بالنسبة إلى الناشطين الاجتماعيين، يمثل مخيم داداب أزمة إنسانية حقيقية. بالنسبة إلى الحكومة الكينية، إنه مصنع الإرهابيين. أما للإعلام الغربي، فهذا مكان خطر لا أكثر. أما بالنسبة إلى نصف مليون إنسان يسكنون فيه، فهذا ملاذهم الأخير.

إيلاف: داداب أكبر مخيم للاجئين في العالم، يأوي نحو 350 ألف شخص. أُقيم على الحدود الكينية مع الصومال في عام 1992 لإيواء زهاء 90 ألفًا هربوا من الحرب الأهلية هناك.

مدينة الشوك أو حياة اللجوء القاسية

منذ ذلك الحين، توسع المخيم إلى مدينة مترامية الأطراف، وسط صحراء قاحلة، فيها تولد أجيال من اللاجئين الصوماليين وأعداد أقل من السودان وأثيوبيا وبلدان أخرى، وفيها ستموت غالبيتهم.

غضب مفهوم
في وقت تواجه أوروبا أزمة لاجئين خاصة بها، فإن كتاب بين رولنس المتميز "مدينة الشوك: تسع حيوات في أكبر مخيم للاجئين في العالم" City of Thorns: Nine Lives in the World’s Largest Refugee Camp (دار بيكادور للنشر؛ 400 صفحة؛ 11.99 جنيهًا إسترلينيًا) يأتي تذكيرًا ملائمًا بأن الغالبية العظمى من لاجئي العالم لن ترى شواطئ أوروبا أبدًا، وأن خبرة اللاجئ الحقيقية ليست الحركة، بقدر ما هي البقاء حبيس مكان واحد، جسديًا ونفسيًا، منفردًا وجماعات. وفي مخيم داداب، تكون الحياة منسية في أيام اليسر، ومرعبة في أيام العسر.

رولنس زار مخيم داداب أول مرة في عام 2010 خلال عمله في منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان. وأمضى في السنوات التالية فترات طويلة داخل المخيم يراقب ويقابل ويسجّل.

يروي كتابه قصة المخيم من خلال حياة تسعة لاجئين وعائلاتهم مع عرض للسياسة الإقليمية والمساعدات الإنسانية الدولية. يتخلل سرد رولنس غضب لا يخفيه على الفساد والجشع وتقصير المجتمع الدولي. وهو غضب مفهوم، لكن البروفيسورة ميغان فون، أستاذة التاريخ الأفريقي في كلية لندن الجامعية، تأخذ على رولنس وصفه العاملين في مجال المساعدات الإنسانية بأنهم جميعًا، من دون تمييز، بعيدون عن اللاجئين، يتعاطون الخمر ويتقاضون رواتب عالية.

كما تتعرّض الحكومة الكينية لانتقادات لاذعة في كتاب رولنس، رغم اللقطات العابرة عن مسؤول إنساني يظهر أحيانًا لمساعدة اللاجئين في مواجهة صعوبات جمة.

وكانت كينيا ورثت حدودًا كولونيالية وقوالب نمطية قبلية كولونيالية وشكوكًا عميقة بالرعويين الرحل. وعندما تدفع الحرب والجفاف الصوماليين الرحل إلى النزوح، ويكون الغرب مشتبكًا في "حرب على الإرهاب"، فإن الشك في هؤلاء المسلمين المتنقلين يتحول إلى خوف، والخوف إلى كراهية.

بالمعنى الحرفي
تعني كلمة "داداب" المكان الصخري القاسي، وكثير من اللاجئين في كتاب رولنس يجدون أنفسهم بين الصخرة والمكان القاسي بالمعنى الحرفي لهذه المفردات.&

وحين خُطف اثنان من المسعفين في عام 2012 علقت الأمم المتحدة خدماتها في المخيم، وأعلنت كينيا الحرب على حركة "الشباب" الجهادية في الصومال. وازدادت أوضاع اللاجئين في المخيم صعوبة. وحين وقع الهجوم على مجمع ويستغايت التجاري في نيروبي، ازدادت الأوضاع ترديًا، وعرف سكان داداب أن كل صومالي مستهدف.

وكما يكتب رولنس، في حياة كل فرد يعيش في هذا الجحيم أشياء صغيرة تدفعه إلى المرض أو اليأس، وهذه الأشياء مادية ونفسية على السواء. ويشعر من يقرأ كتاب رولنس أن الخوف الدائم من العنف ينخر عقول اللاجئين الهشة أصلًا، والحرمان المادي يأكل أجسامهم التي كثيرًا ما تكون معطوبة حتى قبل وصولهم إلى المخيم.

يشكل الاستثمار الإنساني العميق في بناء ما يشبه الحياة العائلية واحدة من موضوعات الكتاب المؤثرة، لكن لهذا المسعى الإنساني ثمنه. ويروي رولنس قصة رجال أُصيبوا بالجنون لعجزهم عن تحقيق آمالهم بتوفير حياة كريمة لزوجاتهم وأطفالهم.

وفي أعقاب الهجوم على مجمع ويستغيت التجاري، ونضوب موارد الأمم المتحدة المالية، وتفاقم الأزمة في سوريا خُفضت الحصص التموينية لسكان المخيم بمقدار النصف، ونشاهد مع رولنس رجالًا يجوُّعون أنفسهم لإعطاء أطفالهم وزوجاتهم الحوامل حصتهم التموينية الضئيلة أصلًا.&

ما يكفي من الإحباط
بالنسبة إلى المرأة، فإن الأمومة تجلب ومضات من الفرح والإنجاز، لكنها كثيرًا ما تأتي بعد حمل صعب ومخاض عسير يعقبه قلق بشأن إطعام الطفل والحفاظ على صحته وتأمين مستقبله.

تمتد مهانات الحياة في المخيم إلى الجميع. ومن السهل التورط مع جماعات فقدت الأمل ولاذت بالكحول والمخدرات هربًا من الواقع. وعلى الرغم من أن رولنس يذكر في كتابه حادثة هجوم مسلح على دار عرض نفذه إرهابيون محليون، فإنه لا يجد عمومًا تأييدًا يُذكر للتطرف بين سكان مخيم داداب. لكن هناك ما يكفي من الإحباط لارتداء ألف حزام ناسف.

في خلفية هذه المأساة اليونانية تتوارد أنباء الدوري الانكليزي الشهير، حيث لا يمكن الاستهانة بحجم الشعبية التي يتمتع بها فريق ماشستر يونايتد بين اللاجئين.وهناك أيضًا الدين. أن يكون المرء جائعًا وأن يكون صائمًا فإنهما شيئان مختلفان. وشهر رمضان يأتي بشيء من الراحة ومن الجوع، وعيد الفطر من لحظات الفرح النادرة التي يشترك بها سكان المخيم والكينيون المسلمون في المناطق المحيطة.

خارج المسرح الذي تدور على خشبته هذه المأساة، تُعقد مؤتمرات دولية، وتُنظم زيارات تقوم بها نجمة هوليوود أنجلينا جولي، التي يبدو أن لا أحد في المخيم يعرف مَنْ هي، وتُنشر نصوص، ويُقال كلام، وتصل إلى اللاجئين رسائل نصية واتصالات من أولئك القلة الذين أُعيد توطينهم في كندا وأستراليا والولايات المتحدة عن طريق القنوات الرسمية.

ونجا بضعة شباب قرروا أن ليس لديهم ما يفقدونه من أهوال الرحلة إلى شواطئ المتوسط وعبوره إلى الجانب الآخر. فيصل إلى المخيم أحيانًا اتصال غير متوقع من جزيرة صقلية.&

لا تستحق الاحتفال
خُفضت فرص الرحيل بالطرائق الرسمية سنة بعد أخرى، ويانصيب إعادة التوطين ليس من شأنه إلا زيادة الإحساس بأن نظام اللجوء كله تُديره آلهة بعيدة متقلبة الأهواء.

إذ تتهيأ مجموعة من نساء المخيم لقبول عرض من فاعل خير هندي بأن يسافرن إلى ولاية راجاستان للتدريب والعودة خبيرات "حافيات" في استخدام الطاقة الشمسية. فيملأن الاستمارات الخاصة بالجواز الذي تصدره الأمم المتحدة، وينتظرن عامًا كاملًا. ولا شيء يحدث.

وعندما يُمنح الثنائي المسيحي/المسلم مونداي وزوجته منى، اللذان تعرّضا لاضطهاد مروع حق الإقامة في أستراليا، فإنه من الصعب عليهما الشعور بأنها مناسبة تستحق الاحتفال. وهما إذ يتذكران معاناتهما وأطفالهما من العنف والظلم واقترابهما من حافة الانهيار لا يستطيعان التغلب على قلقهما، حتى وهما يصعدان إلى الطائرة، مما إذا كانت الحياة التي تنتظرهما آمنة. فالضرر الذي أصابهما فادح، حتى إنهما لا يجرؤان على الأمل بإصلاحه في مدينة أسترالية.

في عام 2013، أعلنت الحكومة الكينية أن المخيّم يجب أن يُغلق، وسكانه يجب أن يعودوا إلى "ديارهم"، لكنّ أحدًا لم يصدق الإعلان. فإن أقطاب التهريب الذين يستغلون أوضاع المخيّم لا يريدون أن يفقدوا تجارتهم المربحة. وما زال مخيم داداب قائمًا، وليس هناك ما يشير إلى أنه سيُغلق ذات يوم. ولفهم ما يجري داخله لا بد من قراءة هذا الكتاب المثير للقلق.

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "غارديان". الأصل منشور على الرابط الآتي:
https://www.theguardian.com/books/2016/feb/20/city-of-thorns-nine-lives-worlds-largest-refugee-camp-by-ben-rawlence-review