عبد الجبار العتابي: حضر الشعر في احتجاجات العراقيين ضد الظلم والفساد التي دخلت اسبوعها الثالث، فكانت قرائح الشعراء ناضجة في صياغة النصوص الشعرية التي تستمد افكارها مما يحدث على ارض الواقع بشكل مباشر وهم يشاركون في التظاهرات ويهتفون باشعارهم حيث يتفجر حماس الشباب في الوقوف بوجه الظالمين والفاسدين صارخين ومطالبين بالحقوق المشروعة، وعندما يخلدون الى اوراقهم يسجلون ما رأتهم اعينهم وسمعته آذانهم.

لم يترك الادباء العراقيون ساحات الاحتجاج للتزود منها، وهم ينظرون كيف يهاجم الشباب العزل بالرصاص وبالقنابل المسيلة للدموع والماء الحار والهراوات، كانت نصوصهم الادبية المباشرة خير احتجاج وخير توثيق لوقائع الظلم والغطرسة التي تتحكم بالناس وتتصدى للمطالبين بابسط متطلبات الحياة كالماء والكهرباء فيما العراق يطفو على بحر من النفط والخيرات التي لا تعد ولا تحصى ، لذلك كان هناك من استعاد القصائد التي تشير الى (ما أشبه اليوم بالبارحة..) فيأتي ببعض القصائد التي تصور حال العراقيين الان ومنها قصيدة للشاعر احمد الصافي النجفي (1897 - 1977)، والتي قال فيها:

(النفط يجري في العراق ومالنا
ليلا سوى ضوء النجوم سراج
قد أثقلوه من القيود بمرهف
وأحاط فيه من العداة سياج
أسروا العراق فكم فدينا آنفا
عنه فهل لأسيرنا أفراج)

وينطلق الشعراء في محاولاتهم للتعبير عن الواقع وتوثيق ما يحدث على الارض ، وتتكاثر النصوص التي تستفيد من الاحداث ما بين محيية للمتظاهرين وناقمة على الفاسدبن ومحذرة من القسوة التي تتمادى فيها الحكومة ضد المتظاهرين وعدم الاستجابة لمطالبهم المشروعة ، ويمكن قراءة موعد التظاهرة مثل نص جميل (جمعة الغضب في النجف / ساحة ثورة العشرين / الساعة الخامسة عصراً..) تشعره نصا مهيمنا على الذاكرة.

ولابد ان تحلق فراشات الشعر ،حيث القريحة تتلظى بمطلعها ، فحدثنا، الشاعر الدكتور عارف الساعدي، ساخطا ومؤذنا بقوله:

(تشظت كالزجاج قرى بلادي
وها هي تجرح الآن الكلاما)

قبل ان يأتي في قصيدته لتوضيح سيرة حياة الشاب العراقي في ظل الحروب حيث دورة الحياة في العراق تنتهي بالموت في عز الشباب:

(نذر إذا ولدوا، نذر إذا كبروا
نذر إذا دخلوا بابا لمدرسة
نذر إذا كتبوا أسماءهم وبكوا
من واجب البيت أو عيني معلمة
نذر إذا داعبت ريح مواسمهم
او استباحت صباهم ضحكة امرأة
نذر ونذر ونذر ثم نختمها
بالحرب تأتي عروسا آخر السنة).

مثلما حدثنا الشاعر أجود مجبل بقوله في مطلع قصيدة تصوغها القريحة الملتهبة وهو يحذر من غضبة الشباب المحتج:

( فلْتحذروا من شبابٍ فاقدٍ أملَهْ
ولتتركوا الوطنَ المسروقَ يا سَفَلَهْ)

مثلما كتب نصه عما حدث قي ساحة التحرير مساء يوم الجمعة 20 / 7 / 2018 بما اسماه (ثورة الماء) وقد اصدت قوات الامن للمحتجين بالماء الثقيلة الساحنة والغازات المسيلة للدموع:

(مِن لحظةِ اليأسِ العظيمةِ
يُولَدُ الثوّارُ مبتسمينَ والأبطالُ
ستدوسُكُم أصواتُهم وستَختفونَ عن البلادِ كما اختفت أدغالُ
نحنُ المُغَنّونَ الذين تأكدوا 
مِن دمعِهم ، وأضاءهم مَوّالُ
تَرمُونَنا بالماءِ وهو أبٌ لنا
أيخافُ حِضنَ أبيهِمُ الأطفالُ ؟)
ومن ثم يأتي بنصه الخافق مثل قلب الوطن وهو يحادث الوطن وينسج له ترنيمة خاصة به :
(أيها الوطن
أبناؤك الآن يملؤون الساحاتِ
والميادين
خرجوا ليقولوا للعالم
: الوطن هو دينُنا،
أمّا أوساخُ عقائدِكم وأحزابِكم
فهي لا تَعنينا) 

وجاء الشاعر حسين القاصد من ساحة التحرير التي شهدت فواجع انسانية كبيرة ليشرح بكلماته المعبرة ما حدث:

(كالطبل نبضي في ضلوعي 
وجعٌ يثرثر في ربوعي 
لملمتُني وركضتُ بي 
وخرجتُ من تلقاء جوعي 
وهتفت باسمك ياعراق الغاضبين على الخنوع 
لكنْ ، نباحُ كلابهم ..
غازٌ مسيلٌ للدموعِ) 

من جانبه حدثنا الاديب علي لفته سعيد عن خلجات نفسه في نصه قاله:
(هل رأيتم غير الجنوب يحمل أعباء الشمال على كتفيه ويغني؟) 

ثم اردف يتهدج كأن البكاء يتفجر من ثناياه:
(كل حرائقك دفءٌ لي
فزيدي اشتعالاتك
أقصد البلاد) 

الى ان يقرر القرار الصعب وهو يرى العراق يتمزق واحزانه تكبر ثن يلجأ الى رفع يديه الى السملء عسى ان يأتي الحل من هناك:

(سأطوف بك الليلة أيتها البلاد
اجمع دموع الامهات
وارميها الى السماء
لعل الله يخسف بالقتلة
كي لا نشك بعدها بالحيف)

ويأتي دور الشاعر رياض الغريب ليتساءل ومن ثم يوضح الامور من خلال نص معبر:

 (ماذا يجري حقا
ايها الرئيس
دعنا نجلس كصديقين
انت تفكر بحياتك
وانا افكر بالفقراء
دمهم على الرصيف
وانت منشغل بتسريحة شعر الهواء
اقول دمهم
وانت تتصل بهاتفك الشخصي
لتطلب لنا العشاء
اكرر دمهم
وانت تبتسم للسكرتير
وهو يضع حزمة من صورهم
وهم يلوحون بجوعهم
اقول دمهم
وانت ايها الرئيس
تعقد مؤتمرا تتحدث فيه
عن تبليط شارع
وافتتاح مطعم في مدخل قصرك
ايها الرئيس انها البلاد
لماذا وضعت وجهك
في الوسادة
لتغفو) 

أما الشاعر يحيى السماوي فأهدى قصيدته (كـي لا تـغـرق الـسـفـيـنـة) الى أحرار الشعب العراقي المتظاهرين ضد الفساد والفاسدين:

 (لأنَّ الـشـفـة الـواحـدة لـن تـكـون بـمـفـردهـا فـمـا ..
ولـيـس مـن نـهـرٍ بـضــفـةٍ واحـدة ..
لأنَّ الـوردة لا تـكـون بـمـفـردهـا حـديـقـة ..
ومـا مـن طـيـرٍ يـكـونُ سِــربـا بـمـفـردهِ :
فـقـد آنَ لـكـلِّ الـقـلـوبِ أنْ تـتـحـدَ إتـّـحـادَ الـعـطـر بـالـوردةِ
والـعَـلـَم بـالـسَّــاريـة ..
لِـنـكـنْ :
حَـجَـراً عـلـى حَـجَـرٍ كـيْ يـنـهـضَ الـصّـرح ..
لـونـا إلـى جـانـبِ لـون كـيْ يـشـعَّ قـوسُ الـقـزح ..
نـخـلـة جـنـبَ نـخـلـةٍ كـيْ يـقـومَ الـبـسـتـان ..
جـدولا مـع جـدولٍ كـيْ يـكـون الـنـهـرُ الـعـظـيـم الـذي يـجـرفُ
مـسـتـنـقـعَ الـمـحـاصـصـة ..
كـلـمـة تـقـفـو كـلـمـةً لـيـكـتـمِـلَ الـمـعـنـى ..
خـطـوة تـرفـدُ أخـرى كـي تـتـواصـلَ الـمـسـيـرة ..
ويـداً بـِـيَـدٍ لـنـطـيـحَ بـجـِـدار الخـوف ..
وشـمـعـة مع شـمـعـةٍ لـنـكـتـسـحَ الـظلامَ الـدّاعـشـيّ ..
و :
تـظـاهـرةً بـعـد أخـرى حـتـى الإطـاحـةِ بـسـاسـةِ الـصـدفـة
والـمـجـاهـديـن الـزُّور !)

فيما كان الشاعر عبدالسادة البصري يقرأ:

 (ألا تباً لكَ،،وتعساً لك،،
أيها الكرسيّ
ستنخركَ الأرضةُ
في آخر المطاف !!)
قبل ان يرسم ما عانته مدينته البصرة 
(سأعيرك عينّي ، لترى ما أرى 
لكني .. أدرك حتماً 
بأنك لن ترى ما رأيت 
فأنا ..
مازلت أحتفظ بصورتها 
مدينة أسسها الجندۥ
وخرّبها الجندۥ
وأعاد بناءها الجندۥ 
وهدّمها الجندۥ
لكنها ...بقيت في القلوب 
حيث بناها الحنين !!)

ويمضي الشاعر قاسم وداي الربيعي الى البصرة ويقف متأملا الصور التي تتحرك في جهات الوطن احتجاجا على وضع في كثير من المآسي:

 (في البصرة
الصبية الذين افترشوا الروح
بساطهم الملح
قدموا أضلاعهم عشقا ونجوى
عبثا تحاول مسك أجنحتهم
أصواتهم مؤمنة ورصاصة قاتلة) 

فيما كتب وادي الحلفي نصه من ساحات الاحتجاج على الظلم متباهيا بما يفعله الشباب الذين يحاولون صناعة تاريخ جديد للعراق:

(كل كبرياءك
الان في الساحات
كل جرحك الان واقف
لن ينزف دما
بل اصوات بطعم الحرية
كلمات بماهية رصاصة
وجودا يتباهى بعزمه
سيفا يتباهى برقبته)

وكتب عبدالله السعدي غاضبا ومزهوا بالنتائج التي ستتحقق:
(ماءُ الفراتِ غدا لهبْ
موجٌ/غضبْ
الشعبُ في وجهِ الظما حرّاً وثبْ
تبّتْ يداكَ أبالهبْ فالنخلُ من عطشٍ تعبْ
والطيرُ من كرْمِ الرٌصافةِ قد هربْ 
ستعودُ تُمطرُ سحبُهُ السمراءُ في شطِّ العربْ
وستنبتُ الفيحاءُ أشجارَ العنبْ 
فهنا العراقُ بمفرقِ الدّنيا وما أحلى العراقَ بأهلهِ تاجُ الذهبْ !)

وكتب محمد السيد جاسم:
(مذْ ألف ناعيةٍ، وحَرفي يُجلدُ
وعلى بلادي سافلٌ يتسيدُ
وعلى وجوه الناسِ أرقبُ غضبةً
فأطوفُ ياوطني العظيم، وأسجدُ)

 اما الشاعر ‏عادل قاسم‏ فقد استطاع ان يسطر في قصيدته ما يحدث في واقع العراق من غرائب يندى لها جبين التاريخ خجلا واسفا :
(علامَ اعتذارُكَ؟ ،لاعِذرٌ ولادَجلُ
وإنْ صَدَقْتَ، فهل تُحيونَ من قُتِلوا؟
وَمنْ أدميتمُو عينَيهِ من كَمَدٍ
على كبدَيهِ يُجدي العُذرُ والخَجلُ؟
أمُندَسُّونَ؟ قل لي: أيُّ مُندَسٍّ 
ونحنُ أهلُها النجباءُ؟ يالاتٌ وياهُبَلُ
سُرِرْنا منذْ أَنْ سَقطتْ لهم أَصنامْ،
وأْنقَشَعَتْ،وولَّى الأرعنُ النَغَلْ
ورحتُم تقرعُونَ الطَبلَ، لاطابَ
لكم حكمٌ، ولاطالَ لكمْ أجَلُ
كأنَّا رَهْطُ جُهَّالٍ ويحدُو ركبَنا
المعتوهُ، ياوَيلي، وَقدْ جَهَلُوا
إذا ما أحْجَمَ الأوغادُ واتَّعَظُوا
سَيجْنُونَ ثمارَهمُ بمافَعلُوا)