يستغرب التاجر كامل أحمد كيف استطاعت المرأة العراقية خلال بضع سنوات ترك بصمة واضحة في مجال الأعمال الحرة ضمن القطاع الخاص. وعدا الوظيفة، التي هيمنت المرأة على بعض من مرافقها، فإن وصول المرأة إلى أدوار في الأعمال الحرة لم يشهده العراق من قبل بهذه الكثافة التي هي عليها اليوم.


عراقيات مهندسات ونساء أعمال

وسيم باسم من بغداد: تبيع أم حاتم الفاكهة والخضر إلى جانب نحو ست نساء في علاوي الحلة مركز محافظة بابل (100 كم جنوب بغداد). ويحدث المنوال نفسه في كل مدن العراق، ففي سوق البياع في بغداد فإن نحو عشر نساء يدرن محال البقالة، وضعف العدد تجده في أسواق جميلة والشعب ومدينة الصدر في بغداد.

تقول أم حاتم إن دور المرأة يزداد مع تحسن المستوى المعيشي ورغبة المرأة في الحصول على قدر جيد من الدخل. ورغم صعوبة العمل، إلا أنها راضية عن أرباحها التي تستثمرها على بيتها وأولادها الأربعة. وتأمل أم حاتم أن ينهي ابنها حاتم دراسته الجامعية خلال السنة المقبلة، وأن يحصل على وظيفة، عندئذ فإنها ستشعر بأن واجبها انتهى، وبأن عليها أن تستريح.

تجارة الذهب
في مدينة النجف ( 160 كم جنوب بغداد) تدير أم سليم متجر مصوغات ذهبية يشهد إقبالاً جيدًا من قبل الزبائن. وتقول أم سليم إن نحو عشر نساء على الأقل يعملن في تجارة الذهب في النجف وحدها، وربما زاد العدد كثيرًا عن هذا في مناطق أخرى في المحافظة. ولا ترى أم سليم أية صعوبات في دخول المرأة مجال الأعمال الحرة إذا امتلكت العقلية التجارية التي تمكنها من تحقيق أرباح من المشروع.

وفي مدينة بابل، تدير أم حيدر أيضًا متجرًا للمصوغات الذهبية، كما تتقن تقنيات الصياغة. مهنة أخرى احتكرتها المرأة العراقية بصورة شبه كلية، وهي مهنة صالونات التجميل والحلاقة.

وتقول أم زينب في بابل إنها تدير الآن ثلاثة صالونات تجميل، اثنان في بغداد، وآخر في بابل، تضم عشرًا من العاملات اللواتي يعملن تحت إشرافها. وتعتقد أم زينب أن المرأة العراقية لا تقلّ جرأة وقدرة من الرجل في إدارة الأعمال بصورة ناجحة.

وتتابع: كان عمل المرأة العراقية في السنين الماضية ينحصر في الوظيفة فحسب، إذ تجد المرأة نفسها سعيدة إذا ما توظفت في بنك، أو مستشفى أو في المدرسة أو كطبيبة. أما الآن فإن الأعمال الحرة فتدخلها المرأة بقوة. وتضيف: أكثرية الأعمال الخاصة توفر مدخولاً شهريًا يعادل أضعاف الرواتب الحكومية.

إحصائيات
بحسب وزيرة الدولة لشؤون المرأة ابتهال الزيدي فإن ارتفاع نسب البطالة والأمية بين النساء أدى إلى ظهور مصطلح (تأنيث الفقر). وتشير إحصائيات إلى أن الفقر في العراق أكثر انتشاراً بين النساء، وفرص الحصول على العمل لديهن أقل مقارنة بالرجال، حيث تشكل نسبة النساء نحو 54.6 في المئة من إجمالي الفئة المنتجة، لكنّ مشاركتهن في النشاط الاقتصادي لا تتجاوز نسبة 18 في المئة مقابل 74 في المئة للرجال. والمهنة الجديدة الأخرى التي دخلتها المرأة العراقية هي مهنة القيادة (التاكسي).

وبحسب أمينة حسن (أم مريم)، وهي سائقة تاكسي في بغداد، فإن نحو عشرين امرأة تعرفهن يعملن كسائقات تاكسي في بغداد. وتؤكد أمينة أن عمل المرأة في مجال النقل عمل ناجح، رغم أنها مهنة ليست عريقة بالنسبة إلى المرأة في العراق. تحصل أم مريم على دخل جيد يوميًا يشجّعها على توسيع عملها، وتأسيس شركة تاكسي، تتألف من عدد من السيارات تحت قيادة نساء سائقات يعملن معها.

وتصرح أم مريم: في العام المقبل سيكون بإمكان نساء العراق تعلم القيادة في مدرسة قيادة أنوي افتتاحها بعدما أكملت تقريبًا الإجراءات الرسمية بشأن ذلك.

لكن ليلى حنا، التي تعمل لحسابها في مجال تعليم رقص الباليه، تقول إنها افتتحت صالة لتعليم رقص الباليه والموسيقى، حيث تنوي توسيعها بعدما استتب الوضع الأمني، وانحسرت التدخلات في الشؤون الشخصية للمواطن. وتأمل ليلى أن يتحسن الوضع الأمني والخدمات أكثر لكي يصبح بإمكان المرأة أن تعبّر عن نفسها بحرية وأمان.

السيطرة الذكورية والبيروقراطية
بالنسبة إلى علياء أحمد (45 عامًا)، فإن إدارتها لـ(سوبر ماركت) بنجاح في الكرادة، تشجّعها على افتتاح متجر آخر في القريب العاجل في منطقة أخرى في بغداد. وتخرجت علياء من الجامعة المستنصرية عام 1988، قسم اللغة العربية، لكنها فضلت العمل الحر على الوظيفة.

الناشطة النسوية حسناء جابر تنبّه إلى أن المرأة العراقية شأنها شأن النساء في الكثير من بلدان العالم الثالث، مازالت تعاني القيود التي تفرضها العادات والتقاليد، والتي تقف حائلاً دون ممارستها الكثير من الأعمال، كما إن القيود البيروقراطية الخاصة والنظرة الفوقية للرجل تفرض تحديات خاصة على المرأة.

من المجالات التي اقتحمتها المرأة العراقية ونجحت فيها، مجال الإعلام، إذ برزت على مدى السنوات الماضية إعلاميات عراقيات ناجحات، صرن يشكلن رقمًا مهمًا في الميديا الفضائية والمواقع الالكترونية والصحف والمجلات العراقية.

تقول الصحافية نجلاء عبد الرسول إنها تعمل مراسلة لأكثر من صحيفة محلية، واستطاعت بنجاح تسليط الضوء على الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وتعتقد نجلاء أن أفضل قطاع نجحت فيه المرأة العراقية بعد عام 2003 هو قطاع الإعلام.

لكن نجلاء تعترف بأن هناك الكثير من القضايا التي يمكن للمرأة الإعلامية معالجتها، إلا أن سيطرة الرجل تحول دون ذلك، لأن الثقافة الاجتماعية مازالت تقف إلى جانب الرجل، وتنحاز إلى أفكاره التسلطية في بعض الأحيان. وتشير الصحافية نجلاء من بابل إلى أن المرأة العراقية تتقدم باضطراد، لكن بخطوات بطيئة.

سلك الشرطة والأمن
الباحثة الاجتماعية تماضر شياع، والتي عملت في منظمات المجتمع المدني منذ عام 2004، ترى أن الفرص تتحسن أمام المرأة في ظل تحسن المستوى الاقتصادي، لكنها بحاجة إلى المزيد من الدعم.

تأمل الشرطية زينب جعفر أن تتغير نظرة المجتمع لدور المرأة فيه، إذ إن ذلك سيشجّع الكثير من النساء على الانخراط في سلك الشرطة والأمن، إذ يعدّ ذلك السلك مهنة مستحدثة جديدة، لاقت قبولاً من قبل النساء منذ عام 2003. وتعمل زينب إلى جانب نحو خمسين شرطية يتوزعن في مراكز الشرطة في بغداد.

وتعتقد سحر الخفاجي، التي نجحت كسيدة أعمال تستورد البضائع من الصين وجنوب شرق آسيا، أن البعض لا يزال لا يستوعب أن تكون المرأة سيدة أعمال. جانب آخر نجحت فيه المرأة، هو المقاهي والمطاعم، إذ عملت مديرة ونادلة في تلك الأماكن.

تثني كوثر جاسم على عملها كنادلة في أحد مطاعم بغداد الراقية في الكرادة، إذ نجحت في عملها، ونالت استحسان حتى الرجال على المهنة التي اختارتها. في بعض مراكز اللياقة البدنية، فإن دور النساء بدا دورًا رئيسًا، حيث يتلخص عملها في تدريب النساء على التمارين الرياضية، وإتاحة المجال لهن للاسترخاء والحوار مع بقية النساء.

ومنذ عقد من الزمن، ازدهرت مشاركة المرأة في سوق العمل، بفعل الحاجة التي تزامنت مع الازدهار الاقتصادي. وبحسب تقارير البنك الدولي فإن توزيع العمالة غير متكافئ بين الرجال والنساء في الشرق الأوسط.

لكن الباحث الاقتصادي أحمد الهاشمي يؤكد ارتفاع مستويات النساء العاملات في مجال التعليم، لاسيما التعليم الجامعي. ويتوقع الهاشمي أن تزداد نسبة المشاركة النسائية في القطاع الجامعي إلى نحو الأربعين في المئة إذا ما استمر التطور على هذا النحو.