&

&
&
&كتابة - إيمان البستاني
& & & &&
كما هي الحياة , اولها ضحك ولعب وشقاوة &واخرها حزن و وحدة وحسرة .....تأخذنا الفنانة التشكيلية الرائدة وداد الاوررفلي في كتاب لسيرة حياتها العامرة بعنوان ( سوالف وداد الاوررفلي ) وعلى مدى ( 432 ) صفحة من الحجم الكبير طٌبعت بفخامة في شركة مطابع دار الأديب لعام 2015 وبغلاف لأحدى لوحاتها البغدادية الجذابة وبمحتوى ثمين من ذكريات وتوثيق حياتي فريد امتاز بالبساطة والصدق وتم اعداده بجهد وزمن استغرق اربع سنوات وعرض سخي لصور عائلية
تقول الفنانة التشكيلية الرائدة وداد الاورفلي عن كتاب سيرة حياتها والفائز بجائزة العنقاء الذهبية الدولية لأجمل كتاب الدورة الثالثة لعام 2016 &( منذ أكثر من عقدين وأنا أفكر بكتابة مذكراتي وسيرتي، فبدأت أسجل ما يجول في خاطري عن طفولتي ودراستي وتنقلاتي مع زوجي حميد العزاوي الملحق المالي في وزارة الخارجية ومعاناتي بتنقلاتنا بين الدول مختلفة اللغات، وكلما أراجع ما سجلته أضيف عليه الكثير وتقفز في ذاكرتي حوادث فأضيفها بلغتي البسيطة، أأمل ان ينال اعجابكم، فهو كتاب يمثل شخصيتي وأفكاري وفنوني وجنوني إذ ان ولادتي تختلف عن المألوف، وخطوبتي وزواجي ايضا يختلفا، فلم البس ثوب عرس مثل بقية النساء، ولا حتى أخذت صورة تذكارية لعرسي الا بعد 7 سنوات، وبعد ان انجبت ولدي عباس، وكما تقول اغنية فاضل عواد (لا خبر لا جفية ولا حامض حلو ولا شربت) سترون أن حياتي وأفكاري تختلف عن الاخرين، سطرتها بأسلوب يمثل وداد التي أعرفها أكثر من غيري
والفنانة التشكيلية الرائدة وداد الاورفلي من مواليد &بغداد سنة 1929, &ودرست الفن والخدمة الاجتماعية في الجونير كوليج في بيروت، وتركته في السنة الرابعة وأكملت الدراسة في كلية الملكة عالية، وتخرجت بدرجة أولى قسم الخدمة الاجتماعية.
&درست 4 سنوات في مرسم الدكتور خالد الجادر في كلية الملكة عالية و تخرجت من معهد الفنون الجميلة فرع الفنون التشكيلية قسم المسائي سنة 1960
وهي عضو نقابة وجمعية الفنانين العراقيين, شاركت في كل معارض الكلية والنقابة وجمعية الفنون التشكيلية وشاركت في أول معرض للفن العراقي للرواد والشباب سنة 1957, درست مادة الرسم في مدرسة الثانوية الشرقية ثم عُينت في مركز وسائل الإيضاح لرسم وسائل إيضاحية للمدارس وعملت كمسؤولة للدعاية والإعلان في أكبر معمل ألبان في العراق
عملت ايضاً في مديرية التراث الشعبي كمسوؤلة للمتحف واجرت دراسة ميدانية شاملة لتوثيق سوق الصفارين وحرفة الطرق على النحاس ودرست فن المينة على النحاس، وفن الباتيك على القماش في باريس
غادرت العراق ملتحقة بزوجها حميد عباس العزاوي وتنقلت بين عدد من الدول والعواصم، ألمانيا ونيويورك وباريس وعمان وإسبانيا والسودان وتونس ولندن واطلعت على المتاحف والكلريات في هذه البلدان
الكتاب ضخم على كثافة محتوياته ومكثف بأناقة عرض &, يختزن ذكريات عمر بأكمله وهو مؤهل في الوقت عينه لقنص حتى اصغر الاشارات لتفاعلات من الطينة التي تُعجَن فيها الهواجس من مشاعر انسانية ودروس حياتية وكما هو ايضاَ وبكل انسيابية سرد صادق يتطرق لأحوال بغداد وناسها , شوارعها , بيوتاتها , طقوس حزنها وفرحها&
تبدأ السيدة الاورفلي في سرد وقائع ولادتها ونشأتها بتفاصيل تجعلك تستلقي على ظهرك من الضحك للعفوية المفرطة وكأن من يحدثك هي &طفلة تجلس بجانبك وتروي لك الأحداث كما تفهمها وبلغتها,
ثمة دلالات عميقة يشعر بها زائر الكتاب للعقلية المتفتحة لوالدها وطريقة نشأته لأولاده وبناته خاصة , مكي الاورفلي,ذلك الأب الذي لم يتوانى لحظة عندما ارسل اولاده الذكور ليتعلموا في بيروت والولايات المتحدة الأمريكية , اما الأناث فأرسلهم الى الجنيور كوليج في بيروت في اربعينيات القرن الماضي , كان رجل قانون درس في اسطنبول وشغل منصب رئيس محاكم الموصل وبعقوبة وبغداد كما درّس في كلية الحقوق
تستعرض السيدة الاورفلي في كتابها نبذة تعريفية عن المدارس الاهلية الخاصة منها مدرسة عادل في بغداد ومدرسة بهية حلاوة في بعقوبة ومدرسة النجاح المختلطة في الباب الشرقي ومدرسة الأميركان التبشيرية للبنات ومدرسة الراهبات في الباب الشرقي وفرعها الاخر في شارع الرشيد بعقد النصارى , كذلك تستعرض مدارس اليهود كمدرسة الأليانس ومدرسة شماش وفرنك عيني ومسعودة شنطوب للبنات
ثم تتطرق الى تاريخ عائلة الاورفلي وسكناهم في محلة الاورفلية في الباب الشرقي والجوامع الثلاث التي تمتلكها العائلة في بغداد اضافة الى البستان , يليه الحديث عن عادات اهل بغداد ذلك الزمان من طراز البيوتات البغدادية القديمة وطقوس ساكنيها مثل طقس النوم في السطوح او صوم البنات وصوم زكريا والعاب الصبية واغانيهم
وتفرد السيدة الاورفلي فصلاً كاملاً تحكي فيه عن شارع الرشيد والحافلات فيه ومتاجره والسينمات في بغداد وماذا تعرض من افلام وكيف يرتادها اهالي بغداد وعوائلهم , كذلك حديثها عن تلفزيون بغداد وكيف تم افتتاح البث فيه , وحكاية الكرامفون ومدارس الرقص الافرنجي في بغداد وحكايات عن الصناعات العراقية تبتدأها بمصنع فتاح باشا للبطانيات وانتهاءاً بمعامل الصابون
ثم تسترسل في حديثها عن عشقها و ولعها بالموسيقى وكيف تتلمذت وهي طفلة على ايدي امهر اساتذة الموسيقى وكيف ساقهم قدرهم لتعليمها وهي التلميذة المتمردة , ذلك العشق الذي لازمها جعل منها مؤلفة موسيقية وعازفة من الدرجة الاولى على آلة العود والاوركوديون والبيانو &والأور &&
اما حكايات خطوبتها وزفافها فتبدو احداثها نادرة لغرابتها وخروجها عن النسق المعروف انذاك , ارتبطت برفيق حياتها بالدبلوماسي ( حميد العزاوي ) وعاشت معه ٤٥ عاماَ من حياة قوامها الحب والاحترام والتفاهم , رافقته خلال سنين عمله وتنقلت معه دول عديدة من المانيا الى نيويورك وعمان ولندن واسبانيا والسودان وتونس الخضراء , استعراضها لذكرياتها في تلك البلدان هو دليل سياحي مجاني عن طبيعة ومعالم تلك الدول , عادات ناسها , اطباقهم الشهيرة , مناخها , لغتهم , صداقاتهم والتأقلم معهم , سرد شيق يجعل القارئ يغوص في تجربة لا تخلو من المتعة والطرافة ..... لازلت اذكر كيف حدثتني السيدة الاورفلي عن اللغة الالمانية ايام اقامتها هناك , حيث قالت ضاحكة ( كنت اول عهدي بالمانيا اجلس في متجر صاحبته سيدة المانية نتحدث كيفما اتفق لأتعلم منها اللغة , وصادف ان توفى البابا ايامها واعلنوا الخبر بالراديو , ما ان عاد زوجي من عمله للدار حتى ابلغته وسألني مستغرباً كيف علمتُ بالخبر , فقلت له سمعت &!!! بالراديو يقولون ( البابست كيشتوربن ) فقال لي مبتسماَ : ها ؟ تعرفين الماني ؟
في اسبانيا الاندلسية وحين زارت قصر غرناطة , وجدت ضالتها في ايجاد بصمة خاصة بها تميزها وتجعل فنها ولوحاتها متفردة بأسلوب المنمنمات المنقوشة بصبر وأناة
من تونس الخضراء , آخر محطة وظيفية عادت الاسرة لتستقر لأول مرة في بلدها وكانت اول همها تخصيص دار سكن ودمج اطفالها في حياة مستقرة بعد معاناة طويلة من تذبذهم وتشتتهم بين دول عديدة مختلفة كل منها له نمط مدارس و لغة كلما اعتادوا عليها جاءهم أمر بأنتقالهم لبلد أخر لكن التوقيت لذلك الاستقرار هو سبتمبر &١٩٨٠ &, اي بداية الحرب العراقية الايرانية الطاحنة لتبدأ مسيرتها في احياء جو ثقافي فني تجسد عند انشائها لقاعتها ( قاعة الاورفلي للفنون ) في بغداد حي المنصور , فكانت القاعة قِبلة لكل مثقفي البلد وملتقى لهم و محفل فني , حيث كانت بأختصار مركزاَ ثقافياً جامعاً , فإلى جانب عرض كل أنواع الفنون التشكيلية كانت هنالك محاضرات ثقافية , امسيات موسيقية, سينما , مسرح ودورات تعليمية
ازدهرت اجواء الثقافة والفن ايامها واصبح الحديث عنها على كل لسان متتبع للفن لتغدو السيدة الاورفلي رمزاً ومثالاً للمرأة الناجحة الدؤوبة التي تجعل من الحب والفن مشاريع للجمال وفرصة للتألف والالتقاء , تجربة قدمت فيها هذه المرأة الفريدة بجهودها الشخصية ومن حولها ما تعجز عن تقديمه اية مؤسسة فنية
الى ان هبت رياح التغيير التي جلبتها الديمقراطية الامريكية وانقلب حال البلد عاليها سافلها , انقلبت الموازين واصبح الفن ترف لا محل له , حملت السيدة الاورفلي نفسها ولوحاتها وآرثها الفني بعد ان صادر السيد الجديد قاعتها بما احتوت لتجد نفسها مثل حال الأف العراقيين مجبرة على الغربة
في عمان الاردن , كان مستقرها , جارة طيبة لبلدها , تتكئ على ذكرياتها وعينها على بغدادها , وجدت لها بديل أخر اسمته ايضاً ( قاعة الاورفلي ) ولكنها ابدلت زيها الهاشمي الذي يضوع منه عطر شهرزاد لتستبدله بقبعة كاسكيت وعصا تتوكئ عليها من ثقل الزمن
وفراق رفيق حياتها ليصنع كل هذا مشهداً حقيقاً للغربة , ولكنها بقت تحمل روحها جذوة لاتنطفئ بالعطاء&
يبدأ الوجع وتنهمر دموعك عزيزي القارئ حين تصل لنهاية الكتاب وهي تستذكر رحيل زوجها رحمه الله في سرد تلتقط منه ادق الايماءات والاشارات الانسانية , &اجمل ما كتبت هو بالرغم من تميزه بكثير من خصال طيبة وطبع هادئ الا انه كشأن كل الازواج العراقيين , بخيل في مشاعره , لم يقل ولا مرة في حياته الكلمة التي تنتظرها اي امرأة بشغف ولهفة من ملكة بريطانيا الى ام جرغد المايل الا وهي كلمة ( احبك ) , ثم تنهي كل هذا برسالة اليه عنوانها ( عزيزي حمادة ) لتبدأ اول جملة فيها بمقطع ( بعد رحيلك ) ثم تسطر في رسالتها ما تود ان تبلغه له وما حصل في غيابه وما هي اخبار الاولاد والاحفاد .....الى ان وصلت الى المقطع الذي كان مفتتح لي لطقس بكاء سخي حين كتبت لزوجها المرحوم تقول له بكل عفوية بأنها ستضع كثير من صور الاحفاد حتى يراهم كيف كبروا..... حين تتصفح روحه الكتاب&
في آمان الله
&