الأعباء المادية ترهق التونسيين في رمضان

شهر رمضان مختلف عن بقية أشهر السنة، عادات وتقاليد وأجواء رائعة ونكهة لا يدركها إلاّ الصائم، ولكن برغم ما فيه من أجواء فإن الصائم يجابه العديد من الصعوبات والمشاكل، ويضطر إلى أن يسلك عادات جديدة، ويحمّل نفسه أعباء مادية لا يطيقها.


محمد بن رجب من تونس: يجابه المواطن التونسي شهر رمضان بالقروض والديون .. اليوم الثالث من شهر الصيام، تهافت كبير على السلع الإستهلاكية يقابلها إرتفاع غيرمعقول في الأسعار، لكنّ الحبيب الديماسي مدير التجارة الداخلية برّر هذا الإرتفاع باللهفة غير المبررة على مختلف المواد الغذائية، وأكّد أنّ تدخّل الوزارة في هذا الشأن سيقتصر علىالإكثار من عرض المنتوجات الاكثر طلباً.

أستخلص ديوني لأقترض من جديد

غلاء الأسعار والتهافت في شهر الصيام جعلا أكثر من نصف الشعب التونسي يرزح تحت وطأة الديون، فإستهلاك التونسيين من مختلف المنتجات يرتفع بأكثر من 30 % خلال شهررمضان حسب أرقام صادرة من وزارة التجارة والسياحة.

هنا يقول سفيان الراقد quot;موظفquot; التقيناه وهو يتجول داخل السوق المركزي للخضر واللحوم وهو يحمل حقيبة للتزود ببعض ما يحتاجه يقول: quot;عائلتي كبيرة العدد، وأنا غير قادرعلى أن أوفّر كل ما تحتاجه في شهر رمضان، الذي تكثر فيه الرغبات وتتنوع الأكلات، وبالتالي فأنا مجبر على الإقتراض من أحد الأصدقاء، فقد قبضت الراتب قبل دخول الشهر الكريمبأيام، وهو لا يتجاوز 500 دولار.

ولكن اليوم وبعد مرور ثلاثة أيام على دخول رمضان بدأت أحسّ بأن جيبي بدأ يفقد توازنه، بل أنا متأكد من أنني سألتجئ إلى الإقتراض بعد أسبوعفقط من الشهر الكريم، وهكذا يمرّ هذا الشهر ولن يمرّ في الواقع إلا بعد أن يترك لي ديوناً عند بعض الأصدقاء، وأبقى أعاني أشهرًا لسداد الديونquot;، ويواصل سفيان: quot;الإقتراض هوشعار quot;التوانسةquot; وغلاء المواد الغذائية لا يُحتملquot;.

أما مختار بن علي quot;موظفquot; فيقول: quot;رمضان شهر كريم، ورغم الصعوبات التي نجدها لقضاء حاجياتنا فإنّ له موقعاً خاصاً في قلوب التونسيين، فرمضان له نكهة لا نجدها في غيرهمن الأشهر، وبالتالي فأنا شخصيًا كغيري من التونسيين نعمل جاهدين على توفير كل الرغبات من مأكولات وحلويات لا ترى النور إلا في هذا الشهر.

كل هذه الرغبات لا يمكنتحقيقها إلا بتوفير ما يكفي من المال، وأنا غير قادر على ذلك، فدخلي متوسط، والأسعار مرتفعة، بل أحياناً لا تتوافر السلع في السوق، وقد تعودت على الاستدانة في كل سنة، وقبل دخولشهر رمضان، وذلك بالحصول على قرض من البنك، وهذا القرض يتمتسديده على كامل أشهر السنة، ولذلك فأنا أحسّ دائًما أنّني quot;مخنوقquot;.

الإقتصاد نصف المعيشة

إذا كان البعض تعوّد على الاستدانة والإقتراض ليتعايش مع مستلزمات شهر رمضان، فإن البعض الآخر له رأي آخر، حيث تقول جليلة quot;ربة بيتquot;: زوجي موظف بسيط، وأنا لاأعمل، وبرغم ذلك فنحن لا نلتجئ إلى الاستدانةأبداً، فكل يوم أخرج إلى السوق لشراء ما يلزم بأرخص الأثمان بعد التهافت الذي يحدث في ساعات الصباح، وبالتالي فأنا بهذه الطريقةأجنّب زوجي المصاريف الزائدة والإسراف غير المقبول، لأنه يكون بسبب شراء ما هو غير ضروري، فالإقتصاد نصف المعيشة كما إنّ القناعة كنز لا يفنى، ورغم هذا quot;التقشف في الميزانيةquot;،فالمائدة خلال شهر رمضان تضم كل أنواع المأكولات.

ويؤكد السيد عبدالرؤوف هذا الرأي فيقول: quot;صحيح أنّ شهر رمضان تتكاثر فيه الشهوات، شهوات الأكل والشرب، وحتى لا أغرق في الديون فإنني لا أكلّف نفسي عناء الشراء، بل quot;أحوّلquot; الراتب مباشرة إلى جيب quot;الزوجة المصونquot; ولن أزيدها مليماً واحداً حتى نهاية الشهر الكريم، والحمد لله أنني لم أحسّ يوما أنّ المائدة خلال شهررمضان غير quot;ملوّنة ومزركشةquot;بكل أنواع المأكولات، لا لشيء إلا لأنّ زوجتي quot;صنّافة وحاذقةquot;.

ولكن برغم الإرتفاع في الأسعار خلال شهر رمضان، فإن فتحي الفضلي مدير الابحاث الاقتصادية في وزارة التجارة والسياحة لفت النظر إلى أنه من المنتظر انخفاض أسعار الفلفلالتي سجلت ارتفاعًا في الفترة الاخيرة مع الانطلاق خلال بضعة أيامفي ترويج صابة الفلفل الفصلي، أضاف بأن الوزارة ستنشر فرق مراقبة قارة في 22 سوق جملة و35 سوق تفصيللبيع الخضر والغلال في كامل انحاء البلاد.

شهر رمضان يتزامن مع فصل الصيف الذي يتطلب مصاريف إضافية للتمتع بالعطلة في المدن الساحلية قرب من البحر، وقبل أن يتخلص التونسي من ديونه يطلّشهر رمضان، وبعد رمضان يأتي عيد الفطر ثم العودة المدرسية، مناسبات عديدة وقريبة تكبل التونسي بالديون.

فيقول رياض بن عمر quot;موظفquot;: التونسييعيش كامل السنة غصاتمتتالية، فمن quot;غصةquot; الصيف والعطلة والبحر تأتي quot;غصةquot; مصاريف رمضان، ثم quot;غصةquot; مصاريف عبد الفطر المبارك، وقبل أن يسترد التونسي أنفاسه يجد نفسه أمام quot;غصةquot; جديدة،وبالتالي فالتونسي لا يمكنه تجاوز هذه quot;الغصاتquot; من دون الوقوع تحت طائلة الاستدانة.