لعلّ فرنسا تجد في الإحتفاء بمن صنعوا أمجادها الثقافية والفنية والفكرية ما ينسيها متاعبها الحالية، وفضائح نخبها السياسية، وبؤس الحملة الراهنة للإنتخابات الرئاسية القادمة. وفي مطلع الربيع الحالي، ينتظم ب "Le Grand Palais “معرض ضخم لأعمال النحات العبقري رودان(1840-1917) ، وذلك بمناسبة مرور 100 سنة على رحيله. وإلى جانب منحوتاته الشهيرة مثل"المفكر"، وفيكتور هوغو، وكليمنسو، والمسيح في الجحيم، وبالزاك، والروب دي شامبر التي كان يحبّ أن يرتديها أثناء الكتابة، وغيرها من الروائع الفنية، يضمّ العرض المذكور قطعا فنية جديدة مجهولة من قبل الجمهور العريض. من بين هذه القطع يمكن أإن نذكر:”صدر اوغلي"ن، و"الأرض ورأس الشهيدة". كما سيضم المعرض ابتداء من شهر ماي قطعة نادرة من المرمر كان رودان قد انجرها قبل 130 عاما. وعلى مدى سنوات طويلة، راجت إشاعات تقول بإن هذه القطعة إختفت، إلا أنها ظهرت من جديد. وبعد عرضها في "Le Grand Palais”، ستطوف هذه القطعة التي تجسد الجانب الحسي عند رودان في عدد من العواصم الأوروبية.

إلى جانب المعرض، سيتمّ عرض فيلم جديد عن حياة ومسيرة هذا الفنان العظيم الذي أعاد للنحت العظمة التي تميز بها في العهود الإغريقية والرومانية. كما تميز بها في عصر النهضة خصوا مع الفنان الإيطالي ميكائيل أنجلو. وقد أنجز هذا الفيلم المخرج جاك دوالاون. وكما في فيلم"كاميّ كلوديل"، الذي أخرجه برونو نايتن عام 1988، يروي الفيلم الجديد قصة الحب الجنونية بين رودان وكامي كلوديل، شقيقة الشاعر الكبير بول كلوديل، والتي إنتهت بسقوطها في ظلمة الجنون لتمضي الشطر الأكبر من حياتها في إحدى المصحات العقلية. كما يتطرق الفيلم المذكور إلى قصص الحب الأخرى التي عاشها الفنان الكبير مع نساء اخريات. إلاّ أن جميع هذه القصص المحمومة لم تمنعه من ان يظلّ متعلقا حتى النهاية بروز التي كانت خادمته في البداية، ثم أصبحت زوجته.
زقد جربّ رودان جميع أشكال النحت. فلم يترك واحدا منها إلاّ وعمل على تجسيده على أروع وأبدع صورة لإثبات عبقريته.لذا سوف يتأثر به في ما بعد كبار النحاتين لا في فرنسا وحددها، وإنما في جميع أنحاء العالم. كما سيتأثر به مصورون فوتوغرافيّون مثل الأمريكي مان راي، ورسامون مثل بيكاسو، وجورج براك. أما الشاعر الألماني راينار ماريا ريلكه فقد اعتبره رمزا للحاثة الأوروبية في مجال الفن. وربما لهذا السبب، إختار أن يكون سكرتيره الخاص لسنوات عدة. وفي البداية تأثر رودان الذي فشل في الدورات الثلاث للدخول إلى معهد الفنون الجميلة، بمعلميه الكبار من امثال داولو، وكاريي -بيلوز، إلاّ أنه سرعان ما ابتعد عنهم لينحت طريقا خاصا به وحده، ولا هدف له سوى أن يكون في مستوى العظام من أمثال ميكائيل أنجلو، واولئك الذين بنوا الكاتدرائيات الغوطية الشهيرة . وفي السنوات الأخيرة من حياته إنجذب رودان إلى الفنون الآسوية خصوصا بعد أن شاهد عرضا مسرحيا في باريس لفرقة من كمبوديا. لذلك إختار راقصة يابانية شابة لتكون موديلا للعديد من منحوتاته الصغيرة ورسومه بالأبيض والأسود. وكان شعار رودان الفني من البداية حتى النهاية:حرية، جمال ، نزاهة. لذا كان يستهويه أن يترك موديلاته من النساء الجميلات يتجولن في فضاء عمله وهنّ عاريات تماما. وكان يقول بإن كل شيء جميل بالنسبة للفنان، إذ أن نظرته تنفذ إلى كلّ كائن، و إلى كل شيء، لتكتشف خاصيته الأساسية المتمثلة في حقيقته الداخلية التي تتجلى من خلال الشكل.
توفي رودان في السابع عشر من شهر نوفمبر-تشرين الثاني 1917 تاركا 6000 قعطة من النحت، و7000 من الرسومات الفنية، والعديد من الأعمال الأخرى التي أهداها للحكومة الفرنسية لتخصص له متحفا خاصا به وحده في "مودون" بضواحي باريس...