في كتابها "الشفاء: رحلة في علوم العقل والجسد"، تستكشف جو مارشانت كيف يؤثر العقل في الجسد، وكيف يمكن تسخير هذا التأثير في خدمة علاج الأمراض الجسدية.

بيروت: "هل أحسست يومًا بالأدرينالين يتدفّق في جسمك بعدما كادت تدهسك سيارة؟ أو تحرّكت مشاعرك لسماع صوت الحبيب؟ أو كدت تتقيّأ عند رؤية ديدان في القمامة؟"، هكذا افتتحت جو مارشنت كتابها "الشفاء: رحلة في علوم العقل والجسد" Cure: A Journey into the Science of Mind over Body (320 صفحة؛ منشورات كراون، 26 دولارًا؛ كانونغايت، 16.99 جنيهًا استرلينيًا).

في الواقع، هذه كلها تجارب تبيّن بوضوح كيف يؤثر العقل في الجسد. لكن، كما تلفت مارشنت في كتابها هذا، لا تزال علاقة ذلك بصحة الإنسان أمرًا مجهولًا. وبينما كان معروفًا منذ وقت طويل أن الحالات الذهنية السلبية، كالإجهاد أو القلق، يمكن أن تُلحق الضرر بصحتنا، لم نفهم بعد كيف يحدث هذا ولماذا، وكذلك لم نركّز على الجانب الإيجابي من المعادلة - أي كيف يمكن أن تساهم الحالة النفسية الإيجابية في تحسين الصحة على المدى الطويل؟

العلة في الكوجيتو

تلقي مارشنت باللوم كله على الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، صاحب "مبدأ كوجيتو" (أنا أفكر إذًا أنا موجود)، الذي حاول الإثبات أن العقل منفصل عن الجسد. وتشير إلى أن علم الأعصاب الحديث تخلى عمومًا عن الإيمان بثنائية العقل والجسد، وهو يدرك الآن أن كل حالة عقلية أو نفسية مرتبطة بتكوين جسدي مؤلّف من الخلايا العصبية، لا يمكن فصلهما. لكن، في حين استوعب علماء الأعصاب ذلك، ما زال كثير من الأطباء والمرضى ينفون هذه العلاقة، ويهدف هذا الكتاب إلى إغلاق هذه الفجوة نهائيًا.&

تجدر الملاحظة هنا أن مارشنت لا تحاول تسويغ الطب البديل الذي يعتبره كثيرون في الغرب تدجيلًا أو شعوذة، علمًا أن شهاداتها العلمية - وهي حازت دكتوراه في مجال علم الوراثة وعلم الأحياء الدقيقة - لا تشوبها شائبة. لكن، إذا كان بعض العلاجات البديلة وهميًا، فهذا لا يعني أن البعض الآخر لن ينجح في امتحان التجريب العلمي الدقيق، وهو أمر يثبته المسح الدماغي اليوم إذ يتيح للمختصين مراقبة التغييرات التي تطرأ على الدماغ وتعقّب الوظائف العصبية. إذًا، المهمّة هنا هي إظهار التفكير الحديث في ما يتعلّق بصحة العقل والجسد، وكيف يترابطان.&

القبلة الشافية

في الجزء الأول من الكتاب، تقوم مارشنت بجولة حول العالم للعثور على أحدث البحوث عن العمليات العصبية والهرمونية والفيزيائية التي تربط دماغنا بحالتنا الصحية. وتشرح كيف يمكننا تسخير هذه الروابط لمعالجة مجموعة متنوعة من الأحوال، تدفعنا في العادة إلى اللجوء إلى الأدوية.

&

الشفاء روحًا وجسدًا

&

ففي كثير من الحالات، يمكن استخدام تأثير البلاسيبو، أو الأدوية الاختبارية الكاذبة، "قبلة شافية"، كتلك التي نطبعها على ركبة طفل مخدوشة، ويمكننا حتى تدريب النظام المناعي عندنا على العمل بصورة أفضل، وتجديد دماغنا كله إذا لزم الأمر، والتأمل لحماية أنفسنا من الخرف والاكتئاب.

وبينما تتعامل الكاتبة غالبًا مع أحدث الاختبارات، فبعض آرائها مثير للجدل، كالمفاهيم الجديدة التي تتناول "اليقظة والتنبه الذهني" في الطب. وينطبق ذلك مثلًا على الجزء الثاني من الكتاب، حيث تعالج المؤلفة كيفيّة قيام حالتنا الذهنية بتشكيل بعض المخاطر الصحية، وتطرح أفضل طرائق وأنجح علاجات بديلة لتسخير قوة العقل. لكن، لا شكّ في أن أسسها العلمية القوية وجاذبية كتاباتها تنقذ الموقف. فهي تصيغ جملها بأسلوب واضح وحيوي، وتنقل الأفكار المعقدة بطريقة مفهومة وسلسة.

التغلب على التعصب

تقول مارشنت في الكتاب إنها لا تؤيّد الاعتماد على العقل وحده للشفاء - وفي الوقت نفسه لا ترى ملائمًا أن ننكر قوته إنكارًا تامًا، وتسعى إلى التوصل إلى حل معتدل.

تكتب: "أملي، إذًا، أن يساعد هذا الكتاب في التغلب على بعض التعصب ضد نهجي العقل والجسم، ورفع مستوى الوعي بأن التركيز على دور العقل وتأثيره في الصحة هو في الواقع نهج علمي قائم على إثباتات".

وتولي مارشنت الدعم النفسي و"الاهتمام" أهمية كبرى، وتعتبر أنّهما يعفيان الإنسان من ضرورة اللجوء إلى التدخلات الجراحية. فتصف مثلًا منافع اللهو والتسلية في التعامل مع الألم، ومفعول الصدمة المحتمل على جهاز المناعة، وتعتبر الإيمان مصدر شفاء.

تضيف: "ربما، يومًا ما، يقودنا هذا الإدراك نحو نظام طبي يجمع بين أفضل ما في العالمين: نظام يستخدم الأدوية والتقنيات المنقذة للحياة عند الحاجة، ويدعم في الوقت نفسه فكرة أن نحدّ من خطر إصابتنا بالمرض، وأن نسيطر على أعراضنا المرضيّة، ويتيح لنا الموت بكرامة إذا كان العلاج متعذرًا".