بقلم&فيء ناصر


سيعيد المتحف البريطاني ثمان قطع اثرية نادرة تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد إلى العراق كانت قد سرقت منه ابان الإجتياح الامريكي عام2003، بعد أن تم معرفة مصدرها وتحديده وقراءة رموزها من قبل خبراء المتحف البريطاني. وكانت الشرطة البريطانية قد صادرت هذه القطع الاثرية عام 2003 من تاجر آثار &توفي قريبا.
وقد احتفظت الحكومة البريطانية بهذه القطع الاثرية ما يقارب الخمسة عشر عاما، وقد حددت الأبحاث التي اُجريتْ عليها المعبد الذي كانت موجودة به هو معبد سومري في منطقة تل تليوه الحالي وكانت تسمى جيرسو بالعهد السومري وتقع على بعد 25 كلم شمال شرق مدينة لكش في محافظة ذي قار.&

تم بناء مدينة جيرسو خلال فترة العبيد قبل (5300-4800 ق م) وبدأت اولى السلالات فيها قبل حوالي (2900-2335 ق م)، خلال عصر الملك كوديا، وهو عصر سلالة لكش الثانية، وأصبحت جيرسو عاصمة مملكة لكش ومدينة ذات قوة سياسية واقتصادية خلال حكم سلالة لكش، وخلال عهد سلالة أور الثالثة أصبحت مدينة مهمة، وبعد سقوط سلالة اور تدنت اهمية مدينة جيرسو.

خلت القطع الثمانية الصغيرة من أيّ معلومات قد تفيد الشرطة البريطانية &للإستدلال على اصلها، لكن خبراء المتحف تمكنوا من قراءتها فعليا، واحدى هذه القطع، &قطعة خزفية مخروطية الشكل منقوشة بالكتابة المسمارية التي توضح أصلها الذي يعود الى مدينة جيرسو احدى أقدم المدن في التاريخ التي تم ذكرها في اقدم اشكال التدوين باللغة المسمارية القديمة.&
الكتابة المسمارية سمّتْ الملك السومري الذي امتلك هذه القطع قبل 5000 عام، والإله المكرسة له والمعبد الذي كان يحتويها. وكان الخبير ( سباستيان ري ) وهو احد خبراء المتحف يقود مجموعة من خبراء الآثار العراقيين في نفس الموقع الذي سرقت منه هذه القطع، واكتشف الثقوب في جدار من الطابوق الطيني للمعبد كان يحتوي هذه القطع، وأجزاء القطع الاثرية المكسورة والمتروكة والتي قرر سُراق الآثار تركها في الموقع بشكل عشوائي. &
ومن ضمن هذه القطع، ختم منحوت وتميمة صغيرة من المرمر على شكل ثور. وسيضم صندوق من المخمل الأحمر هذا الكنز السومري وسيقدم يوم الجمعة الموافق العاشر من شهر آب الجاري الى السفير العراقي في لندن الدكتور صالح حسين علي الذي صرح ان مهمة الحفاظ على الآثار هي مسؤولية دولية، وأشاد بدور المتحف البريطاني وخبرائه والجهود الاستثنائية في عملية التعرف على أصل هذه القطع وإعادتها الى العراق. وان التعاون المثمر بين العراق وبريطانيا مهم جدا للحفاظ على الآثار العراقية.&
وقال السيد (جون سمبسون) القيم على قسم الشرق الاوسط في المتحف البريطاني لصحيفة الغارديان: " لقد تم التعرف عل هذه القطع بشكل نادروفريد، ليس من أين أتت بل إلى درجة قياس حجم الثقوب في الجدران التي إنتزعت منها هذه القطع. وهذه نتيجة مفرحة لبحوثنا ولم نحصل على نتيجة كهذه منذ فترة طويلة."&
ستعود هذه القطع الى مكانها الطبيعي في المتحف العراقي في بغداد، وسوف تجتمع مع غيرها من القطع الآثارية التي استُخرجتْ من ذات الموقع في تنقيبات حديثة. وقد يتم انشاء متحف لهذه الآثار قريب من الموقع الذي وجدتْ به. &&

&معبد أنونو هو المعبد الذي انتزعتْ هذه القطع منه ويقع في تل تليوه هو تحت الحراسة الان من قبل خبراء الآثار والعشائر العراقية التي تقطن قريبا من الموقع. كان الخبراء الفرنسيون اول من نقب في هذا الموقع نهاية القرن التاسع عشر حتى 1920 والقطع المخروطية الخزفية المنقوشة بالكتابة السومرية هي تشبيه لاوتاد الخيم، كان قد تم الاشارة اليها في تنقيبات الفريق الفرنسي منذ عام 1870 .
لم ينسى الموقع الأثري من قبل السكان المحليين، وقال الخبير في المتحف البريطاني (سباستيان ري) ان الاجزاء الفخارية المكسورة والتي تم العبث بها بعد احتلال العراق لاتزال مندثرة تحت الهضاب المتناثرة في الموقع. ويعتقد خبراء الآثار ان عملية السطو التي تعرض لها تل تليوه كانت ذات طابع انتهازي وليس تخريبي، ربما من قبل شخص واحد هدفه هو تحقيق الربح المادي من بيع كنز سومري صغير. ويعتقد ان هذه القطع وصلت الى لندن خلال اسابيع قليلة بعد الاحتلال. وقد وضعت الشرطة البريطانية اليد على هذه الآثار التي كانت بحوزة تاجر لا يملك اي وثائق عن كيفية الحصول عليها ولا كيفية وصولها الى لندن ولم يقدم على محاولة لاستعادتها وقد اعتزل تجارة الاثار كليا بعد ذلك. واستقرت هذه القطع في حوزة خزائن الشرطة البريطانية حتى بداية السنة الحالية حين تم تحوليها إلى المتحف البريطاني الذي يشرف منذ عدة سنوات على تدريب خبراء الآثار العراقيين ويعمل معهم في المواقع الاثرية.&
وقد اكتشف الفريق الذي ينقب في تل تليوه مخروطيات مفخورة تشابه هذه التي وصلت للمتحف البريطاني عن طريق الشرطة. وهذه المخروطيات هي مصغرات مقلدة من الطين المفخور لاوتاد الخيم كانت مثبتة في جدار المعبد لإستدعاء قوة البرق كما ورد في الاسطورة السومرية والتي هي عبارة إله ذو رأس اسد يسطع جسمه بالضوء وله زئير كصوت البرق.&
وأضاف الخبير البريطاني(سباسيتان لاي) ان قطعته المفضلة من هذه المجموعة هي حصاة بيضوية مصقولة ومنقوش عليها كتابة تعتبر من اقدم الخطوط المسمارية السومرية. وتبدأ بنجمة وتدل على ان اسم الإله سياتي ذكره بعد ذلك وهي مكرسة لإله الماء والفيضان وان الخط مموه قليلا بفعل التقادم الزمني. واضاف ان هذه ليست فقط قضية آثار مجهولة المصدر يتم الإستدلال الى اصلها، لكن تجارة الآثار المسروقة تستند الى الصعوبات في إقتفاء اثر القطع الصغيرة وتواريخ تهريب هذه القطع من مواقعها الاصلية في البلدان التي تنتمي اليها، العديد من هذه القطع تُباع بدون معرفة أصلها والإيهام انها تنتمي الى مقتنيات قديمة لتجار التحف والآثار.
ويأمل خبراء المتحف البريطاني والاثاريون العراقيون بالإستفادة من منهجيتهم لتحديد ورسم خريطة للمواقع الأثرية وانواعها، وقد تققل هذه المنهجية من عمليات السطو وتخريب وتجارة الآثار.