&

لم يشأ د. كريم صبح أن نكون في قلب سرديات مجموعته القصصية القصيرة& " رأس للإيجار " الصادرة حديثا عن دار نشر سطور في بغداد / المتنبي ، فمهد لنا باستراحة قصيرة مع مجموعة من قصصه القصيرة جدا أو " الومضة "& كما يحلو لبعض النقاد تسميتها بدءا بقصته " أفول " وانتهاءا ب " ترف " ، هن جميعا وكما وصفتها الكلمات الظاهرة في نهاية الكتاب على أنها:
&" تتناول ومضات من الحياة العراقية بلغة بسيطة حينما عرضت شرائح يومية مدوّنة ، نشبّهها على أنها& أشرطة& تسجيل& مكتفية& بذاتها من& دون تفصيلات جانبية تثقل المتن القصصي " ، لكن
هنالك " استبصار " و " حديث " متعدد الأصوات& &في رأس يكاد& يسقط& بسبب أحماله الثقيلة& كما& في& عديد& قصص المجموعة التي نقرأ مفتتحها في " أفول " وهي القصة القصيرة جدا التي يمكن أن تميط اللثام عن التكنيك الذي أتبعه صبح في صياغة بقية قصصه:
" ضبط& يومه& على& توقيت& غيابها& المعلوم ، فاضطرب& جدوله& الزمني& المزدحم& بالخطط والأماني ، فلم يضع في حسبانه تقلبات قرصها الأحمر الدائري في مساءات الشتاء ، بل غيومه التي يعجبها – طبعا – أن تكون عرابة غروب الشمس ".
&أما قصته القصيرة جدا الأخرى " درب " فهي الأخرى تحمل صفات الأكلات السريعة:
" مثل كل حالم كبير أرقه حلمه في كل حين ، رسم على خطى والده الموظف العصامي النزيه طريقا لحياته أراده مستقيما ، فهالته كثرة تعرجاته ، مع أنه لا عيب في الورقة التي رسمه عليها ، فجلب ممحاة وتخلص من تعرجاته ، فعاد طريقه سالكا مستقيما ".
وبالانتقال إلى& قصته الأخرى& " ترف " " التي اعتبرناها& استراحتنا& الأخيرة& قبل دخولنا عوالم قصصه القصيرة التي يمكن أن يطول بها طوافنا& فإننا سنتعرف على مبضعه في تشريح شخوصه وأمكنته حينما يتناول حياة كاتب يريد أن يعيش ترفه من خلال صناعته للجمال ، لكنه:
" فشل في مخاض الابداع ، فاكتفت زوجته – التي لم يكن يتوقع أن تكون بالعمق الذي افحمه – بسؤاله سؤالا عابرا أربك كل اولوياته وجعله يهجر الكتابة نهائيا:
- هل عانيت يوما ممن عانوه ؟ ليس كل قصر فاره ينفتح على الحكايا التي تستحق بالفعل أن تروى ". هناك خيال متعدد الوسائط سوف نكتشفه& في عديد قصص المجموعة بدءا من " رأس مغلف " حتى القصة الأخيرة " ذاكرة المكيَّر" حيث& تعيش بين كلماتها لمسة مظلمة تعتمد على حدث مفزع في تأثيره الدراماتيكي:
" لا أدري لم سيطرت على ذهني فكرة أن كل نهاية تعني موت شيء ما عندما اتخذت مقعدي في العربة التي كانت أمام مدخل بناية المحطة التي كان يعلو بابها المزجج عبارة قديمة باهتة الألوان: " محطة قطار المكَّير " ، بدا اسم " المكَّير " مألوفا لمسامعي ، لكن أنّى لذاكرة مضطربة ومشوشة أن تعينني على تذكر المكان الذي سمعته فيه ، ليست النهايات& الحزينة& وحدها& قرينة& الحب ،& بل المصادفات كذلك ".
&" ذاكرة المكَّير " مع أنها ليست جديدة في تناولها الحواري مع لغتنا الدارجة ، إلا أنها جديدة في تناولها سيرة قصيدة ومكان أصبحا جزءا لا يتجزأ من ذائقتنا الفنية والمكانية وهي تعرض لنا قصة حب ووفاء وتضحية قل مثيلها.
في أكثر من 40 قصة قصيرة& جدا& وقصيرة مكتوبة هذا العام ، نجد معظمها دافئة ومضحكة وسخية في معانيها ، وقبل كل شيء عميقة النظر ، إنها تقدم أفكارا حول مجموعة واسعة& من المواضيع في لهجة جذابة& تستهوي& القارىء على الفور، وصور حية وعبارات& مضحكة وحكايات رنانة فيها الكثير من الفكاهة السوداوية والحكمة معا.