خرجت من أرض سماؤها تمطر بالحياة &.. تخضر أرضها وقبلها قلوب شعب حي، وبقيت واقفة بعجز على أرض سماؤها تمطر بالرصاص، جميع النوافذ ضيقة تطل على مشهد واحد على وجه توقف به الدم بعد أن فقد الأمل وهجرته الحياة، في مبنى متهالك أخذت أسير في ممر ضيق أتبع الفريق الذي وصلت معه من أجل دعوة واحدة و هي السلام .. السلام للطفولة والانسان .
في نهاية ذلك الممر كان هناك حجرة صغيرة، تركت بها نظرة ربما &كانت تحمل شيئاً من الفضول أو شيئاً من الدهشة فقد كان عدد الأطفال أكثر بكثير من عدد الأرحام، كأنهم تعمدوا أن يبقوا على من تحمل رحم لا يربى واجساد صغيره يأسر ذاكرتها مشهد مرعب خطف أمانهم وأبقى عليهم في أحضان اليتم، كنت أرى اجساد أطفال دون طفولة، فقدوا البراءة واسقطوا الضحكات وهم يهجرون من وطنهم إلى المجهول حيث لا وطن لا سماء ولا أرض ولا قبر يسع ذلك الحزن الذي يثقل قلوبهم الصغيرة .
بقيت ليلتها وأنا أدير ظهري للنوم ، كنا أربع فتيات في حجرة صغيرة تطوعنا لنكون رسل سلام وملائكة بأجنحة الأمل، اسهرني سؤال واحد أسأله و أنا أنظر لكل نائمة منهن : هل سنتمكن من المسح على ذلك الجرح ؟&
فتحت الشمس ستارتها ولكن لم يلتفت لها أي طفل، دخلنا ذلك الفصل الصغير الذي لم يجهز بشكل جيد، كان بسيطاً جداً بكل ما به من المقاعد والأدراج حتى أنها لم تكن كافية، جلسنا بينهم محاولين تمرير ضحكاتنا على قلوبهم، اجتهدنا بقدر ما نستطيع كانت هناك شفاه صغيرة تبتسم و وجه يضحك وابتسامة تطفو ثم تجرها الذاكرة فتغرق وتختفي، لكن بقي هناك في زاوية الفصل جسد شيء من روح جفت وجه بلا لون .. يد صغيرة لكن الدم لا يتحرك في عروقها، اقتربت منه .. فاختفى .
سألت عن قصته، فقيل لي بأنه شهد قتل عائلته كاملة ثم &تم &تصفية والده أمامه &وهو يختبئ تحت الطاولة، بقي تحتها وكأنه تحت الأرض لا يتحرك ولا يهمس ولا يملك القدرة عل البكاء وكأنه قد أخرج من هذا العالم قسراً، حتى دخل الهلال الأحمر وأخرجوه ليجد نفسه هنا بين هؤلاء الأطفال دون عائلة و دون أي انتماء، لم أعد أفكر كيف أضحكه بل : هل بكائي هذا بحجم معاناته ؟
تقدمت استاذتي وسألته : لماذا بقيت ؟
سألها : لماذا لم أرحل معهم ؟
فأجابته : لكي تبقي ذكراهم .. وتدعو من أجلهم حتى تفتح أبواب السماء ويدخل والديك ثم تتبعهم .
ابتسم، وكأنه فرح بأمر لحاقه ، بدى وكأن شوقه لأن يودع هذه الحياة أكبر من حبه للبقاء على قيدها !

&