يرى كاتب سياسي أن الحرب بين الصين والولايات المتحدة قد تكون حتمية لكون الأولى قد بدأت بسحب البساط من تحت أقدام الأخيرة في مجالات عدة، لذا ينصح المحررين بأن يركزوا أخبارهم على الصين لا روسيا كما هو الآن.

إيلاف: تحتل روسيا حاليًا مركز الصدارة في عناوين الأخبار وتسلط عليها الأضواء بشكل مركز، غير أن الخبير السياسي غراهام أليسون يعتقد أن الاهتمام يجب أن ينصب على الصين، وليس روسيا، لأنها تمثل قوة صاعدة تكاد تسحب البساط من تحت قدمي الولايات المتحدة أو إنها سحبته بالفعل في جوانب معينة.

بكين وواشنطن... الحرب تلوح في الأفق

فعلى مدى العقد الماضي، بسطت الصين نفوذها خارج آسيا، وشرعت في استثمارات في حقول النفط الأفريقية، وزادت حجم تبادلاتها التجارية مع دول أميركا الوسطى والجنوبية، ومن شأن طموحاتها المتمثلة في مبادرة "حزام واحد طريق واحد" أن تؤدي إلى توسيع وجودها في بلدان يوراسيا.

جاءت الدعوة إلى الإنتباه إلى الصين بدلًا من روسيا في كتاب غراهام أليسون الجديد، الذي يحمل عنوان "متجهون نحو حرب: أميركا والصين وفخ ثوسيديديس"، (Destiny Averted: Mining the Past to Save the Future منشورات دار Houghton Mifflin Harcourt ومكون من 384 صفحة) وهو عبارة عن تحقيق ممتع بحروب تاريخية قامت بين دول صاعدة ودول متنفذة مع انعكاس لخلاصة هذه التجارب على وقتنا الحاضر.

الصدام حتمي
يرى نقاد أن هذا الكتاب يبث الرعب في النفوس، لأنه يشرح التغيرات الكبيرة التي تشهدها موازين القوى في العالم، مع تزايد قوة الصين، وهو ما قد يقود إلى حرب عالمية، بسبب صدام قد يكون حتميًا مع الولايات المتحدة الأميركية.

وقد كرّس الخبير أليسون، البروفسور في جامعة هارفارد والمسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية، كرّس زمنًا ليس بالقصير لدراسة ما يسميه "فخ ثوسيديديس" الذي يعرفه بأنه عبارة عن "توتر هيكلي شديد يتصاعد مع ظهور قوة متنامية وتهديدها قوة متنفذة".

يشرح أليسون أمثلة تاريخية عديدة، منها ما حدث عند بروز أثينا كقوة، وهو ما وجدت فيه أسبرطة تهديدًا لها، ما أدى إلى نشوب حرب ضروس بينهما. وقد سجل المؤرخ الإغريقي ثوسيديديس هذه الحرب، وحلل عواملها ودوافعها، وجعل منها نموذجًا لما يمكن أن يحدث عندما تبرز قوة لتنافس أخرى سبقتها في بسط سيطرتها، وكتب يقول: "صعود أثينا والمخاوف التي أثارتها لدى إسبرطة هو ما جعل الحرب أمرًا لا مناص منه".

لكن أليسون لم يكتف بهذا المثال فقط، بل تصفح كتب التاريخ وحروبه، وخرج بستة عشرة نموذجًا مشابهًا تواجهت فيها قوتان وتنافستا على النفوذ، وهو ما أدى إلى نشوب حروب في اثنتي عشرة حالة منها.  

ليس بجديد
موضوع الصين ليس جديدًا وليس حكرًا على أليسون وحده، إذ سبقه إلى إثارته هنري كيسنجر في كتابه "عن الصين، 2011" ثم هنري بولسن "التعامل مع الصين، 2015" وتوماس كرستنس "التحدي الصيني، 2015" وكورت كامبيل "المحور، 2016" إضافة إلى آخرين كثيرين. لكن ما يميز أليسون هو استخدامه "التاريخ التطبيقي" وإتقانه فن تحليل المتشابهات التاريخية من أجل استخلاص دروس يمكن الإستفادة منها في وقتنا الحاضر.

تصفح البروفسور أليسون تاريخ الدول والبشرية على مدى 2000 عام لينتهي إلى رواية قصص عن صعود قوى وتنافسها واصطدام إحداها بالأخرى، ثم عن ضمور قوى أخرى انتهى زمانها، ورسم صورة تجعل القارئ قادرًا على الربط بين مختلف الحقب التاريخية. 

تشمل النماذج حالات صراع حديثة إلى حد ما، ومنها التحدي الألماني لعالم تقوده بريطانيا على مدى العقود التي سبقت الحرب العالمية الأولى، مع عودة إلى صراعات أقدم، وقعت على مدى القرون الماضية، في مسعى إلى إثبات أن التنافس بين قوى حديثة البروز وأخرى متنفذة لا بد وأن ينتهي إلى صراع ثوسيديديسي تسفك فيه الدماء ويفقد الملايين فيه حياتهم.

سقوط مزدوج
لكن ليست كل أمثلة أليسون سيئة جدًا، ففي القرن التاسع عشر كادت المملكة المتحدة أن تخوض حربًا مع قوة متنامية النفوذ في ذلك الوقت، وهي الولايات المتحدة. لكن بريطانيا، وحسب رأي الكاتب، تمكنت من تغيير سلوكها، ونجحت في التعامل مع منافسها الأميركي بطريقة جعلت منهما حليفين أكثر من خصمين متنافسين.

لكن أليسون يلاحظ هنا بأن الولايات المتحدة، وقدر تعلق الأمر بمنافستها الصين، لا تبدو راغبة في تقبل "مصير بريطانيا". وهنا يحذر الكاتب من احتمال سقوط الدولتين في ما يسميه بـ "فخ ثوسيديديس"، وهو ما سينعكس سلبًا على العالم كله في الواقع.

قسم أليسون كتابه إلى أربعة فصول، شرح في أحدها تفاصيل تنامي قوة الصين على مدى السنوات الخمسين الأخيرة، ثم تاريخ الولايات المتحدة وتنامي قوتها وبسط نفوذها العالمي، فعرج على المفاهيم الأميركية والأفكار والعوامل الثقافية التي قد تجعل من قيام صراع مع الصين أمرًا شبه حتمي.

وفي معرض حديثه عن تطور الصين السريع والواسع على الصعيد الاقتصادي عرض إحصائيات تخلق اضطرابًا لدى الأميركيين الذين يعتقدون بأن بلدهم هو الأول في العالم.

يلاحظ الكاتب بأن الصين أصبحت أكبر منتج "للسفن والستيل والألمنيوم والأثاث والملابس والأقمشة والهواتف الخلوية والكومبيوترات"، وقد أنتجت واستخدمت في غضون عامين فقط مادة كونكريت أكثر مما أنتجته الولايات المتحدة واستخدمته "على مدى القرن العشرين كله". وتنوي الصين استثمار 1.4 ترليون دولار في بنى تحتية في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، وهو مشروع ضخم للغاية. أضف إلى ذلك أن نمو إجمالي الناتج القومي في الولايات المتحدة لا يتجاوز 2.1 بالمائة مقابل 6 أو 7 بالمائة في الصين.

مارشالات
يبيّن الكاتب بأن الولايات المتحدة نجحت في تحديد شكل الحياة الاقتصادية والسياسية في أوروبا من خلال خطة مارشال. ولكنه يلاحظ بأن مشروع الصين الاستثماري، "حزام واحد، طريق واحد" يساوي 12 خطة مارشال.

عرض الباحث أيضًا تفاصيل التوازن العسكري بين البلدين اعتمادًا على دراسة أجرتها مؤسسة راند، وهي تشير إلى أن أميركا لن تعود قادرة على فرض سيطرتها العسكرية في منطقة آسيا والباسيفيك، خاصة ضمن سلسلة الجزر التي تشمل اليابان وشبه الجزيرة الكورية وتايوان وأجزاء من الفلبين. ثم يتساءل الكاتب كما تساءل غيره عما يمنع الصين من فرض نفوذها والتحكم بمستقبل العالم بعد ما حققته وتحققه من مكاسب عسكرية واقتصادية غير مسبوقة.

ليست حتمية تمامًا
مع ذلك يرى الكاتب أن حربًا مع الصين قد لا تكون حتمية تمامًا، بل يمكن تجنبها، ولكنه يشترط تغيير المسار السياسي الحالي، وإلا قامت حرب أدت إلى تدمير الطرفين. ويحذر البروفسور من "المبالغة في إعطاء أهمية للذات ومن الشعور بالعظمة"، وهي عوامل سارعت في التمهيد لأجواء الحرب في حالات تاريخية سابقة مثل الحرب البيلوبونيسية والحرب العالمية الأولى.

وكانت الحرب البيلوبونيسية قد أنهت العصر الذهبي في اليونان، فيما قتلت الحرب العالمية الأولى شباب أوروبا، ودفنتهم في حقول الفلاندرز وفي فرنسا. 

وهنا ينبه الكاتب إلى أن الأطراف التي تخوض حروبًا إنما تفعل ذلك وفي ذهنها أنها تخوض حربًا ستضع حدًا لجميع الحروب. لكن ذلك مجرد وهم، لأن الحروب تتوالى، ولأن الصراعات لا تلبث أن تقوم هنا أو هناك. أما كيف تنشب حرب ضروس فيعتقد الباحث أن أسباب إطلاق أول رصاصة قد يكون مجرد حادث تصادم بسيط بين سفينتين في بحر جنوب الصين أو ربما انهيار كوريا الشمالية.

الخلاصة
الخلاصة التي توصل إليها الباحث هي أن "الدينامية الثوسيديديسية" بين الولايات المتحدة والصين قد تقود الطرفين بالفعل إلى حرب ضروس لن تبقي ولن تذر. فإذا كانت الحرب نووية يتبعها شتاء نووي طويل، وحتى إن لم تكن نووية، فستقضي في جميع الأحوال على أسلوب حياة الغرب الحالي، كما يحذر الكاتب. 

وكانت دراسة نشرت في عام 2016 قد توصلت إلى أن عامًا واحدًا من "حرب ضروس غير نووية" قد تقضي على 10 بالمائة من إجمالي الناتج القومي الأميركي، وعلى 35 بالمائة من إجمالي النائج القومي في الصين. ثم يلاحظ الكاتب أن الدولتين، تصران، رغم كل هذه المخاطر، على سياستيهما اللتين قد تجعلان من دخول حرب أمرًا حتميًا.

ويرى أليسون أن "بروز حضارة جديدة عمرها خمسة آلاف عام مع عدد سكان يقارب 1.4 مليار شخص" ليست مجرد مشكلة يجب بذل مساع حثيثة لحلها، بل هو واقع ووضع مزمن ودائم يجب التعامل معه. ثم يدعو الكاتب إلى البحث عن حلول خارجة عن المألوف وإبداعية لمواجهة هذا التحدي الكبير.

وبدلًا من التركيز على المستقبل، يهتم أليسون بالحاضر بشكل رئيس، ولكنه لا يتوصل إلى خلاصة كاملة بل يترك القارئ في حالة من عدم اليقين وكذلك في حالة خوف من عدم قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع هذا التحدي بالشكل الصحيح.

لا يقدم الكاتب حلولًا أيضًا، بل يدعو فقط إلى إعمال الفكر ومحاولة إيجاد حلول أفضل من مجرد خوض حرب لا تبقي ولا تذر، ولن تكون غير إضافة إلى لائحة الحروب التي شهدها الإنسان على مدى تاريخه.