس قائلا:”في قصائد ساندبورغ هناك حزن متعب، حزن الغروب في السّهول، والأنهار المليئة بالطّمي، والذكريات الدقيقة غير المجدية. حزن رجل يحسّ في الليل كما في النّهار بما يتلفه الزمن. وقد احتفل ويتمان في نيويورك بالمدن المتسامتة التي تنطلق بآتّجاه السّماء. أمّا ساندبورغ في شيكاغو المدوّخة، فقد انشغل بحدْس الأزمنة التي لا تزال بعيدة ،وحيث الوحدة والفئران والسّهل يقتسمون خرائب المدينة". في واحدة من أشهر قصائده يقول ساندبورغ:
كنت أمشي في شوارع مدينة قديمة، وكانت الشوارع
هزيلة مثل حنجرة أسماك متصلّبة مغموسة
في الملح، ومُحْتفَظ بها في البراميل لسنوات طويلة
كم نحن قديمات، قديمات جداّ كانت
حيطان الشوارع تردّد. وكانت الشوارع التي تنحني على
بعضها البعض مثل العجائز، ومثل المولّدات المتعبات
اللاتي لا يفعلن غير ما يتوجّب فعله
إنّ أجمل ما تَهبْنيه المدينة أنا الغريب كما تماثيل الملوك
عند ملتقى برونز الملوك-ملوك قدامى ملتحون
يؤلّفون كتبا ويتحدّثون عن حبّ اللّه لكلّ الشعوب، وملوك
شبّان كانوا يقودون جيوشا وراء الحدود لكي يشجّوا رؤوس
أعدائهم، ويوسّعوا مساحات ممالكهم
أغرب شيئ بالنسبة لي أنا الغريب في المدينة القديمة
كانت هَمْهمة الرياح المنبثقة من إبط، ،ومن أصابع
ملوك البرونز: ليس هناك توقّف؟ وهل سيتواصل ذلك
إلى ما لانهاية
في طلقة ثلج جاءت قبل أوانها صاح أحدهم:أنزلوني
هناك حيث لا يمكن للمولّدات العجائز المتعبات أن ينظرن إليّ
ألقوا ببرونزي في نار غاضبة وآصنعوا لي سلاسل لأعناق
!أطفال يرقصو
&