تثيرني في شارع المتنبي ببغداد ، على الدوام،الاعداد الكبيرة من زواره الذين يغص بهم يوم الجمعة تحديدا ، انظرهم بعين اخرى ، حيث اقسمهم الى قسمين : قاريء عادي وقاريء مثقف ،فليس من المعقول ان هذا العدد الكبير من القراء ينتمون الى فئة واحدة ، وطالما كنت اتطلع الى ما بين ايدبهم من كتب ولكنني كنت لا اوافق تصوراتي في تحديد نوعية القاريء من الكتاب، وكنت احاول ان اسألهم عما يفعلونه بعد الانتهاء من قراءة الكتاب ، كانت الاجابات مختلفة ما بين الاستمتاع بالقراءة كهواية ومعرفة ومن ثم ركن الكتاب على الرف او اهدائه وبين مناقشة افكاره وقصته مع البعض من الاصدقاء وهناك من قال انه يكتب ملاحظاته عنه ويقتطف جملا للاستفادة منها في مواضع النقاش والحديث ،فيما قال البعض انه يكتب نقدا عنه لينشره في الصحف او على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي ، ومن خلال التصورات التي ارسمها بتفكك عندي القارئين ،العادي والمثقف، الى قراء بتسميات مختلفة ،لذلك كنت ابحث عن متنفس لي لمناقشة الامر ومعرفة تفصيلاته واسراره ، فكان ذلك من خلال الروائي العراقي احمد خلف الذي منح الفكرة توقدا بتساؤلات له على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) والتي جاءت كالاتي : ما الفرق بين القارئ العادي على حد تعبير الروائية الانكليزية فرجينيا وولف بتسمية كتابها الشهير ( القارئ العادي ) والقارئ غير العادئ ؟ اي القارئ المثقف ومن هو القارئ العادي , وكيف يكون واذا كان يقرأ كما يقرأ القارئ المثقف ؟ ما الفرق بينهما ؟ وما هي ميزات وحقوق القارئ المثقف ؟ .
&
حينها قلت :مرة اخرى ، نعود من بعيد لنناقش قضية مهمة من قضايا الكتب والقراءة ونحاول ان ننطلق لنعرف مجددا حقيقة الفرق بين القاريء العادي والقاريء المثقف واستذكار الكاتبة الانكليزية فيرجينيا وولف (1882 - 1941) وكتابها الشهير .
&
احمد خلف : سمات اساسية لكل قاريء
فقد اكد الروائي احمد خلف على السمات الاساسية لكل من القارئ العادي والقارئ غير العادي، وقال : القارئ العادي يقرأ بدليل أعطته فرجينيا وولف تسمية وعنوانا وحددته بسمات وهوية وحضور معلن , اي قارئ واضح الهوية رغم قسوة هذه الهوية إن لم تكن منحرفة او شاذة بإضافتها مفردة العادي لكلمة قارئ , وهنا ليست كلمتي هذه بصدد عرض وتحليل كتاب القارئ العادي للمؤلفة الانكليزية , بقدر ماهو بحث عن السمات الاساسية لكل من القارئ العادي والقارئ غير العادي , وسنرى ان ميزتهما المشتركة انهما يقرآن , اي انهما ينتسبان الى المهمة ذاتها ولا تباين او اختلاف بينهما . اذاً لا بد من وجود ميزات تفرض نفسها علينا وينبغي لنا تأشيرها والبحث عنها .
واضاف : اعتقد ان ابرز ميزة تخص القارئ غير العادي هي امكانية اصدار الرأي او الحكم على ما يقرأ بصورة مهنية وقابلة للتطوير بحيث يمكن لها ان تعتمد في مجالات نقاشية متعددة . وبقدر ما يحق للقارئ العادي ان يصدر احكاما ايضا شأنه في هذا شأن اي مواطن او انسان يمكنه ان يقول كلمته بخصوص ما يعرفه من موضوعة اجتماعية او سياسية اودينية , الا ان الأحكام التي يصدرها القارئ المثقف يمكن اعتمادها في المنازعات الفكرية اكثر من سواه من القراء لأنها تصدر عن جهاز تحليلي خبر القراءة وتعلم فنون التجربة بل يستطيع التفريق بين السبب وبين النتيجة كما يمكن له ان يخضع نتائج توصلاته الى قانون جدلي صارم .
وتابع : وغالبا ما تكون الكلمة الفصل في النقاشات الدائرة بين الفرقاء المختلفين حول قضية مهمة , تكون لمن يقدم لنا ادلة كافية للاقتناع بما توصل اليه من آراء واحكام . ولا نستبعد ان يكون هذا الانسان مثقفا وليس قارئا عاديا حسب تسمية فرجينيا وولف .
&
علي حسين : القارئ العراقي من اهم القرّاء العرب
من جانبه اكد الكاتب علي حسين : لم تضع فرجينيا وولف فوارق بين القارئ العادي والمثقف فهي ترى ان الجميع قراء بعيدا عن تصنيفاتهم ، وانا أميل لتسمية القارئ العادي ، لان الهدف من القراءة هو اكتساب الثقافة والمتعة وهي أمور متاحة لكل من يفتح كتابا ، ربما تقول هناك قارئ متخصص ، يقرأ في مجال معين اما لغرض بحث أو اكتساب معلومات جديدة وهذا القارئ ، لا يقرأ من اجل المتعة واكتساب معارف جديدة وإنما يقرأ لتطوير مهاراته في مجال عمله .
واضاف: القارئ العادي هو الذي نشاهده في المكتبات وشارع المتنبي يبحث عن الجديد ويعتبر القراءة جزء من نشاطه اليومي ، وهذا القارئ الذي يتوجه له معظم الكتاب ، لانه وحده الذي يمنح شهادة نجاح الكاتب ويعطيه الثقة على الاستمرار وتابع : القارئ العراقي من اهم القرّاء العرب ، وحتى في الوقت الحاضر بسبب الظروف، القارئ العادي في العراق لا يزال هو الأساس وهو الفيصل الاول في نجاح الكاتب ، ربما تراجعت نسبة القرّاء في السنوات الاخيرة ، لكنها في الآونة الاخيرة تبشر بظهور القارئ العادي بقوة وخصوصا بين الشباب ، بدليل ازدهار مبيعات الرواية وكتب الفلسفة

حسين رشيد : لا توصيف دقيق
اما القاص حسين رشيد فقال : ليس ثمة توصيف دقيق للقارئ العادي والقارئ المثقف اذ يفترض ان يكون الاخر قارئا غير مثقف مقابل قارئ مثقف تكون القراءة من مهامه الاولية، وهنا اشكالية بالامر تضاف الى اشكالية مصطلح المثقف الاشكالي حتى يومنا هذا.
واضاف : اعتقد ان التوصيف الادق هو القارئ الواعي القارئ المحاور والباحث عن اجوبة فيما يقرأ ، القارئ الذي لايترك فرصة الا واستفسر فيها عما طالعه في كتاب معين ان كان عبر الاتصال بالكاتب بما يتوفر الان من وسائل الاتصال وتواصل او عبر الاخرين ممن يهتمون بما قرأه اي النقاد والمتابعين من اولي الاختصاص. مثل هكذا نوع من القراء ورغم محدوديتهم لكنهم اخذوا يحركون الساكن بالعلاقة بين الكاتب والقراء فضلا عن مناقشاتهم الخاصة فيما بينهم حول فكرة كتاب معين تبادلوا قراءته والاراء التي تطرح من قبلهم وهم يحاولون فك تشابك مجموعة افكار ورد بالكتاب او مناقشة فكرة الكتاب الخ .
وتابع : مثل هكذا قراء يعول عليهم ايضا في ندوات معارض الكتاب والحوارات المفتوحة مع الكتاب اذ يثيرون جملة اسئلة ربما لم يكن بعضها يرد بخلد الكاتب الذي حتما يكون له شان بمجال كتابته او اختصاصه الابداعي الذي بموجبه نظمت له الندوة ... وهذا ما تلمسته في اكثر من دورة لمعرض اربيل للكتاب ودورة معرض بغداد للكتاب الاخيرة.

مازن المعموري : خمسة انواع من القراء
الى ذلك حدد الشاعر مازن المعموري خمسة انواع من القراء وقال : قد يكون السؤال تقليديا نوعا ما , لكنه في هذا الوقت يصبح ضروريا لمعرفة لمن نكتب, في ظل ضروف استثنائية يمر بها البلد . وأنا هنا , بصفتي شاعرا وكاتبا, أستطيع أن أفرق بين خمسة أنواع من القراء, عرفتهم في مسيرتي المتواضعة ،أولهم القاريء الفارغ : وهو القاريء الدعي الذي يأخذ من كل شيء سطوح الاشياء , يتشدق باسماء شهيرة في عالم الادب والفن دون أثر حقيقي في نفسه ودون تأثير في حياته الخاصة والعامة . ربما يكون قد قرأ بعض الاشياء التي
تخص وسطه الاجتماعي سواء كان وسطا علميا ام ثقافيا ام رياضيا .. ألخ , من اجل بعض التقدير والاهتمام , او كسب عاطفة نسوية نحو شخص او موضوع يهم الاخرين فقط .
واضاف: ثانيا القاريء العادي :وهو قاريء يعمل على قضاء الوقت والتسلية ولا يهمه الموقف من الاشياء والحوادث والمعلومات , اذ يمكن ان يقرأ كتابا علميا أو فلسفيا بكل اهتمام وهو يؤمن بالنقيض تماما دون ان يحدث ذلك جدلا او فصاما شخصيا في الافكار وتقاطعها , حيث لن تكون النتائج مهمة , بقدر ما يكون الرغبة في قتل الوقت من اجل شيء خارج نظام القراءة ذاته .
وتابع : ثالثا القاريء العاطفي :وهو قاريء من نمط خاص , هو اقرب الى المبدع , لكنه ضعيف وغير قادر على اتخاذ موقف بعينه ضد احد او ضد فكرة او ضد حدث خطير . هذا القاريء قد يكون ملما بكل شيء عن لحظة الحوار معه , لكنه لا يعالج الفكرة بقدر ما يتأثر بشخصية المحاور واتخاذ موقف تجاه ذلك الشخص سواء على مستوى القبول او الرفض , مع ذلك, نجد الاشياء تبقى عند حالها , وتصبح القراءة مجرد مرحلة تمر في حياته الى غير رجعة .
واضاف ايضا : رابعا القاريء المتخصص :وهو القاريء الذي يعرف كل شيء عن مهنته او مجاله سياسيا / ادبيا / فنيا / علميا .. الخ . لكنه لا يستطيع ان يفرق بين الليل والنهار . انه خزين معلومات , قليل العاطفة غير جاد في النظر الى الاخرين الا في حدود مهنته، وخامسا القاريء النوعي : وهو القاريء الفيلسوف والمفكر الذي ينتج افكارا وحلولا لمشاكل اجتماعية او ادبية او علمية, انه القاريء الفاعل في محيطه , يؤثر ويتأثر , في العراق يمكن اعتبار خضير ميري وحيدر سعيد وجمال العميدي ونصير غدير قراء نوعيين .
وختم بالقول : سوف لن أكون مبالغا إن قلت أن الحصول على النوع الأخير نادر جدا , لكنه غير مستحيل, لكن الاول والثاني موجود بكثرة لدرجة انهما يشكلان الظاهرة العامة للقراء, مع الانتباه الى انني حذفت المبدع كاتبا او شاعرا او فنانا بصفته قارئا متميزا ويعرف ماذا يفعل , كما انه يملك ستراتيجيات للقراءة والعمل والاستفادة من كل ذلك .

مازن لطيف : الهاوي والمتخصص
من جهته اوجد الكاتب مازن لطيف الفرق بين القارئين قائلا : القارىء العادي يعتبر قارئا هاويا يقر اي كتاب يعجبه قصة او رواية او كتاب تاريخي او مجلة او جريدة لانه يحب القراءة ويقضي عمره بالقراءة والمطالعة ولا يستوعب كل ما يقرأه امام القارىء المثقف فهو قارىء محترف يختار الكتاب الذي يقرأه بعناية والكتاب الذي يناسب توجهه الثقافي ويلامس اهتمامه الادبي او الاكاديمي وله رؤية نقدية للكتب الذي يقرأه ويستوعب ما يقرأ ويحلل ويستنتج وصحيح هو يقرا كثيرا لكنه يقرا الكتب الذي تناسب منظومته المعرفية والادبية
واضاف : هناك المثقف المتخصص في مجاله وهذه الشريحة قليلة جدا وهو المثقف الذي يقرأ في محال تخصصه فقط ولايضيع وقت بكت ومطالعات اخرى خارج اختصاصه انا مع هذا التوجه بمعنى المثقف المتخصص في مجاله .

هادي الحسيني : بين المتعلم والمثقف
فيما قال الاديب هادي الحسيني : أذكر جيداً في سبعينيات القرن الماضي يوم كنت في الصف الأول متوسط اهدآني أحد الأصدقاء رواية ( الأم ) لمكسيم غوركي قرأت الرواية الكبيرة بعدد صفحاتها بالنسبة لي ولم أفهم منها شيئاً ! ثم بعد عشر سنوات قرأتها مرة أخرى وتمكنت من فهم فكرتها . هذا يعني انني كنتُ قارئاً عاديا ،ً فقط قرأت سطورها من دون أن أفهم وأناقش المضمون أو أفكر بما طرحه الكاتب غوركي في روايته والى أين يريد ان يصل بنا ، وهذا ينطبق على كل ما نقرأه من كتب وكذلك في المقالات الفكرية والأدبية وحتى السياسية.
واضاف: فالقاريء العادي هو انسان متعلم يقرأ ويكتب ضمن حدود ما تعلمه وليس بوسعه أن يفكر بما قرأ او يستنتج بعض التحليلات او يفك بعض طلاسم الفكرة التي يقرأها كل ذلك سيكون من الصعب على تفكيره
الضيق والمحصور ضمن منهاج خاص تعلم منه وظل مواظباً عليه حتى وان كان قد حصل على شهادة جامعية على العكس تماما من الإنسان المثقف الذي حين يقرأ يفكر متأملا النص وما ورد فيه من أفكار فهو منفتح على آفاق متعددة تجعل عقليته خصبة وتقيس الأمور بمنظار ثاقب للرؤيا ويستطيع طرح رؤيته وتأمله للفكرة التي قرأها ، ويتعامل المثقف في مناقشاته بهدوء تام من دون عصبية او تحزب لفكرة دون أخرى على العكس تماما من القاريء العادي الذي عادة ما تمسك به العصبية حين يدخل بحوار ما .
وتابع : لكن بالمقابل ان النخب المثقفة في كل دول العالم وبخاصة منطقتنا العربية هي قليلة جدا ويصعب ان نميز المثقف من غيره . ويقول عالم الاجتماع الكبير الدكتور (علي الوردي) في هذا الصدد : ( ينبغي أن نميز بين المتعلم والمثقف ، فالمتعلم هو من تعلم أموراً لم تخرج عن نطاق الأطار الفكري الذي اعتاد عليه منذ الصغر ، فهو لم يزد من العلم إلا ما زاد في تعصبه و ضيّق من مجال نظره . هو قد آمن برأي من الاراء او مذهب من المذاهب فأخذيسعى وراء المعلومات التي تؤيده في رأيه و تحرضه على الكفاح في سبيله . اما المثقف فهو يمتاز بمرونة رأيه و باستعداده لتلقي كل فكرة جديدة و للتأمل فيها و لتملي وجه الصواب فيها ) ..