&

&
& &جاءتني رسالة على الإيميل من روائية واستاذة جامعية ترشدني الى الانتباه عند اختيار كلمات تصف ما يحدث في سورية على أنه ثورة. "ماذا يعني وعلى الخصوص – توظيف الكاتب للفظ المعجمي ثورة؟ عندما يرفق هذا اللفظ ببلد شامخ عتيد – سوريا- أجد في العنوان غواية ظالمة" جاءت رسالتها ردا على منشور كانت دار نشر "أوما غيت" التي أشرف عليها قد أعلنت فيه عن صدور كتاب "مذكرات الثورة السورية- الثورة التي خذلها العالم" للكاتب طريف يوسف آغا. على ما يبدو كلمة ثورة المتضمنة في عنوان الكتاب اوقفتها فأرسلت لي ما أرسلته.&
سوف أتكلم بشكل مقتضب وسريع، ولن أتكلم في السياسة ولو أن الوجود بذاته اعتمد ويعتمد على السياسة وهي من جانب، السياسية، تعكس صورة الروح الإنسانية وكيف هو تكوينها وتركيبها.
مرت سورية بعد جلاء الفرنسيين عنها – مثلها مثل البلاد العربية الأخرى – بمرحلتين كانت أولاها محاولة اقتفاء أثر المواطن الفرنسي في بنائه للمدنية الفرنسية، واقتفاء أثره في الحكم والقضاء، وهذه المرحلة كانت مرحلة قصيرة، بضع سنوات، كان الحكم فيها مدنيا، عبر انتخابات ومجلس برلمان عكس صدى جميلا عن المدنية التي يتوق إليها الشعب؛ ثم جاءت المرحلة التالية والتي لم تنته بعد وهي حكم العسكر الذي حول سورية إلى ثكنة كبيرة هرجها الأوحد هو حزب البعث العربي الإشتراكي وقضية فلسطين.
كان يجب أن يكون التحرر من فرنسا قائما على أولوية أساسية وهي التحرر من التخلف والجهل... عدم الإكتفاء بتعلم القراءة والكتابة ونيل الشهادات. واعتماد دراسة واقعية لمعنى البناء والنضال وعدم طرح الشعارات جزافا.&
& كان الشباب السوري أيامها متلهفا للتعلم ومتلهفا للشعور بذاته، إلا أن التأمل في تلك الفترة يرينا أن الأمر لم يكن نابعا من الواقع بل كان ممسرحا بمعنى أن الممثلين فيه حاولوا نسخ الآخر وإعادة أدواره. كان تمثيلا مسرحيا غاب عن أعين الممثلين محاولة النسخ وغابت عنهم العلامات التي ربطتهم بالواقع. ما مر في البلد من تيارات كانت تعكس تيارات الغرب، هذه التيارات، والأدبية منها على وجه الخصوص، كانت محاولة من مثقفي البلد لأن يتماشوا مع الغرب، غاضين الطرف أو أنهم لم يكونوا يملكون الطاقة النفسية الكافية كي يكتشفوا الإنسان الموبوء القابع في أعماقهم. راحت الوجودية والماركسية تغزوان العقل المتلهف للتحرر وجاءت معهما أيضا نظريات القومية العربية والقادمة بالأصل من أوربا –المانيا، نقلها ساطع الحصري وانطوان سعادة دون دراسة واقعية ولا إدراك لطبيعة النفس العربية التي كانت تتردد عائدة الى السلف الصالح، إلى الماضي، حتى أن من يطلق عليهم بالمثقفين كانوا في مكانة لا تختلف كثيرا عن مكانة عامة الناس، ما يختلفون فيه عنهم أنهم يعرفون ما لا يعرفه العامة من دون أن تتحول هذه المعرفة الى سلوك حضاري ومدني نابع من الأعماق. إرداة تلك المرحلة تقفز فوق الزمن وتحرق البراري للوصول إلى ما وصل إليه الغرب لكن تلك المرحلة كانت أشبه بلعب الأطفال حينما يقلدون البالغين فيتوهمون بالسيادة والقدرة على القيادة.&
لهذا لم يقدم العالم العربي أدبا مميزا يرقى إلى مصاف الآداب العالمية، إن في الشعر أو في الرواية. إن أردنا أن نقرأ نجيب محفوظ فإننا سنعود أكثر من مئتي عام الى الوراء وكذلك محمود درويش ولن أذكر أدونيس لأن تراثه الشعري يطرح تساؤلات عديدة منها أنه تركيب من تراكيب المعرفة وتقليد ونسخ للمدارس الشعرية العالمية. ويصعب الكلام عن محمود درويش، ذلك لأن المادة الفنية التي قدمها تطورت ومرت بمراحل عديدة، إلا أنها لم تكن تطورا ذاتيا جاء من أعماق المخيلة او الروح، بل كان تطورا ثقافيا سأصفه بالسلبية وأضعه عليه، من باب أن الشعر الأصيل يدير ظهره للثقافة ويدير ظهره أيضا للمؤسسة الثورية التي كان يعول عليها. الشاعر الحقيقي بطبيعته حر، لا يد له مع الثقافة ولا يد له مع السلطة، كان محمود درويش شاعر بلاط وأميرا للقضية الفلسطينية ولم يكن شاعرا حقيقيا يكتبه التاريخ. الشيء الذي يبعث على الأسى والحزن هو روايات نجيب محفوظ –فيما عدا الحرافيش، كانت رواياته تخنق الخيال وتصادر صفات الحرية وامتداداتها، رواياته تطبيقية لا تنتمي الى الفن بل إلى مخابر التعلم والدرس.
أحد الروائيين العرب الكبار، في ثمانينيات القرن الماضي، ليس من الكبار بل من المكرسين الذي سرعان ما سينساه الزمن، قال مرة بفخر إن عمله الجديد يشبه الى حد كبير رواية العار لسلمان رشدي.&
حياتنا هي حياة مشبهة بحياة الآخر ومن يشبّه نفسه بالآخر فبالتأكيد سيكون أقل قيمة منه. إلى حد بعيد هذا هو عالمنا، مرآة لعالم آخر، هو الذي يفكر ونحن الذين نقلد، مرآة غير ناصعة فيها أمراض لم نستطع حتى اليوم معالجتها وأظن أشد الظن أننا لا نعلمها ولا نعرفها.&
ولن أطيل بطرح فكرتي عن الأدب العربي؛ يتسق الحديث عن الأدب مع الحديث عن السياسة وعن الفن ومع الحديث عن العلوم... لقد قدمت عدة مقالات في السابق عن هذا الشأن.&
& ما يؤلم أشد الألم هو ما جرى في سورية، كان النظام السوري منفصما عن الشعب، بل منفصما في نفسه، له وجهان أو عدة أوجه، هو شخصيات متعددة يحار المرء فيها، لم يوقظ ضميره ليوم واحد كي يسأله أو يستمع إليه. نظام ينخر فيه المرض وتملؤه الظلمة ولن أمر عابرا وأترك الشعب السوري فهو أيضا شبيه بنظامه الذي بالأصل لم يأت من عدم؛ الذين أقاموا المعارضة والذين لم يقيموا المعارضة وساندوا النظام السوري سواء – هذه الظلمة الجبل تكسر بهامتها حياتنا وهذا مافعله القدر، بأهلنا في سورية، والذي لم يفعل هذه الفعلة إلا لأنها طريقه السالك.
الفن الحقيقي هو من خلق الله وليس من خلق الإنسان ، خلقه الله كي يقف في وجه السلطة وفي وجه القوة – هو نبوة، هو المسيح &الذي يميل إلى كفة الشعب، كفة الفقراء المهزومين. يدافع عن الإنسان وليس عن الوطن وليس عن القضية، وهما، الوطن والقضية، كانتا اشاعة الحكومات الشمولية التي قزمت الانسان من أجل الدفاع &عن المبادئ. ترى الفنانين والأدباء الذين يناصرون النظام السوري هم ليسوا بفنانين بل موهوبون منحهم الله حنجرة غناء.&
لهذا سيدتي الاستاذة، كلمة ثورة هي الكلمة الصحيحة وهي ليست غواية ولا ظلمة، لو أنني مكانك لوقفت مع الإنسان في وجه النظام السوري، لا تنطلي علي لعبة سورية الأبية، العتيدة، وأن أعود الى حضن الأم الأولى غير المتعلمة، ابنة الطبيعة التي لا ترضى إلا بالعدل، هذا العدل الذي أصبح غريبا عنا ولا مكانا له بيننا. وبالنسبة للثورة السورية فسوف تستمر، ستبقى تناضل لبناء الإنسان الذي أهملناه، ضد الديكتاتورية، وستناضل ضد الجهل، ستناضل ضد نفسها، ستكون ثورة ضد الوطن وترابه، وضد القضية الفلسطينية البوق، ستكون ضد الرموز التي شكلها المجتمع، كل ذلك النضال هو في النهاية من أجلنا، من أجل إنسان المنطقة الذي إن تم بناءه بشكل سليم فإن المشكلات الأخرى التي توهمنا بالنضال من أجلها ستُحل بشكل سلس أتوماتيكي طبيعي.&
&