&
هي واقعية ومتخيلة في آن. لكنها تصف حالا حاضرا. رواية جديدة، هي السابعة لهاني نقشبندي، وتختلف عن كل ما سبق أن قدم. شخوصها اربعة: مؤذن وخطيب وفتاة ومعلم. المكان: مسجد صغير قديم، في مدينة يفترض أنها عربية.
يُخبر المؤذن إمام المسجد، والذي هو نفسه الخطيب، ان خطبته الأخيرة "كانت مكررة".
يستفسر الخطيب "تقصد أنها تشبه الخطب السابقة"؟
"لا حفظك الله، بل قصدت أنها الخطبة السابقة نفسها. إنها مكررة".
يكتشف الخطيب انه، بالفعل، أعاد قراءة خطبة الجمعة الماضية نفسها، عن طريق الخطأ. يزيد المؤذن على ذلك "والحقيقة حفظك الله، أنها ليست المرة الأولى".
من فكرة خطب الجمعة المكررة والمتشابهة، تنطلق احداث الرواية على 200 صفحة، لترسم قدر أمة عن طريق خطيب يقرر تطوير خطبه، للفت انظار المصلين إليه، بمساعدة المؤذن. ليس بالضرورة حصر الرواية في خطب الجمعة، فهي تعتمد على الرمزية في ايصال رسالة حول تأثير الخطاب الديني في الشارع المسلم. وقد لجأ الكاتب الى خطبة الجمعة كتجسيد لهذه الرمزية التي عرفت في روايات النقشبندي.
يستغرب الخطيب كيف لم ينتبه أحد من المصلين الى أنه يكرر خطبه. يقول إن العلة في المصلين أكثر مما هي في الخطبة. أما المؤذن فيقول إن العلة في الخطبة نفسها التي ما عادت تمس حياة الناس، ولا تجيب على أسئلتهم اليومية. كما انها تعيد اجترار الأحكام والقوانين الدينية برتابة عتيقة. "هي باختصار، مملة"، هكذا يصفها المؤذن. ويقترح على الخطيب ان يطور من خطبه بالاستعانة ببعض الكتب. "عليك أيضا أن تغير من أسلوبك حفظك الله" يقول له، ويقترح عليه الإستعانة بمدرب في فن الإلقاء. يرفض الخطيب بتعال كبير الإستعانة بمدرب يعلمه كيف يخطب، بحجة أن منصبه يسمو على ثقافات البشر العادية. ذات يوم، يزور الخطيب الوزارة المسؤولة عن المساجد، طالبا ترميم مسجده القديم بعدما رأى عليه علامات تفسخ. لكن مسؤولا كبيرا هناك طلب منه الإنتظار، واعدا إياه، بشكل غير مباشر، أن يصبح في القريب اماما لمسجد كبير آخر يتم بناءه في الحي. يخلخل إغراء المسجد الكبير عناد الخطيب، فينخرط في دورة تدريب (سرية) مع مدرب القاء أحضره له المؤذن. يقابل طموح الخطيب في إمامة المسجد الكبير، طموح آخر للمؤذن مع فتاة في الحي تعرف إليها. يريد ان يتزوجها. ويعتقد ان انتقال إمامه الى مسجد آخر، سيؤهله ليكون اماما يحل مكانه في المسجد القديم. لكن تتغير الأمور. وتهب الرياح عكس الأشرعة. إذ فوجئ الخطيب بأن المسجد الذي اكتمل بناؤه في الحي، قد تم اختيار إمام آخر غيره ليتولى إدارته. هكذا بكل بساطة، تجاهلوا خبرته ومكانته من أجل شاب غرً جعلوه اماما للمسجد الكبير. حتى المسؤول الكبير في الوزارة، عاب عليه غضبه عندما اشتكى له، واكتفى بأن وعده بمسجد أفضل من مسجده الحالي. وهذا اسقاط ثان في الرواية، ولعله الأكثر أهمية، عندما يصبح الدين منصبا أكثر منه رسالة دينية. وكرد فعل على ما أحس به الخطيب من غبن وتجاهل، انفجر حقد في داخله، وتحولت خطبه من التسامح الى الكره. في البدء راح يتحدث عن فساد الناس، ثم فساد المسؤولين، ثم معاداة المتغربين والعلمانيين، ثم التكفير والدعوة للقتال والقتل، وأخيرا الدعوة الى إقامة الخلافة العادلة التي لا ظلم ولا فساد فيها، وكأنها الجنة على الأرض. الخطيب الذي كان يحدث الناس عن الإيمان والسلام، هو نفسه الآن الذي يقول للمؤذن "لا تنتظر أن أحدث الناس عن المحبة، فلست المسيح هنا". ولا يمضي طويل وقت قبل أن تحدث مفاجأة آكثر غرابة، إذ يبدأ المصلون في الإنصات لكل كلمة يقولها الخطيب المتعصب. وشيئا فشيئا، راحوا يتسابقون كل جمعة إلى مسجده، مع طموح كبير بالتماس بركة السلام على الرجل العظيم الذي اعتقد أكثرهم انه شخص جديد ساقته بركة السماء لهم. في بضعة اسابيع، ومع ازدياد الخطب سعيرا، يصبح الخطيب أهم أنسان في الحي، وسيده، وصانع القرار فيه.
هذا ملخص لجزء من الرواية، التي تتصاعد أحداثها في غموض وغرابة، مع شيء من السخرية، صانعة في مجملها أسئلة كثيرة، حول هدفها، ورسالتها التي يربطها الكاتب بالمصير الذي ينتظر الخطيب والمؤذن فيها.

عنوان الرواية: "الخطيب"
الكاتب: هاني نقشبندي
الناشر: دار الساقي
الإصدار: 2017
الحجم: 195 صفحة من القطع المتوسط
&