يترقب المصريون قرار البنك المركزي بتحرير سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار، وهو المصطلح المعروف إعلاميًا وشعبيًا بـ"تعويم الجنيه". وارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه إلى 13.75 جنيهًا، بعدما كان 12.75 جنيهًا في الأسبوع الماضي، بينما لا يزال السعر يقف عن حد 8.88 جنيهات في البنوك، أي بفارق يصل إلى أربعة جنيهات.

إيلاف من القاهرة: رسميًا وشعبيًا، يترقب المصريون إصدار البنك المركزي قرارًا وشيكًا بخفض سعر الجنيه مقابل الدولار، لاسيما مع اقتراب تقديم البنك الدولي دفعة أخرى من القرض، البالغة قيمته 12 مليار دولار.

زادت التوقعات بإصدار قرار تخفيض قيمة الجنيه، بعدما عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتماعًا مع محافظ البنك المركزي الدكتور طارق عامر، يوم السبت الماضي. 

دعم ألماني
وقال السفير علاء يوسف المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، إن محافظ البنك المركزي عرض خلال اللقاء نتائج المباحثات التي أجراها أخيرًا في ألمانيا لتعزيز التعاون بين البلدين في المجالات المالية والنقدية، ودعم الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه بين مصر وصندوق النقد الدولي، حيث أكد الجانب الألماني دعمه الكامل لجهود البنك المركزي والحكومة في تنفيذ برنامج الإصلاح النقدي والمالي.

أضاف أن محافظ البنك المركزي أوضح خلال الاجتماع أن الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه بين مصر وصندوق النقد الدولي يسير وفقًا لما هو مخطط له تمهيدًا لإقراره من جانب مجلس إدارة الصندوق.

وشدد الرئيس السيسي على أهمية اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمواصلة خفض الدين العام وزيادة الاحتياطي النقدي، مع ضرورة مراعاة محدودي الدخل والفئات الأولى بالرعاية وعدم تأثرهم بأي إجراءات إصلاحية يتم اتخاذها.

واعتبر الخبراء أن هذا اللقاء جاء لترتيب عملية تخفيض الجنيه مقابل الدولار، تنفيذًا لشروط البنك الدولي. وارتفع سعر الدولار في السوق السوداء عقب هذا الاجتماع، ويتراوح السعر ما بين 13.65 و13.75 جنيهًا، بعدما كان يتراوح ما بين 12.50 و12.75 جنيهًا، بينما ظل السعر ثابتًا رسميًا عند حد 8.88 جنيهات في البنوك.

جزئي أو كلي
ووفقًا للدكتور محمد عادل، الخبير الاقتصادي، فإنه لا مفر من "تعويم الجنيه" كليًا أو جزئيًا، مشيرًا إلى أن البنك الدولي وضع حزمة من الشروط لمنح مصر القرض بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث سنوات.

وأوضح لـ"إيلاف" أن الشروط الأهم هي تحرير سعر صرف العملة المحلية، بما يقترب من السعر المعادل لها، موضحًا أن الحكومة أمام سيناريوهين، لا ثالث لهما، إما "التعويم الجزئي" أو "التعويم الكلي".

وذكر أن "التعويم الجزئي" يتمثل في تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار، ليقترب من السعر في السوق السوداء، متوقعًا أن تخفض الحكومة السعر ليصل إلى 10.50 جنيهات أو 11.50 جنيهًا، معتبرًا أن هذا السيناريو هو الأقرب للتنفيذ في المرحلة الراهنة، حتى لا يترك آثارًا كارثية على السوق المصرية.

ولفت إلى أن "التعويم الكلي" يتطلب تحرير سعر الجنيه مقابل الدولار، ويعني عدم تدخل الحكومة في تحديد السعر مطلقًا، وتترك العملية لمبدأ العرض والطلب، على أن تتدخل في حالات الضرورة القصوى.

لمنع "الدولرة"
في السياق عينه، توقع بنك الاستثمار "أرقام كابيتال" أن يتخذ البنك المركزي المصري قرارًا بخفض السعر الرسمي للجنيه أمام الدولار إلى 12 جنيهًا للدولار الواحد على الأقل.

وأضاف البنك في تقرير له أن "تخفيض قيمة العملة قد يحدث قريبًا، ويحتمل أن يتخذ القرار قبل أو بعد اجتماعات مجلس صندوق النقد الدولي"، (التي تبدأ يوم 7 أكتوبر، وتنتهي في 9 من الشهر نفسه)، معتبرًا أن هذه الخطوة مهمة في إطار حزمة الإصلاحات الهيكلية والإغاثة للاقتصاد بكامله.

وتوقع البنك أن تنجح الحكومة في خطوتها تلك شرط منح عائد مجز لحائزي العملة المحلية؛ لمنع توجه المواطنين إلى"الدولرة"، أي تحويل أموالهم إلى الدولار والقضاء على المتلاعبين في السوق الموازية، مشيرًا إلى أن القرار الأول يزيد من أعباء الموازنة؛ حيث يزيد من تكلفة الدين المحلي.

جمع تعويمين
كما توقع البنك أن "يتجه المركزي إلى رفع قيمة العائد على الجنيه في البنوك بنسبة تتراوح بين 1 إلى 3%؛ إلا أن هذا القرار لن يتخذه البنك إلا بعد قرار خفض العملة، وهو ما يتضح من عدم إقدام المركزي على اتخاذ أي قرار في اجتماع لجنة السياسات النقدية الأخير الخميس قبل الماضي". ولفت التقرير إلى أن قرار رفع الفائدة بـ1% يكلف ميزانية الدولة ما يتراوح بين 18 إلى 20 مليار جنيه. 

وأشار بنك "أرقام كابيتال" إلى أن الحكومة من المتوقع أن تجمع بين التعويم المدار، الذي يحدد فيه المركزي السعر الجديد للجنيه مقابل الدولار، والتعويم الحر الذي لا يتدخل فيه مطلقًا لتحديد سعر الصرف، وذلك وفقًا لما تتوافر للبنك المركزي من عملة أجنبية.

ونبه التقرير إلى أن التعويم المدار سيتيح التحكم في أسعار السلع، خاصة أن مصر مستورد صاف للعديد من السلع، والمواد الخام والاحتياجات، مشيرًا إلى أن على المركزي أن يوفر عملة أجنبية لتغطية احتياجات المستوردين.

وأفاد أن الحكومة تحصل على ما يتراوح ما بين 5 إلى 6 مليارات دولار من شركاء التنمية، مشيرًا إلى أن البنك تمكن من الحصول على تمويلات أجنبية في الأسابيع الأخيرة، ويتوقع أن يحصل على مليارات أخرى من مؤسسات دولية. وحصلت مصر على مليار دولار من البنك الدولي، و500 مليون دولار من بنك التنمية الأفريقي، ومن المتوقع أن تحصل على وديعة من السعودية بقيمة ملياري دولار.

خيبة أمل
وأعلن البنك المركزي ارتفاع الاحتياطي الأجنبي إلى 19.5 مليار دولار، بعدما كان 16.5 مليار دولار، ما عزز من التوقعات بـ"تعويم الجنيه". وبينما تسعى الحكومة المصرية إلى دعم الاقتصاد عبر إجراء إصلاحات مؤلمة، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في مصر عند 4% في العام المالي 2016/2017 بدلًا من 4.3%، كان قد توقعها في العام الماضي نموًا للعام المالي نفسه.

وتوقع الصندوق في تقرير له، صدر على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي، انخفاضًا في معدل النمو للاقتصاد المصري في العام المالي المقبل 2016/2017 لتستقر عند 4%، بدلًا من 4.3%، بينما توقع ارتفاعًا في حساب المعاملات الجارية ليصل إلى 5.8% من إجمالي الناتج المحلي، مقابل 3.8% في نهاية العام المالي الحالي.

تأتي هذه التوقعات لتمثل ضربة إلى آمال الحكومة المصرية، التي تستهدف تحقيق نمو بنسبة 4.4% في نهاية العام المالي، و5.2% في مشروع الموازنة 2016/2017.

هبوط التضخم
في ما يتعلق بالتضخم، توقع صندوق النقد انخفاض معدل التضخم إلى 10.2% في 2015/2016، مقابل 11% في 2014/2015، على أن يصل إلى 18.2% بنهاية 2016/2017، بينما تتوقع الحكومة المصرية انخفاض التضخم إلى 11.5% في نهاية 2016/2017.

يذكر أن مصر سبق أن اتخذت قرارًا بـ"تعويم الجنيه" في العام 2003 في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار بنحو 100%. وقفز سعر الدولار في حينها من 3.40 جنيهات إلى سبعة جنيهات، ثم عاود الهبوط، واستقر عند حد الستة جنيهات.