في أجواء مفعمة بالشعر، تحت "الخيمة الثقافية" التي نصبت في الرباط ، بمناسبة الدورة الثانية لأيام "الإكليل الثقافي" لجمعية رباط الفتح للتنمية المستدامة، الذي انتهت فعالياته أخيرًا، جرى حفل تقديم ديوان "الخالصيات"، نسبة إلى الراحل عبد اللطيف أحمد خالص، مدير دار الإذاعة والتلفزيون المغربية السابق، والكاتب العام (وكيل) لوزارة التشغيل سابقًا.

الرباط: في البداية، تناول الكلمة للدكتور مصطفى الجوهري، الذي تولى جمع قصائد الديوان من مصادر مختلفة، وأشرف على طبعها وتبويبها، ضمن منشورات الجمعية، فتطرق بتفصيل إلى عملية البحث والتنقيب التي قام بها من أجل التوصل إلى مجموع عطاءات خالص، الذي رحل منذ خمس سنوات، بعد عمر تعددت فيه مهامه الإدارية واهتماماته الأدبية.

لم تكن المهمة سهلة، كما يستشف من عرض الجوهري، لأن انتاجات الراحل خالص كانت متفرقة بين مكتبه وأعمدة الجرائد والمجلات وغيرها من المنابر التي كان ينشر فيها، إضافة إلى رصيد كبير من القصائد التي كان يسلمها إلى "النادي الجراري" وجمعية "رباط الفتح" بعد إلقائها في الأمسيات الأدبية.

عالم الصوفية
جانب روحي في شخصية الشاعر الراحل المحتفى به، كشف عنه الجوهري للحاضرين في الأمسية، وهو"اقتحامه عالم الصوفية والتصوف، وليس غريبًا عنه أن يكون مجذوبًا، نظرًا إلى انتمائه إلى الزاوية الحراقية".

الشاعر الراحل أحمد عبد اللطيف خالص

تابع كلامه قائلًا "إن خالص كان مسكونًا بالجذبة، لا يحول بينه وبينها أي شيء، حتى ولو كان مريضًا، أو في طور النقاهة، بعد إجراء عملية جراحية، إذ لا يتردد أبدًا في الاستجابة لندائها".

وردًا على ملاحظة أحد المتدخلين بكون خالص أنيق الفكر والمظهر، دائم الابتسامة على محياه، عزا الجوهري ذلك إلى أنه من الملامح الصوفية لشخصية خالص المنطلقة من الجانب الروحي.

لفت المتحدث نفسه أنظار الحاضرين، من مثقفين وإعلاميين، إلى أن عنوان غلاف ديوان "الخالصيات" مكسو باللون الأخضر، لأنه "لون صوفي متميز، وكان محببًا لدى المرحوم"، مضيفًا أنه كان حريصًا على إخراجه في حلة تليق بمكانته الشعرية.

الكتابات النثرية
وفي سؤال موجّه إليه، عمّا إذا كانت بعض قصائد خالص قد وجدت طريقها إلى التلحين والغناء، رد الجوهري أن هناك الكثير منها، غير أنه كباحث لم يستطع أثناء البحث والتنقيب التوصل إلى جميع القصائد المغناة لإشكالات مرتبطة بأرشيف الإذاعة، وبعضها أضيفت إليها أبيات لم تكن واردة في النصوص الأصلية، ربما استجابة من الشاعر لبعض المقترحات من الملحنين.

وقبل أن يختم عرضه، لفت الانتباه إلى ضرورة جمع كتابات خالص النثرية ودراساته الأدبية ومقالاته الفكرية الموزعة في الصحافة، ومنها يومية "العلم" ومجلات "آفاق" لاتحاد كتاب المغرب، و"الإرشاد" و"دعوة الحق". 

وقال إن هذه الكتابات تتضمن دراسات وأبحاثًا ما أحوج الأجيال الجديدة إلى الإطلاع عليها، لما تتضمنه سطورها من دراسات وأبحاث تشهد على سعة أفقه الفكري، متمنيًا أن يتم الالتفات إلى هذا الجانب، استكمالًا لشخصيته الثقافية المميزة، كواحد من ألمع الأدباء في المغرب.

ملامح وإضاءات
أما الدكتور إدريس الشراوطي، فأعطى في قراءته للديوان إضاءات شملت مضامينه ومحتوياته وقصائده، متوقفًا عند العديد من المحطات البارزة في المسيرة الحافلة لخالص وما خلفه وراءه من رصيد أدبي وشعري.


غلاف ديوان "الخالصيات"

وقال إن الشاعر لم يترك غرضًا من أغراض الشعر، إلا وخاض غماره، كما تطرق إلى كل الأصناف التي يمكن أن تخطر على البال، فقد تغنى بالوطنية والتحرر والعروبة والوجدان والعاطفة والرثاء، ومن بين ذلك قصيدة يرثي فيها رحيل الملك محمد الخامس.

وأشار إلى أنه كان يتفاعل مع حركات تحرير الشعوب، ومنها الملحمة النضالية للجزائر في زمن الاستعمار، فضلًا عن توثيقه بالشعر لبعض الأحداث ذات الطبيعة العلمية، مثل الوصول إلى القمر، إضافة إلى مساجلات شعرية مع بعض أصدقائه الشعراء.

كما توقف الشراوطي عند ذكريات الأديب عباس الجراري الواردة في تصدير الكتاب، وفيها يتحدث عن صداقته وعلاقته بخالص التي تعود إلى أيام الصبا، وظلت متواصلة على الدوام، وخاصة في فضاء "النادي الجراري" الذي كان يشهد حلقات للنقاش الفكري.

خلص في نهاية عرضه إلى التنويه بما بذله الجوهري، "كمحقق رصين"، من جهد لا يدرك مداه إلا من جرب مثل هذه الأعمال، مما أعطى تصورًا كاملًا وإحاطة شاملة بمختلف جوانب التجربة الشخصية والمهنية والإبداعية لدى خالص.