أثمرت صفقة الشيطان بين ستيف بانون ودونالد ترمب رئاسة أميركية متوترة، غارقة في تفصيلات شيطانية. في هذا الكتاب، يسأل جوشوا غرين: أيهما الشيطان؟.

إيلاف: في 17 أغسطس 2016، ظنت غالبية المراقبين أن دونالد ترمب مهزوم لا محالة في الانتخابات الرئاسية. ففي ذلك اليوم، طلب من ستيف بانون، رئيس موقع "برايتبارت" الإخباري اليميني وقطب "اليمين البديل"، تولي إدارة حملته المتعثرة.

الشيطان يكمن في تفاصيل السياسة

جاء تعيين بانون تحديًا لقانون حديدي في السياسة الأميركية يقول إن على المرشح الرئاسي أن يكسب الوسط بعد كسبه قواعده التقليدية في الانتخابات التمهيدية. لكن ترمب قلب هذا المنطق حين أناط إدارة المرحلة الأخيرة من حملته بأكبر تحريضي يميني في مضمار السياسة الأميركية. وكان رأي الجميع تقريبًا أن ترمب أحرق نفسه بخطوته هذه، لكن هذا الرأي هو الذي احترق في نهاية المطاف.

صفقة الشيطان
هل فاز ترمب على الرغم من وجود بانون في معسكره أم بسبب وجوده؟. الصحافي جوشوا غرين، الذي تابع ترمب وبانون، سنوات عدة، يقدم إجابة قاطعة عن هذا السؤال، حين يكتب "إن ترمب ما كان ليفوز بالرئاسة لولا بانون". 

وبحسب غرين، الذي يعمل في مجلة "بلومبرغ بيزنس ويك"، فإن "قدرة الاثنين معًا ودائرة اتصالاتهم منحتهما قوة ونفوذًا أكبر كثيرًا مما كان أي منهما سيحققه بمفرده". 

يسمّي غرين تحالف ترمب وبانون "صفقة الشيطان"، وهذا عنوان كتابه: "صفقة الشيطان: ستيف بانون ودونالد ترمب وعاصفة الرئاسة" Devil’s Bargain: Steve Bannon, Donald Trump and the Storming of the Presidency (288 صفحة، منشورات بنغوين).

يلاحظ إدوادر لوس، كبير معلقي "فايننشيال تايمز" حول الشؤون الأميركية، أن من سمات كتاب غرين أن القارئ لا يعرف في النهاية أيهما الشيطان. لكن غرين واثق من أن ترمب استعار شعار "أميركا أولًا" من بانون. 

ويُذكَر أن ترمب، وبعد هزيمة ميت رومني في انتخابات 2012، هاجم المرشح الجمهوري، لأن موقفه كان شديد القسوة على المهاجرين. لكن ترمب، بعد عامين أتخم نفسه خلالهما بما كان يتابعه على موقع "برايتبارت"، أخذ يعزف نغمة مختلفة. ويبيّن تحليل تغريدات ترمب على توتير أن موقع "برايتبارت" كان مصدره المفضل.

على النقيض من ترمب، فإن بانون لم يغيّر آراءه ومواقفه، وإذا كانت لدى ترمب فلسفة ما، فإنه أخذها من بانون بوصفها نظرة متكاملة ومتماسكة داخليًا إلى العالم، بحسب وصف غرين في كتابه. ويُسجَّل لهذا الكتاب أنه يترك بانون يروي القصة بنفسه من خلال مقابلات مطولة.

بدأ ديمقراطيًا
نشأ بانون في عائلة عمّالية في مدينة ريتشموند في ولاية فرجينا. وبدأ حياته ديمقراطيًا، وكان الرئيس جون كينيدي النجم الذي تهتدي به عائلته الأميركية ذات الأصل الإيرلندي.

بدأ بانون حياته المهنية في البحرية، وحدثت صحوته السياسية في عام 1979 عندما فشلت عملية إنقاذ الرهائن الأميركيين في إيران التي أمر الرئيس جيمي كارتر بتنفيذها.

يتذكر بانون أنه كان بحّارًا حين رأى شواطئ إيران القاحلة، وفكر "أنها أشبه بالقرن الخامس، بدائية تمامًا". وكان ضعف كارتر المفترض هو السبب في تحوّل بانون. وابتداءً من ذلك اليوم، كان بانون رجلًا مهجوسًا، سار في الطريق المعهود إلى النجاح.

ترك البحرية للدراسة في كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفرد، وبعد تخرجه إلتحق بقسم عمليات الدمج والاستملاك في بنك غولدمان ساكس. لكن بانون لم يحقق ضربته المالية الكبرى إلا في أوائل تسعينيات القرن الماضي، بعدما أنشأ بنكًا استثماريًا في لوس أنجليس.

في إطار صفقة لبيع شركة كاسل روك أنترتينمنت للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، وافق بانون على امتلاك حصة من نتاجاتها التلفزيونية، بينها حقوق المسلسل الكوميدي المغمور وقتذاك "ساينفيلد". 

لكن المسلسل أصاب نجاحًا ساحقًا، وأتاحت إيراداته أن ينصرف بانون إلى قضيته الحقيقية: الدفاع عن الحضارة الغربية ضد الذين يحاولون تدميرها. وخلال الفترة التي أمضاها بحّارًا، شرع في "دراسة أديان العالم دراسة منهجية"، على حد وصفه. ثم أقبل على قراءة أعمال مجموعة من المفكرين الأوروبيين، بينهم الكاتب الفرنسي رينيه غينون، الذي ما زال بيانون يقتبس من كتابه "أزمة العالم الحديث" الصادر في عام 1927.

كان غينون يعتقد أن انحطاط الغرب الروحي بدأ في عام 1312، مع تدمير جماعة "فرسان الهيكل" الكاثوليكية. كما كان بانون شديد التأثر بالكاتب الإيطالي جوليوس أيفولا، الذي تأثر موسوليني بعمله "الثورة على العالم الحديث"، الصادر في عام 1934.

له يدٌ في ذلك
لم يكن وحده الذي تأثر بالكتاب، بل ترجمه إلى الروسية ألكسندر دوغين كبير المنظرين الإيديولوجيين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. والفكرة التي تشترك بها هذه الأعمال هي أن نذرًا دينونية تهدد مصير الغرب. 

كما تأثر بانون بالفكرة الهندوسية القائلة إننا نعيش في عصر كالي يوغا، وهي فترة مظلمة أمدها 6000 سنة يُنسى فيها التقليد. وما أخذه بانون من المفكرين الأوروبيين تشاؤم ثقافي لا يتزعزع.

على من يبحثون عن آثار بانون أن يعودوا إلى خطاب ترمب خلال مراسم تنصيبه في يناير من هذا العام، أو خطابه عن "صدام الحضارات" في وارسو. يقول لوس: "كلما بدا ترمب سوداويًا، كونوا على ثقة بأن لبانون يدًا في ذلك".

بعدما حقق بانون ثروته، أنتج سلسلة من الأفلام الوثاقية: "في مواجهة الشر" و"النار من العمق" و"الجيل صفر". حاول بانون تحقيق ربح من لعبة وورلد أوف ووركرافت، وهي من ألعاب تقمص الأدوار متعددة اللاعبين على الانترنت، لكن محاولته باءت بالفشل. 

إلا أن تسويق بانون نفسه بين ملايين الشباب الذين يخصصون أيامًا كل مرة لعالمه "الفنتازي" على الانترنت، كان أسلوبًا متميزيًا. بلغ عدد من يدخلون على مواقع اللعبة 1.5 مليار شخص في الشهر. وكان ذلك بمثابة منجم ناخبين ينتظر من يستثمره. من هنا انبثق اهتمام بانون بموقع "ريديت" وغيره من غرف الدردشة المتشائمة بالمستقبل.

ترجمة: عبد الاله مجيد