&
يُسقط عمر العقاد حوادث حربية وتفصيلات مأساوية آنية على حرب أهلية أميركية ثانية يتخيلها حاصلةً في عام 2074، فيسرد روايةً تتجاوز الخيال العلمي إلى تخييل انهار النظام بشكل ينقل العالم إلى حقبة جديدة من ذكريات ماضية أليمة.
&
إبتسام الحلبي من بيروت: يبدو هذا الأنموذج المهيب من الخيال التخميني الذي كتبه عمر العقاد، الصحفي الكندي مصري المولد، تجربة لفكرة معيّنة: ماذا لو كانت الحرب اللامتناهية المروّعة التي تشنّها الولايات المتحدة وتدعمها في الخارج تجري على أراضيها؟ إنه غوترداميرونغ Götterdämmerung& (أي انهيار النظام) الذي ازدادت شعبية بين كتّاب الخيال العلمي في السنوات القليلة الماضية، ونتيجة لذلك يمكن المرء الآن قضاء أسابيع بسهولة منغمسًا في تقارير خيالية من أميركا المدمرة، لكنّ العقاد يقدم وجهة نظر فاترة وصحفية عن هذه المواد، وذلك على الأرجح بسبب سنوات من العمل الصحفي في دول الربيع العربي وخليج غوانتانامو وأفغانستان.
&
المستقبل المستدام... المدمر
في كتابه "الحرب الأميركية"& American War (352 صفحة؛ منشورات بان ماكميلان؛ 15 جنيهًا استرلينيًا)، يبدأ العقّاد في عام 2075، في وقت متأخر من قرن ارتفع فيه منسوب مياه البحر، وتضاءل فيه الوقود الأحفوري، ويتبع مسارًا شاقًا لامرأة شابّة وهي تتحول إلى لاجئة ومتمردة ومرتكبة أعمال وحشية.
ركّز العقاد الكثير من عمله على تخيل الولايات الأميركية "المتفرقة" التي دخلت منذ سنة ونصف في صراع يدوم 18 عامًا ويُعرف بالحرب الأهلية الثانية. وهذه المرة ، ليس السبب العرق أو العبودية، بل الطاقة، وعلى وجه التحديد رفض بعض الولايات الجنوبية التخلي عن استخدام الوقود الأحفوري بعد إقرار قانون "المستقبل المستدام".
بعد فترة وجيزة من الموافقة على هذا القانون، يغتال انتحاري انشقاقي الرئيس الأميركي، ويعلن عدد من الولايات الجنوبية الاستقلال، وتدخل الولايات المتحدة في حرب حيث تدافع الولايات الشمالية عن نفسها ضد "دولة الجنوب الحرة"، في صراع مدعوم سرًا من "الإمبراطورية البوعزيزية": اتحاد عربي استوحى اسمه من محمد البوعزيزي، بائع الفاكهة الذي أحرق نفسه في تونس مطلقًا شرارة الربيع العربي، هو قاعدة القوة الجديدة في العالم.
يستمتع العقّاد بعض الشيئ بالسخرية: "إذا وقفتم في أي مكان على هذا الشاطئ، في الجزائر الجديدة مثلًا، سترون أساطيل من قوارب صغيرة قديمة تتجه جنوبًا من الشاطئ الأوروبي".
&
إنتقام للموتى
في أميركا، تكون نيو اورليانز ومعظم لويزيانا تحت الماء. "الطيور" - طائرات من دون طيار ضالّة لم تعد تحت سيطرة مشغليها – تحوم في السماء، عاملة على الطاقة الشمسية، تسقط متفجراتها عشوائيًا. ويتجمع النازحون في مخيمات اللاجئين، ويحدقون في أبراج القناصة بينما تستمر الحرب. وكما تقول إحدى شخصيات الكتاب: "لم يعد هذا مرتبط بالانشقاق فحسب، بل بالانتقام لموتانا أيضًا".
بطلة الرواية هي سارات تشستنات، نصف سوداء نصف لاتينية، اضطرت إلى الفرار من منزلها في لويزيانا مع والدتها وأقربائها بعد أن قتل والدها في هجوم انتحاري. ينتهي بها المطاف في مخيم كامب بايشينس (أي مخيّم الصبر)، أحد مناطق احتجاز المهاجرين، حيث تصبح متطرّفة تدريجًا على يد طبيب مسنّ يعمل لصالح الإمبراطورية البوعزيزيه. تتحوّل سارات إلى متمردة ثم إلى قنّاصة بارعة في الرماية، ثم إلى مقاتلة إرهابية "في سبيل الحرية"، وتغيّر أفعالها مسار الحرب؛ ثم يتم القبض عليها وتعذيبها، لكن تبقى على قيد الحياة لمواصلة القتال.
في منتصف الكتاب، نعلم أن الفجوة بين الشمال والجنوب هي بالنسبة إليها "هراء، حروب سيطرة صغيرة يشنّها الرجال المتزعزعون". بدلًا من ذلك، تعتمد مبدأ أن "العدو اعتدى على شعبها، لذلك سوف تعتدي على العدو ... ومن غير الممكن ألّا يتمّ سفك الدماء".
النهج بعيد وغريب في حبكة القصّة، حيث يتمّ سرد الحوادث الرئيسة في أفكار صريحة في الصفحة 21، ويضمن هذا النهج أن يبقى التركيز على سارات وليس على محيطها، علمًا أن قصة الحرب الأميركية هي التي تحولها إلى وحش.
&
البؤس المتناقل
إذا بدّلت عددًا صغيرًا من أسماء الأماكن، ربما تجد أن عالم العقاد في نهاية القرن في الحرب الأميركية يمكن أن يكون أفغانستان أو العراق على مدى السنوات الـ 20 الماضية: فهو مليء بالمخيمات الشبيهة بغوانتانامو، مع حلقات مرعبة وفرض وضعيات تعذيبية وأساليب محاكاة الغرق، فضلًا عن الأجهزة المتفجرة اليدوية، ومذابح العقاب التي يرتكبها الجنود، وتبجيل "الشهيد"، والتدخل السياسي على الأرض من القوى الأجنبية.
هناك إيحاء بسيط بأن التكنولوجيا تغيّرت بشكل كبير مقارنة مع الحاضر (باستثناء القليل من التلاعب بالفيروسات وترقية طفيفة للطائرات من دون طيار) فتبدو مقاطع من الرواية شبيهة بتقارير الحرب المعاصرة، مع بعض التعابير التي تشير إلى جماعات المتمردين.
ويبدو أيضًا أن العقاد لا يعلّق أهمية كبيرة على ما يسمّيه محبّو الخيال العلمي "بناء العالم الخيالي": أي فن إعطاء الانطباع بأن الخلفية الاجتماعية والتاريخية القاسية ترسم أطر الحوادث في الحبكة. إن العوامل المسبّبة لحربه الأهلية الثانية والتاريخ الاجتماعي لأميركا التي تجري فيها هذه الحرب هي مخاوف ثانوية؛ أما الأسئلة من مثال: لماذا كان الجميع مدرّبًا بما يكفي للقتال على الوقود الأحفوري؟ أو كيف انتقلت أميركا من اللحظة الراهنة إلى المستقبل حيث اختفى التمييز العنصري أو أصبح بدون أهمية؟ فلن تجد إجاباتها في الكتاب.
بدلًا من ذلك، ينصب تركيزه على الآثار المتوطنة للعنف: حرب لا تتغير مطلقًا، إنسان يسلم البؤس لإنسان آخر. وكما تقول إحدى الشخصيات: "كان شعار الحرب العالمية بسيطًا: لو كنت مكانه لما فعلت شيئًا مختلفًا".
&
&
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "تيليغراف" الأصل منشور على الرابط:
http://www.telegraph.co.uk/books/what-to-read/america-had-civil-war-2074-would-look-like/
&