&
& & بين حين وآخر، تعود قضية الثقافة الشعبية وتأثيرها على المجتمع لتنال مساحة من الانتباه لاسيما مع انتشار& هذه الثقافة بشكل كبير وملفت وتقام لها المهرجانات والندوات حتى صارت تحظى برعاية من قبل الكثير من المؤسسات الاعلامية، وهو ما يدعو البعض الى دق ناقوس الخطر والقول ان الثقافة الشعبية خطيرة جدا الى درجة أنها تحدد مستوى التلقي لدى الناس&
& & فلازال البعض يتخوف مما تنتجه الثقافة الشعبية في العراق التي توظف اللهجة العامية، المتمثلة بالشعر الشعبي والمسرح الشعبي والحكايات والأمثال والاغاني، على الواقع المعاش او المدى البعيد،ويجدون فيها خطرا على النتاج الفكري ويشيرون بذلك على سبيل المثال& الى الشعر الذي يرونه في العقلية الشعبية قرين بالبطر والخيال وعدم الفائدة، ويجدون ان التراث الشعري العربي القديم قرين بقداسة الدين والشخصيات المقدسة واللغة القرانية المقدسة، ومن ثم يوضحون ان الانظمة السياسية القومية واليسارية هي من قدمت أسماء شعرية ولمعتها على المستوى الشعبي والتعليمي والتربوي , وحصرت الذائقة الجمالية في هذا المضمار , والامثلة كثيرة.
ومع ان البعض ان الثقافة الشعبية بقيمها الثابتة& لاخطر منها الا انه يرى في غياب الوعي واستشراء الجهل والعادات البالية سببا مباشرا في تراجع مستوى الوعي، وهنا استطلعنا اراء عدد من الادباء المهتمين بهذا الشأن.
&
خطورة هذه الثقافة تكمن في التوجهات
فقد اكد الاديب علي الفواز ان خطورة هذه الثقافة تكمن في التوجهات التي تستغلها السلطة والجماعة أو الطائفة للتعبير عن محنة الهويات القاتلة،وقال : لا توجد أمة بدون ثقافة شعبية تحمل في ذاكرتها ماهو مقموع أو مسكوت عنه. او ماهو دال على التعبير الرمزي عن هويتها ومخيالها الوطني.. هذه التمثلات تتبدى من خلال الحكايات والأمثال والاغاني والأزياء، وهذا بطبيعة الحال لا ينفصل عن البناء النسقي العميق لثقافاته.
&واضاف: خطورة هذه الثقافة تكمن في التوجهات التي تدفع بها إلى العصاب والتطييف والنزوع،التمثلات تستغلها السلطة والجماعة أو الطائفة للتعبير عن محنة الهويات القاتلة والمقاولون فضلا عن أن غياب المؤسسات الثقافية ومراكز البحوث التي تعني بالمجال الانثربولوجي سيسهم في تغييب القيمة الحقيقية للثقافة الشعبية وحصرها في سياقات واوساط شعبوية لها طاقاتها الرمزية والعافية لفرض هذه الثقافات الهوياتية والشعبية على الآخرين بوصفها ثقافة مهيمنة بعلاماتها ورموزها،.وهذا التوظيف يحولها الى أداة خطابية للتعبير عن العنف والكراهية والطرد وهو يمثل ظاهرة اجتماعية للعنف والقضاء الاخر وتكفيره.
رقابة وتوجيه
& &اما الشاعر صلاح السيلاوي، فقد اكد ان الخطورة في هذه الثقافة تتمثل بتركها من دون أية رقابة وتوجيه، وقال: اجد ان الثقافة (شعبية) بطبيعتها لأن تداولها اليومي بين الناس يتم بطريقة شعبية وهكذا هي منذ أن نشأت، فهي تلك المفاهيم والانساق الإبداعية التي ينتجها ويتلقفها افراد المجتمع.
&واضاف: الخطورة في هذه الثقافة تتمثل بتركها من دون أية رقابة وتوجيه، فالناس يعيشون بثقافاتهم التي ورثوها، وعلى الدولة أن تصنع خطابا ثقافيا شعبيا منتجا لحياة اجتماعية ومعرفية وابداعية، يمكن أن يحدث ذلك برأيي من خلال صناعة أغنية تحمل وعيا ومفاهيما انسانية تخدم الانسان والوطن بدلا من الاغنية الحالية التي تشوه صورة الحبيب وتنشر البذاءة ومفردات العنف والتردي.
وتابع : كما يجب ان تسعى الدولة الى صناعة شعر شعبي قادر على لفت انتباه الذات العراقية الى قيم الجمال والأمل بدلا عن كثير من الشعر الذي ينشر عنفا مستشريا بين مجسات الذائقة، لهذا اقول : يجب على الجهات المعنية صناعة خطاب ثقافي اجتماعي عراقي يدعم البحث المعرفي والابداعي في المجالات التعليمية ابتداءً من المدارس الابتدائية وليس انتهاءً بالمعاهد والجامعات والاهتمام بجميع الفنون الابداعية التي تؤطرها اللغة العربية باعتبارها& حصن الثقافة العربية التي لابد من حمايتها والسعي الى التنقيب في مكنوناتها.
&
تراجع مستوى الوعي
من جانبه اكد الشاعر هلال كوتا، ان عدم وجود القيمة في اي تعاطي وسلوك هو الخطر الذي يؤثر ويحدد مستوى التلقي لدى الناس،وقال : عندما نقول عن شيء ثقافة فأنها حتما نقصد الكلمة ذاتها بمعناها الايجاب والا كيف تكون ثقافة، لذا فالثقافة الشعبية التي تؤدي الى اسس رصينة وتحافظ على قيم فلا شك انها مفيدة ووجودها ضرورة لابد منها.
واضاف :هناك من ينعت الافكار البالية والسطحية بالثقافة وهذا اجحاف بحقها فالاشياء الدخيلة والمتغيرات السلبية لم ولن تكن ضمن أُطر الثقافة الشعبية، فمثلا في اوروبا يتم تداول الثقافة الشعبية كقيمة موازية لما يشهده العالم من تطور فهناك الكثير من النظريات التي بمرور الزمن تناقض نفسها في حين القيمة ثابتة.
وتابع : لابد لنا من القول بأن هناك من يحاول الحصول على مآرب عبر بوابة الجهل وتحريف مفاهيم الثقافة الشعبية لذا يحاول الامساك والتشبث بكل ما هو ليس له اسس سليمة والترويج له كثقافة وعي.
وختم بالقول :ان عدم وجود القيمة في اي تعاطي وسلوك هو الخطر الذي يؤثر ويحدد مستوى التلقي لدى الناس، لذا غياب الوعي واستشراء الجهل والعادات البالية سببا مباشرا في تراجع مستوى الوعي لا الثقافة الشعبية بقيمها الثابتة.
&
&
إفشاء الأمية والتخلف
اما الكاتب والاديب هادي الحسيني، فقد اشار الى ان إفشاء الأمية والتخلف احد اسباب توارث الثقافة الشعبية،وقال: لا يمكن النظر الى الثقافة الشعبية بوصفها خطيرة على المجتمع، ولا يمكن ايضا بان نصفها حالة مرضية مفروضة على الحاضر الذي هو عصر نهضوي بإمتياز وتكنولوجي علمي بحت، لكن نجد خطورة الثقافة الشعبية في التحول الكبير الذي طرأ على المجتمعات في كل العالم، فان ندعم الثقافة الشعبية ونسخّر لها كل الإمكانيات في هذا الزمن الخارق بالسرعة سنصبح في آخر الركب ضمن التطورات العالمية في كافة المجالات.
&واضاف : نعم نحترم ثقافتنا الشعبية، نستلهم منها العِبر والمواقف العظيمة في البناء والرقي والتقدم، ومن الخطأ الإعتماد الكلي عليها وهذا ما يحصل للاسف الشديد اليوم داخل وطننا العراق وداخل دول عربية واسلامية اخرى الامر الذي ظلت تلك الدول تراوح في مكانها من دون تطور وتقدم في البناء والعمران على مستوى الانسان ومستوى المشاريع التي من شأنها تقدم افضل الخدمات للانسان في هذا الزمن.
&وتابع : قد يكون إفشاء الأمية والتخلف احد اسباب توارث الثقافة الشعبية خاصة في الربع الاخير من القرن العشرين وما بعده، الثقافة الشعبية في السابق كان يراها البعض هي تعبير عن غياب الحاكم أكثر مما هي تعبير عن حضور الشعب المحكوم.
&
اشكالية الثقافة الشعبية&
الى ذلك دعا الاديب مازن المعموري لاعادة النظر في القيم الفكرية والجمالية للمجتمع، وقال :تشكل الثقافة الشعبية أحد أهم المحركات الاساسية لتداول الافكار وتطورها لدى الشعوب الحية , وهي الحاضنة الذاكراتية لتصوراتنا عن العالم والمحيط الاجتماعي , وخلاصة التجارب الحياتية. من هنا يصبح النتاج الادبي في كثير من الاحيان سائرا باتجاهين هما : العمل وفق ما يريده ويتذوقه المجتمع , وهو اجترار لتجارب سابقة يحمل تفاصيل الرؤية العامة لدى اغلب الناس , وهذا النوع لا يقدم لنا منجزات مهمة بشكل عام , والثاني هو القطيعة مع القاعدة الثقافية والجمالية. وهنا تكمن احد اهم الاشكالات , بما ان الابداع ينطلق من الاختلاف والتجاوز في أبسط حالاته, ومن هنا يبدأ اغتراب المبدع المعاصر في بحثه عن المختلف والصادم بسبب تقويضه للسائد والعرف الاجتماعي.
واضاف: لكن المشكلة الاساسية تكمن في نوع الثقافة، فقد تعلمت الاجيال منذ بداية الحداثة نهاية القرن التاسع عشر ومدخل القرن العشرين على التواصل مع المنجز الغربي الذي يختلف تماما عن العقل الشرقي , حيث تحرص الشعوب الشرقية والعربية بالتحديد على قداسة الارث لانها تؤمن بان الحقيقة المطلقة والكاملة موجودة في الماضي وهذه الحقيقة لا يشوبها نقص , فكل اختلاف هو نقص وكل جديد غير معرّف يعدّ شططا من باب الاساءة الاخلاقية للثوابت , سواء كانت افكارا ام جماليات مثل المسرح والتشكيل والسينما وغيرها وكل ذلك يعد سلسلة مضادة للثقافة الراسبة في الذهن التقليدي , واعني هنا النسق التحريمي للفنون بصفتها اعمالا لا أخلاقية في العقل الجمعي , اذ ما زلنا نعاني من نظرة الناس بشكل عام وهو الاهم هنا من فجوة كبيرة بين معطيات الحراك التجريبي والحداثي للكتابة والفنون البصرية كلها وبين مستوى التلقي وعدم التفاعل لسبب جوهري يكمن في ان المبدع العربي والعراقي على وجه الخصوص يقف بالضد من ثقافة المحيط الاجتماعي الشعبي , غافلا خطورة هذا الموقف , لانه بحاجة الى فهم واعي لقيمة هذه الثقافات, خاصة اذا أدركنا حجم المؤسسة الدينية وقدرتها على توجيه أرادة المجتمع على كل الصعد والاتجاهات.
وتابع : بالنسبة لي , أدعو لاعادة النظر في القيم الفكرية والجمالية للمجتمع , وهذه الاعادة لا بد لها من الاخذ بعين الاعتبار مجموعة النقاط التالية :
1ـ الثقافة الشعبية قائمة على اساس العاطفة كليا.
2ـ العقل الجدلي والبحث عن الحقيقة غير موجود.
3ـ الخطاب الادبي يجب ان يغير مصادر المعرفة والانتقال من المصدر الغربي الى الواقع الاجتماعي للناس , ولا اقصد هنا التخلي عن المنجزات الغربية اطلاقا بقدر العناية بفهم طبيعة التلقي العام للمجتمع ومستوى تفاعله مع النصوص والاعمال الفنية بشكل عام.
4ـ الشكل الاسطوري للخطاب. هذا الشكل هو المحرك الاساسي لفهم الهوية الثقافية. اذ لا حقيقية بدون اسطورة متعالية تحول الشيء المادي الى مطلق هائل غير منظور الا في حدوده المجردة , لكنها مليئة بالحس والعاطفة الجياشة لميول العقل الشعبي وسحبه من مكانه في القاع الى سطح الحياة والتفاعل مع المتغيرات المادية.
&