«إيلاف» من أصيلة: انطلقت مساء الأثنين 17 تموز 2017 أهم ندوات موسم أصيلة التاسع والثلاثين الخاصة بالمسلمين في الغرب - الواقع والمأمول، يتجاذب خلالها وزراء وباحثون ومفكرون من المغرب وأميركا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا والارجنتين ولبنان والعراق وتونس، أطراف النقاش حول واقع المسلمين في الغرب وطرح أفضل الحلول لمشاكل رفضهم من قبل عدد غير قليل من قبل سكان البلدان الاوربية التي يقيمون فيها ومدى علاقاتهم وعلاقات دولهم منها بالتطرف والارهاب.

احتضن هذه الندوة، المتواصلة يومين بجلسات صباحية ونهارية، مركز الحسن الثاني في المدينة القديمة بأصيلة بكلمة ترحيبية لأمين عام مؤسسة منتدى أصيلة الوزير السابق محمد عيسى أكد فيها على أهمية وراهنية وظرفية موضوع الندوة. ورأى أنه شاسع وكبير وبنفس الوقت مختزل في صياغى خمس كلمات دالة: أربع منها بصيغة المفرد. وقال أن المؤسسة حرصت على يشارك في هذه التظاهرة أبرز الحساسيات والتوجهات الفكرية المنشغلة قولا وعملا بأوضاع المسلمين في الغرب: مشاكلهم وما يترتب عن ذلك من صعوبات اندماجهم أو عزلتهم وبقائهم على الهامش، بمبرر الدفاع الغريزي عن النفس والخوف من الانصهار من خلال تشبثهم بمنظومة قيم يعتبرونها أصيلة، بمعنى أن مقامهم في الغرب لم يحدث فيهم التغيير المأمول، فظلوا موزعين بل ممزقين بين انتمائين وعاجزين عن ايجاد موقع مستقر لهم فيهما، أي أوطانهم الأصلية ومواطن الهجرة.

وأكد بن عيسى على أن هذه الندوة هي بمثابة إعلان وتدشين لورش فكرية ضاخبة بالمعنى الفكري للكلمة، بما ستبلوره من وجهات نظر ومقاربات واجتهادات متباينة في الادوات ومناهج البحث والاستقصاء، لكنها تتجه جميعها نحو هدف واحد هو انارة الطريق للمسلمين في الغرب لتحقيق ما يأملونه من وضع مستقر وهادئ.

وتطرق في الختام الى الاوضاع الحالية للمسلمين في الشرق والغرب جراء آفة الارهاب وخاصة في الدول التي ؤوي أعداداً مرتفعة من المهاجرين واللاجئين العرب والاجانب. واعتبر هذه الندوة تحذير لمن يهمهم الأمر: ساسة ومفكرين وناشطين حقوقيين ومجتمعاً مدنياً.

أدار الندوة بحرفية عالية تنم عن إحاطة معرفية بموضوعات النقاش السيد أحمد العبادي الامين العام للرابطة المحمدية للعلماء في الرباط، فقد بلور سؤالا جوهرياً لضيوف الندوة القادمين من مناطق شتى حول العالم، ضم السؤال ثلاثة محاور مترابطة هي تحليل وضع المسلمين في الغرب ومايواجهونه في دولهم الجديدة ومن ثم وضع الحلول والمقترحات لهذه الأوضاع.

 ضيوف الندوة قدموا من جهات مختلف من العالم: قادر عبد الرحيم الاستاذ المحاضر والباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس، وجوسلين بوخاريس استاذة الدين والسياسة بجامعة ما سي دانييل وباحثة في برنامج الشرق الأوسط بواشنطن ومديرة برنامج "الاسلام في الغرب" في جامعة هارفارد، ورضوان السيد استاذ الدراسات الاسلامية في جامعة بيروت، و سيليفيا منتينيغرو من المجلس الوطني للبحوث العلمية والتقنية وكلية العلوم الانسانية في الجماعة الوطنية دي روزاريو ببيونس آيرس، وعطا الله مهاجراني وزير الثقافة والارشاد السابق في إيران، وأوليفر ماك تيرنان مؤسس ومدير فورورد ثنكنك ومتخصص في حل النزاعات والعلاقات بين الاديان، وجوردن مورغن المتخصص في الجيوستراتيجية السياسية للشرق الاوسط.

جانب من الحضور في مهرجان أصيلة


المشكلة فينا

الباحث اللباني رضوان السيد كان واضحاً ومباشراً في تحديد المشكلة التي قال إنها تكمن في العرب والمسلمين أنفسهم وليس في الغرب الذي يصيح المسلمون المقيميون فيه أنه ضاق بهم. فنحن كعرب لم نطق بعضنا، لم نطق اللاجئين الفلسطينيين ولم نطق ولم نحتضن اللاجئين السوريين وضقنا ذرعاً بهم، فما بال الغرب المختلف دينا وتقاليد وثقافة عنا؟ فكيف نقنع الاوربي، الذي ظل ينظر منذ خمسين سنة لللاقليات المسلمة المقيم على أراضيه بعين الخوف، أن يقبل بالهجرات المليونية المنفدعة نحوه اليوم؟

و رأى السيد أن كل ما يجري هو فشل في مجتمعاتنا الثقافية والسياسية، ورفض ما يقال عن تهميش للمسلمين في الغرب، ودعا الى أن نفكر بمزيد من المشتركات بيننا كأثنيات ونقبل بعضنا أولا ثم نطلب من الاخر أن يقبلنا بين ظهرانيه.

كل ما يجري هو فشل في مجتمعاتنا الثقافية والسياسية

 

بين المسلمين والبوذيين

الباحثة جوسلين سيزاري واشنطن قالت أنها ان بحثت دور الدين في الحياة العامة للمسلمين وبحث أحوال المسلمين في أوربا الذين يشكلون في فرنسا 7% من عدد السكان وفي ألمانيا 5% وفي روسيا وحدها يوجد 14 مليون مسلم وتضم موسكو أكبر جالية من المدن التي يقيم فيها مسلمون.

واكدت أن المسملين في الدول الأوربية ينظرون الى أنفسهم كجسم أجنبي. وكأنهم لا علاقة لهم بمكان الاقامة، ولاحظت أن المسلمين في أوربا يحسون أنهم مستبعدون على العكس من البوذيين، مثلاً، الذين يشعرون
أنهم أقرب للغرب الذي يؤيهم واندفعوا يمارسون حياتهم دون أي شعور بالرفض.

وتساءلت إن كان هناك سبب سياسي لهذا الاحساس لدى المسلمين، وعن الموقف الصارم من المسملين في اوربا.

وقارنت بين مسملي أوربا ومسلمي أميركا التي تعتبر ضمن العالم الغربي أيضاً فلم تجد ذات الشعور بالظلمة بين مسلمي أميركا الذين تغير وضعهم بشكل كبير بعد هجماتا الحادي عشر من سبتمبر. 

لفتت الى أن الاوربيين حين يتحدثون عن المسلمين لديهم يتحدثون عن الهجرة على العكس من ألاميركان الذي يشكل عماد المهاجرين فيها كأغلبية من دول أميركا اللاتينية. 

ولا حظت خلال جولاتها البحثية في اوربا أن أهتمام السكان يتركز حول الهجرة وليس المسملين كدين، ويتحدثون أيضاً عن اندماج المهاجرين في المجتمع. وأسارت ألى ان القضية المهمة هي الجانب الاقتصادي فمعظم المهاجرين المسلمين في اوربا هم من الفقراء الشباب أما في أميركا فهم من الطبقى الوسطى عمراً وتعليماُ وخبرات. وختمت بأن الاوربيين عىل وعي تام بهذ القضية الاقتصادية التي تؤرقهم خلال الحديث عن الهجرة وعن المسملين لديهم. وأكدت على الاندماج وبرامجه في أوربا ظل رمزياً ولم يغص في الذهنية والمخطاب المجتمعي الاوربي.

بات سؤال الطائفة هو الأبرز بدلا من سؤال الهوية الاسلامية


مسلمو أميركا اللاتينية

أما سلفيا منتنيغرو من الارجنتين فقد بينت أن يطرح حول المسلمين في أوروبا غير موجود في الارجنتين والبرازيل اللذين تضمان أكبر أعداد من المجمعيات الاسلامية وجالية مسلمة كبيرة أغلب أفرادها من سورية ولبنان بما يقارب الملون ف كل بلد وفق احصاءات غير رسمية. وقالت أن مشاكل مسلمي أميركا اللاتينية مختلفة عن مشاكل مسملي الغرب، فهم في أميركا اللاتينية منشغلون بالتركيبة العرقية والهوية والمكان القادمين منه وليس الطائفة. فقد تناوب على رئاسة أكبر جمعية اسلامية في الارجنتين منذ عام 1902 حتى 1950 مسلمون سنة وشيعية وعلويون من سورية أو لبنان. لكن الوضع تغير الآن اذ بات سؤال الطائفة هو الأبرز بدلا من سؤال الهوية الاسلامية. وأشارت الى أن علاقتهم مسلمي الارجنتين والبرازيل بمواطني هذه الدول لم يكن الدين جوهرها وقد تقلد مسلمون مناصب عليا في الارجنتين ودول اخرى في أميركا اللاتينية مثل السوري كارلوس منعم الذي يعكس اندماج الجاليات المسلمة في هذه الدول التي تختلف عن أوربا.

المسألة الدينية هي اجتماعية في جوهرها


المشكلة اجتماعية

الباحث عبد القادر الرحيم من باريس رأى أن المسألة الدينية هي اجتماعية في جوهرها، وعادة ما ترجع الذاكرة الى الحقبة الاستعمارية التي تجعل من فرنسا امبراطورية، ودعا الى التخلص من هذه العودة للماضي التي لم يعد لها من معنى.

وكشف أن الاتفاق على اقرار العلمانية في فرنسا شهد حضور أعيان من الجزائر طلبوا بتطبيق ها القانون في الجزائر أيضاً، مبررين طلبهم بالسياسي وليس وبالتبعية
التي تقود للسقوط في فخ الكونية الفرنسية خاصة في الجزائر التي كانت امتداد للامبراطورية الفرنسية.

وقال أن هناك تساؤل مطروح اليوم بين مسلمي فرنسا أنهم لا يشعورن بأنهم فرنسيون حقيقيون. وهذا الأمر يعيده لسببه الاجتماعي الذي عبر عن خشيته من أن يتواصل دون العثور عن إجابة قريبة

لاسلام هو الحل


بين إسلامين
الوزير السابق مهاجراني انطلق من مقولة أن "لاسلام هو الحل" متساءلاً عن أي أسلام يقصدون هل هو إسلام أبو بكر البغدادي أم إسلام أبي منصور الماتريدي صاحب المدرسة الماتدريدية؟ وقال: حبن نركز على الفقه سنصل الى اسلام أبي بكر البغدادي ومقولة الاسلام هو المشكلة وحين نركز على الانسان نصل الى اسلام أبي منصور الماتريدي.

واستشهد ببيت للمتنبي: 

(فغرّب حتى ليس للغرب مغرب وشرّق حتى ليس للشرق مشرق). وبين أن المسملين في الغرب، وهو منهم حيث يقيم في بريطانيا، يواجهون هذه النظرة تجاه الاسلام منذ ثمانين سنة مستشهدا بكتاب صادر وقتئذ يتحدث عن ذات مشكلة اليوم المتثملة في ريبة الغربي من المسلم المقيم على أراضيه.

ودعا الى أنسنة الاسلام كما طلب ذلك المفكر محمد اراغون. واستحضر آية من الانجيل تقول إن الله خلق السبت لأجل الانسان ولم يخلق الانسان من أجل السبت. فعلينا أن نركز على الفرد كعنصر أهم. ونبّه الى أن مشكلة داعش في تركيزها على الأحاديث النبوية وليس على القرآن. ودعا مهاجراني الذي شغل منصب وزاة الثقفاة والارشاد في أفضل فترات الحكم الايرانية انفتاحاً على الاخر حين كان الزعيم الاصلاحي الايراني محمد خاتمي رئيساً للبلاد قبل أن يودع أقرب قادة هذا التيار الاقامة الجبرية كمهدي كروبي ومير حسين موسوي، دعا مهاجراني الى اتباع القرآن المكي وليس المدني. ويعني بذلك غياب تشريعات الجهاد والحث على القتال عن الفترة المكية للنبي محمد أتباعه وعدم التركيو على سور وايات الفترة المدينية التي كانت اضطرارا ويجب أخذها بسياقها الزمني كما يرى عدد من المنظرين الاسلاميين. وكرر مهاجراني الدعوة الى الاخذ باسلام أبي منصور الماتريدي.

يشكل المسلمون في بريطانيا 4% من عدد السكان


مثال مجرى النهر
الختام كان مع جوردن مورغان من بريطانيا الذي دعا الى التركيز على الطرق المثلى للخروج من المأزق.

وقدم إحصائية عن أعداد المسلمين في بريطانيا حيث يشكلون 4% من عدد السكان وبعد عشرين سنة ستصل النسبة الى 6% وبعد أربعين سنة تصل الى 8%.

وقال إنه يجب النظر للامور بأبعادها الحقيقية حيث تجاهل الخطاب الشعبوي بيئات المسلمين. وضرب مثلا من بريطانيا التي يشكل القادمون من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نسبة 30% من أعداد المسملين فيها. وقال أن النظرة البريطانية للاسلام تشبه النظر لمجرى النهر الذي حين يمر ببعض المناطق يكون عذباً صافياً وفي مناطق أخرى عكراً مليئ بالقاذورات. لذا يجب مراعاة النظر للبيئة القادم منها كل مسلم وليس النظرة الشمولية التي لا تقارب الحقيقة كثيراً.

وأشار الى وجود عدد من المسلمين في البرلمان البريطاني وأن عدمدة العاصمة لندن هو مسلم. 

ولفت الى تخوف المسلم من الانصهار في المجتمع الغربي، وشبهه بالجالية الايرلندية التي ظلت تخشى الانصهار في المجتمع البريطاني فترة طويلة جداً. ودعا الدول الاوربية الى الاستفادة من خبرات المسملين المقيمن على أراضيها وعدم التركيز في الحديث حول خطر الاسلام في اوربا وطرق درئه.

وشهدت الندوة مداخلات من المجهور الحاضرين التي كانت تقارب ما ورد في مشاركات المحاضرين أو تشير الى مسائل تستدعي التركيز عليها في الحديث عن المسملين في اروبا.

يذكر أن موسم أصيلة التاسع الثلاثين انطلقت فعالياته في السابع من شهر تموز الجاري وتستمر حتى السابع والعشرين منه وتتضمن ندوات وحفلات تكريم مفكرين وأدباء وورش تشكيلية إضافة حفلات موسيقية وغنائية. من داخل وخارج المغرب.