الرباط: من موقعه كخبير اقتصادي، ووزير سابق للمالية في المغرب، استطاع فتح الله ولعلو، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن يرصد مسار تطور الصين، "من وضعية بلد نام إلى قوة اقتصادية عالمية"، وجمع تلك الرؤى في كتاب صدر حديثا بعنوان" نحن والصين..الجواب على التجاوز الثاني"،جرى تقديمه اخيرا في المكتبة الوطنية بالرباط.

فتح الله ولعلو

افتتح المؤلف كتابه بالحديث الشريف "اطلبوا العلم ولو في الصين"،قبل أن يستعين بحكم كونفوشيوس وكلماته في بداية كل فصل من فصوله الأحد عشر، متوقفا عند الأسس التي انبنى عليها، في نظره، تطور الصين، واصفا إياه ب "أهم حدث اقتصادي في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين".

وأمام كثرة تردده على الصين، في إطار العمل والبحث،قال عنه أحد المتدخلين، في ندوة نظمت لهذا الشأن، هو نور الدين العوفي، إنه كان يقتفي خطى الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة،لمعرفة الأسباب الكامنة وراء الإنجاز الذي حققه هذا البلد.

وأضاف العوفي،وهو يستعرض فصول هذا الكتاب، أن هذا الإصدار، المصنف الأول من نوعه في المغرب، من حيث شكله ومضمونه، جاء ثمرة لهذه الرحلات المكوكية.

ولاحظ الخبير الاقتصادي العربي الجعيدي، أن المؤلف تطرق إلى جميع الجوانب المتعلقة بالصين، في الماضي والحاضر، قبل أن يستشرف أفاق المستقبل، كقوة اقتصادية لها وزنها على الصعيد الدولي.

ومن وراء جهاز الحاسوب، قدم فؤاد الزعيم المستشار السابق في ديوان رئيس حكومة التناوب التوافقي ( 1998) عبر الرحمن اليوسفي، قراءته الخاصة للكتاب،عبر العديد من اللقطات، مستندا إلى بعض المعطيات والمؤشرات عن امتدادات الصين وتوسعاتها الاقتصادية عبر مختلف أنحاء العالم.

في حديثه، أمام جمهور المكتبة الوطنية، بحضور سفير الصين لدى الرباط، كشف ولعلو عن تتبعه للصين،منذ سنوات،وبالضبط منذ أن كان مسؤولا عن اتحاد طلبة المغرب بفرنسا، قبل أن تتكرر زياراته لها كنائب برلماني سابق، وكوزير سابق أيضا، ما جعله أكثر إطلاعا على ما جرى داخلها، عن كثب.

وقال ولعلو: "إن علاقتي بالصين قديمة، ارتبطت بالعمل النضالي والسياسي. الكثيرون يكتبون عن الصين، وأنا كتبت عنها من منطلق حبي لوطني"، داعيا إلى استيعاب واستخلاص الدروس الضرورية من هذه التجربة،وخاصة بالنسبة للمغرب، والمغارب (يقصد بلدان المغرب العربي)، وافريقيا والفضاء الجنوب متوسطي والعالم العربي.

واعتبر أن ما يسميه ب"الحدث"، في تلميح إلى الإنجاز الصيني،يحمل معه تجاوزا تاريخيا ثانيا، لا يصدر هذه المرة عن الغرب، كما حدث في القرن الثامن عشر، بل من الصين"البعيدة منا جغرافيا، والحاضرة بقوة في حياتنا اليومية".

وأوضح أن كتابه يتطرق بتفصيل إلى هذا"الحدث"، الذي استطاعت الصين من خلاله، أن تتحول في ظرف 35 سنة من بلد نام إلى قوة اقتصادية يحسب لها حسابها، وقد تصبح في العشرين سنة المقبلة القوة الاقتصادية الأولى في العالم، على حد قوله.

ولم يفت ولعلو أن يشير أيضا إلى أن للصين أيضا مشاكلها الديمغرافية، وضمنها شيخوخة المجتمع، إضافة إلى التلوث، قبل أن يستدرك قائلا، إنها أول بلد في العالم في مجال الإنتاج، اختار الاقتصاد كعنصر للتباري، الذي يعتمد على العمل والجهد والابتكار،وليس على الريع.

وسجل أن العالم يسير في طريقه إلى التغيير، ملاحظا في نفس الوقت، أن الصين تدعو إلى "عالمية جديدة"، يجري تدبيرها من طرف مختلف الثقافات القوية، وكل ثقافة يجب أن تقبل الثقافة الأخرى، وتتفاعل معها، وتتأثر بها، على حد تعبيره، مشيرا بالخصوص إلى الثقافة الغربية والأسيوية والعربية والإسلامية.

وتوقف ولعلو عند العديد من القواسم المشتركة بين المغرب والصين، ومن بينها التشبث بالوحدة الترابية،والانفتاح على العالم، والاستثمار في القارة السمراء،داعيا إلى ترسيخ التعاون والشراكة مع هذا البلد الأسيوي العملاق،في العديد من المجالات.

وفي هذا السياق، نوه ولعلو بما انطوت عليه الزيارة الملكية إلى بكين في شهر مايو 2016،من أهمية بالغة في إطار ترسيخ التعاون، والتي توجت بالتوقيع على "الشراكة الاستراتيجية" من طرف رئيسي الدولتين، وتهم أربع مجالات، وهي الحوار السياسي، والشراكة الاقتصادية، والتعاون الأمني، والعلاقات البشرية.

بقي أن نشير إلى أن ولعلو يجر وراءه خبرة سياسية وحزبية وحكومية،فهو وزير سابق لوزارة الاقتصاد والمالية،وعمدة سابق للعاصمة السياسية للمملكة المغربية، ورئيس سابق للفريق الاشتراكي في البرلمان المغربي، ورئيس سابق أيضا للاتحاد الوطني لطلبة المغرب.

وهو أيضا، وكما جاء في الغلاف الأخير للكتاب، أستاذ جامعي،ورئيس سابق لاتحاد الاقتصاديين العرب، ومؤلف لعدة كتب وأبحاث في مجالات النظرية الاقتصادية والسياسة المالية والعلاقات الاقتصادية الدولية، والفضاء الأورومتوسطي، وحاليا باحث مشارك في مركز الدراسات والأبحاث.