تقول سوميني سينغوبتا في كتابها "نهاية الكارما" إن فشل الدولة في توفير المدارس والجامعات والوظائف للشباب وفي مساعدتهم على النجاح والتقدّم، سيجرّ الهند إلى المخاطر.

إيلاف: في نوفمبر 1949، كانت الهند قد نالت استقلالها منذ أكثر من عامين، وخلال تلك الفترة، عملت لجنة الصياغة (Drafting) على وضع دستور للدولة الجديدة. 

كان العمل يكاد ينتهي، لكنّ النقاد تذمّروا حول المدة التي استغرقها، حتى إن أحدهم علّق قائلًا إن هذه اللجنة ينبغي أن تُسمّى "لجنة الانجراف البطيء" (Drifting). 

لكنّب. ر. أمبيدكار، المحامي المتعلّم في كولومبيا الذي يرأس المجموعة، دافع عن زملائه. فمهمتهم كانت صعبة، إذ إن الدستور تألّف من 395 مادّة، وتعرّض لنحو 2473 تعديلًا، ما يعكس التعقيدات الكثيرة في الهند: الظلم الطبقي، والفقر، وتعدّد اللغات والأديان. 

نهاية الكارما ما بين شباب الهند

وكانت الهند تتمتّع بديمقراطية سياسية (صوت واحد لكل مواطن)، غير أن الدستور كان بحاجة إلى تعزيز الديمقراطية الاجتماعية. وقال أمبيدكار في خطاب ألقاه: "إلى متى سنستمر في إنكار المساواة في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية؟، يجب أن نزيل هذا التناقض في أقرب وقت ممكن، وإلا فسيقوم أولئك الذين يعانون عدم المساواة بنسف هيكل الديمقراطية السياسية".

تزدهر أو تنهار
تحسّنت حياة الفقراء والطبقات الدنيا في الهند بطرائق متعددة، غير أن البلاد لا تزال مليئة بعدم المساواة. في الواقع، على مدى السنوات الـ35 الماضية، اتسعت الهوة بين الأكثر ثراءً والأشد فقرًا. 

في كتابها "نهاية الكارما: الأمل والغضب بين الشباب الهندي" The End Of Karma: Hope and Fury Among India’s Young (منشورات و.و. نورتون؛ 244 صفحة؛ 29.65 دولارًا) توجّ هسوميني سينغوبتا تحذيرًا منذرًا، تردد أقوال أمبيدكار، لكن بشكل عصري يتماشى مع الوقت الحاضر. 

والجدير بالذكر أن ربع سكان الهند، البالغ عددهم 1.25 مليار شخص، لا يتخطى عمرهم 15 عامًا. وحتى عام 2030، كلّ شهر سيصبح مليون هندي في سن 18 عامًا، متشوقين للحصول على مزيد من فرص التعليم والعمل.

قوة عمل بهذا الحجم والطاقة هي حلم كلّ أمّة بـ"العائد الديمغرافي" الشهير. لكن، بحسب سينغوبتا، فشل الدولة في توفير المدارس والجامعات والوظائف لأولئك الشباب ومساعدتهم على النجاح والتقدّم سيجرّ الهند إلى المخاطر: "في السنوات المقبلة، يمكن للهند أن تزدهر بسبب شبابها، أو أن تنهار، أو كليهما معًا. يكاد الوقت يدهمنا".

سينغوبتا، وهي مراسلة في نيويورك تايمز، خدمت رئيسة لمكتب الصحيفة في نيودلهي بين عامي 2005 و2009. غادرت الهند للمرة الأولى قبل 30 سنة، عندما قرر والدها، وسط حملة وطنية تقمع الحريات المدنية، أن ينتقل وعائلته إلى كندا، ومنها إلى الولايات المتحدة. والآن، بعدما عادت إلى أمة متحوّلة - اقتصادها يزدهر، ومدنها كخلايا النحل - لمست حماسة جديدة من الطموح. 

المصير المحتوم
تشير سينغوبتا إلى فكرة الكارما الهندوسية، أي المصير المحتوم المبني على أساس الفضائل والخطايا المرتكبة في حيوات سابقة، والماضي النفسي الذي يستحيل الهروب منه. هي تتجنب استخدام الحجة غير الحكيمة التي مفادها أن الإيمان الهندوسي بالقضاء والقدر أقنع، في السنوات السابقة، الهنود بالاستسلام إلى أوقاتهم الصعبة. وفي الوقت الراهن، ما يحصل هو أن "مطالب الشباب في الهند تدفع البلاد إلى التحرر من ماضيها، فهم ما عادوا على استعداد لتحمّل قدرهم".

يتضمّن كتاب "نهاية الكارما" ثلاثة أنماط سرد مختلفة. الأضعف بينها ينطوي على ذكريات طفولة سينغوبتا في الهند وأميركا الشمالية، وقرارها، خلال مهمتها في نيودلهي، بتبني طفلة. وهي تلفت إلى أن اهتمامها بشباب الهند تسارَع بدخول ابنتها إلى حياتها، وهي عضو حقيقي وصادق من هذه الأجيال التي لا تهدأ، ووحدة من وحدات العائد الديمغرافي في الهند. 

لكن كثيرًا من هذا يبدو ضعيفًا، وكأنّه نوع المواد التي يطلبها المحرر عادة، مؤنّبًا الكاتبة لأنّ المخطوطة ليست شخصية بما يكفي. والنمط الثاني من الكتاب هو تفسيري – مجموعة من الأخبار والتاريخ والإحصاءات، التي تقدّمها سينغوبتا بلغة رائعة وسلسة. أما الصفحتان اللتان دارتا حول لالو براساد ياداف، سياسي قوي في ولاية بيهار، ففيهما أعجوبة اقتصادية وتعرية لخلفيته وآلياته في السياسة الطبقية وتدميره لولاية بيهار، والكاريزما الشعبية التي يتمتع بها. 

توقفت بالكامل
في المقاطع الأكثر حيوية في الكتاب، تكتب سينغوبتا لمحة عن سبعة شباب هنود، مراقبةً بعضهم سنوات عدة. كبروا جميعًا في بيوت فقيرة أو منازل الطبقة المتوسطة الدنيا - الأقواس الاجتماعية والاقتصادية التي تضمّ غالبية السكان في الهند – ومن خلال حياتهم يصبح خذلان الدولة لشبابها أكثر وضوحًا.

انضمت فتاة شابة تدعى راكي من قرية في غرب البنغال الفقيرة، إلى حركة تمرد ماوية، بعد الشقاء المفاجئ الذي أصاب عائلتها، وهي قادرة على تعداد الأشخاص الذين قتلتهم، ووفقًا لما كتبته سينغوبتا: "كل منهم يترك ذكرى قوية. الوقت، الفترة من السنة، اسم الضحية".

وبالقرب من مومباي، إعتقل رجال الشرطة فتاتين، بعدما استفزهن متظاهرون يمينيون، علمًا أن الفتاتين كانتا قد اشتكتا على صفحتيهما على موقع فايسبوك من أن الحركة في المدينة توقفت بالكامل من أجل السماح لموكب مأتم أحد السياسيين بالمرور. في غرغاون، فارشا البالغة من العمر 17 عامًا، تتعطش إلى المزيد من العلم، لكي تصبح شرطية. أما والدها، سائق العربة الهندية ريكاشة، فيصرّح بعد تردد، بأنّ المدارس باهظة، وستبعد ابنته كثيرًا عن عالمهم". هو يحبها، لكنه يخرب عليها مخططاتها... هي تستمر في دفع الحدود بعيدًا، وهو عليه أن يحدد المدى الذي بإمكانها الوصول إليه".

أميّون
التوصيف الأكثر دقة الذي أوردته سينغوبتا هو لشخصية أنوبام كومار. ترعرع أنوبام في باتنا عاصمة بيهار، في بيت من قرميد وسقفه من الصفيح المموج، وكانت تعيش بجواره خنازير في مكب للنفايات. 

كان والده يقود عربة، كوالد فارشا. والدته التي لمست اتقاد ذكائه، جابت الحي كله بحثًا عن مدارس خاصة وصفوف خصوصية ذات تكلفة معقولة، متجاهلة المدارس الحكومية السيئة. وبحسب سينغوبتا فإن "نتائج الإحصاءات الأخيرة في العام 2014 تشير إلى أن معظم الأطفال الهنود في الصف الخامس هم فعليًا أميّون، وأكثر من النصف لا يعرفون كيف يجرون عملية طرح".

درس أنوبام بجهد، ودخل كلية الهندسة الأكثر تنافسية في البلاد، وضلّ طريقه هناك، وغيّر اختصاصه، ثم حصل على ماجستير في إدارة الأعمال، وبدأ يعمل في لجنة هندية شبيهة بهيئة الأوراق المالية والبورصات. وأشارت سينغوبتا إلى أن "أنوبام ليس هوراشيو ألجر. وبلاده ليست بلاد هوراشيو ألجر".

في الواقع، تكتسب قصته قوتها من التلميح إلى احتياطي الموهبة والذكاء في الهند، ومن خلال الكشف كيف أن الهند تكاد تبدّد كل ذلك، مكتفية بمشاهدة القليل من الاندفاع الاستثنائي المتحرّر من مجال جاذبية الماضي.

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن "نيويورك تايمز". الأصل منشورعلى الرابط الآتي:
https://www.nytimes.com/2016/03/20/books/review/the-end-of-karma-by-somini-sengupta.html?_r=1