تحظى المشاريع متناهية الصغر بانتشار واسع وكبير في السعودية، حيث تقدر نسبتها بـ 45% من إجمالي المنشآت العاملة في المملكة، إلا أن مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي لا يتعدى الـ 20% بحسب رؤية السعودية 2030، وهو ما وضع المملكة في مرتبة متأخرة في مستوى نمو الإقراض للمشاريع متناهية الصغر، مقارنة بالنسب التي حققتها دول أخرى في الشرق الأوسط. 

إيلاف من الرياض: محل لبيع العطور أو معرض لبيع أكسسوارات الجوال أو مصنع لأكياس البلاستيك، كلها نماذج لمشروعات تحتاج رؤوس أموال محدودة، ولا يزيد عدد العاملين فيها على ثلاثة أشخاص، وهي تدخل ضمن المشاريع المتناهية في الصغر، وفقًا للتعريف المالي المتداول في السعودية، والمعتمد على رأس المال المحدود، البالغ أقل من 100 ألف ريال، أو عدد العاملين الذي لا يزيد على خمسة.

أسباب التعثر 
تعود هذه المرتبة المتأخرة إلى أسباب متعددة، منها تعقيد الإجراءات النظامية والإدارية وبطؤها، فضلًا عن صعوبة الحصول على التمويل، بحجة عدم وجود الضمانات الكافية، وهو العامل الأبرز، بحسب الباحث الاقتصادي عصام جميل، الذي أوضح في حديثه لـ"إيلاف"، أنه على الرغم من وجود جهات تمويلية متعددة لأصحاب المشاريع المتناهية في الصغر، ما بين بنوك ومؤسسات تمويل حكومية وخاصة، إلا أن القطاع يعاني ضعف التمويل، الذي يكون مرهونًا بشروط لا يستطيع أصحاب المشاريع تحقيقها، ما يجعل حظه من القروض محدودًا.

وأشار جميل إلى أن الحكومة السعودية وضعت منذ سنوات أولوية واضحة في تمويل وبناء قدرات المشروعات المتناهية في الصغر، وهو ما أدى إلى خلق مؤسسات حكومية وغير حكومية تمويلية عدة، تستهدف شرائح عديدة من المجتمع لتوفير التمويل اللازم ضمن شروط مناسبة ومريحة، إلا أن الواقع يختلف من حيث نوعية الخدمة والسرعة فيها، فضلًا عن أن بعضها يقدم تمويلًا نمطيًا وتقليديًا، يتمثل في توفير قروض، ويفتقر إلى الإبداع في توفير منتجات خلاقة، تساعد أصحاب المشاريع، وتضمن لهم السداد والاستمرارية.

سوق التمويل
في جولة سريعة على السوق التمويلية في السعودية للمشاريع المتناهية في الصغر، يظهر تنوع كبير من ناحية ملكية المؤسسات التمويلية والمستهدفين، فهناك مؤسسات حكومية وشبه حكومية ومؤسسات أهلية، تقدم مصادر تمويل متنوعة، يأتي في مقدمها البنوك، حيث توجد سبعة بنوك محلية من أصل 12 بنكا، تقدم تسهيلات تمويلية إلى أصحاب المشاريع، تختلف شروطها من بنك إلى آخر. 

في ما يتعلق بمؤسسات التمويل الحكومية هناك 5 جهات، أكبرها وأقواها برنامج "كفالة"، والذي يقدم قروضًا للمشاريع حتى 2 مليون ريال، ثم "صندوق التنمية الزراعي" المتخصص في تمويل زراعة المحاصيل، ثم "الهيئة العامة للسياحة"، والمتخصصة في دعم المشاريع السياحية، ثم برنامج "بادر"، التابع لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، والذي يستهدف تطوير الأعمال التقنية، وأخيرًا "صندوق المئوية"، والذي تأسس بمناسبة مرور مائة عام على توحيد السعودية، وهو صندوق يعنى بتمويل مشاريع الشباب.

كما يمتلك القطاع الأهلي والخاص، خمس مؤسسات تمويل مهتمة بالمشاريع المتناهية في الصغر، وهي "برنامج عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع" و"صندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز لتنمية المرأة" و"مركز جنى لبناء الأسرة المنتجة" و"صندوق غرفة الشرقية لدعم المنشآت الصغيرة" و"مركز عبدالله الحمد الزامل لخدمة المجتمع". هذا وتعمل هذه المؤسسات على التمكين الاقتصادي للشباب عبر مساعدتهم على إقامة مشروعات اقتصادية.

كما توجد مؤسسات تمويل حكومية وأهلية، تقوم بتمويل المشاريع المتناهية في الصغر عبر المساهمة في الاستشارات والتدريب والتأهيل أو الإرشاد للمساعدة على الحصول على تمويل، وهي "صندوق ريادة"، الذي أُسس بمبادرة من وزارة البترول والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، و"الصندوق الخيري الوطني" و"صندوق تنمية الموارد البشرية"، وهي مؤسسات تعمل على تقديم الاستشارات والتدريب إلى الكوادر الشابة، وتوجد أيضًا "مؤسسة عقال"، واسمها اختصار لعقول وأموال، وهي تقوم بالربط بين الشباب ذوي الأفكار والتجار، بهدف تكوين مشاريع اقتصادية.

خجول وانتقائي
يقول عادل الشهري، عضو لجنة شباب الأعمال، إنه على الرغم من وجود عدد كبير من البنوك في مسار تمويل المشاريع المتناهية في الصغر، إلا أنها لا تزال خجولة وانتقائية، وهي تعلل إجراءها بأن مخاطر هذه المشاريع مرتفعة جدًا، بسبب طبيعة تكوينها، حيث تقوم غالبًا على إدارة شخص واحد، فضلًا عن ضعف الخبرات العلمية والمهنية لأصحابها. 

وأشار في حديثه لـ"إيلاف" إلى أن غالبية البنوك تتحجج بعدم قدرة واهتمام الكثير من القائمين على هذه المشروعات بإعداد دراسات جدوى سليمة ملتزمة بالمعايير العلمية والمهنية، تمكنهم من مواكبة السوق ومتغيراتها، وبالتالي لا تقبل البنوك التجارية بتمويل هذه المشروعات. 

وأوضح الشهري أن ضعف التمويل من قبل البنوك يمثل عائقًا في دعم مشاريع الشباب، مبينًا أن البنوك مطالبة بأن تتحلى بالشجاعة الكافية من منظور المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، وأن لا تتعامل في تمويل هذه المشاريع بالمعايير نفسها التي تستخدمها في المشروعات الكبرى من جهة مبالغتها في طلب الضمانات، وميلها إلى المنتجات ذات المخاطرة الصفرية. 

معرض لمنشآت سعودية

ولفت إلى أن تمويل المشاريع المتناهية في الصغر هو تمويل اجتماعي بطبعه، وبالتالي لا بد أن يدار بروح اجتماعية وبعد إنساني، وأن تتحمل البنوك جزءًا من ضريبة دعم المشروعات الصغيرة، حتى تتماشى مع الأهداف التي قامت من أجلها هذه الأقسام في البنوك، وهي المساهمة في التنمية وبناء الإنسان والمجتمع.

تكرار الأفكار
من جهته قال الخبير الاقتصادي الدكتور نبيل عباس إن اللوم لا يأتي على جهة البنوك ومصادر التمويل وحدها، بل أيضًا ينال الشباب نصيبًا من اللوم، فالمشاريع المقدمة من قبلهم هي مشاريع نمطية وتقليدية، ولا تتجاوز ما هو معروف، وبالتالي لا تقابل بحماسة من طرف المؤسسات المالية. 

وأشار في حديثه لـ"إيلاف" إلى أنه من الأهمية بمكان إكساب الشباب الخبرة المبدئية من خلال إلحاقهم بالسوق لقياسها ومعرفة حجم الطلب والعرض، وهذا يتطلب منظومة من شأنها خلق تناسق وتناغم في العملية التمويلية لنتجنب الإهدار في المصادر والوقت والجهد وتحقيقًا للأهداف المرجوة. 

وأوضح عباس أنه من هنا برزت أهمية إنشاء "الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة"، التي يتوقع أن تكون المظلة الأم، من حيث الشرائح المستهدفة والتكاملية في الحلول المقدمة بناء على دراسة شمولية للحاجات التمويلية بعيدًا عن الجهود المبعثرة، حيث يمكن أن تكون هذه الهيئة الوعاء للتدفقات المالية من الجهات التمويلية والمانحة، سواء منح أو قروض لدعم قطاع أو شريحة معينة، وبالتالي استغلال بنية تحتية وشبكة جيدة من دون كلفة إنشاء نظام جديد، بهدف الاستغلال الأمثل للموارد وتحقيق الأهداف.

الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة
هذا وكان مجلس الوزراء السعودي قد وافق في أغسطس الماضي على تشكيل هيئة حكومية جديدة، سمّيت بـ"الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة" يترأسها وزير التجارة والاستثمار، وتضم في عضويتها 13 وزارة ومؤسسة حكومية، فضلًا عن ممثلين للقطاع الخاص. 

وتأتي الهيئة الجديدة ضمن رؤية السعودية 2030، التي خصصت بندًا لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسّطة والأسر المنتجة، حيث تضمنت الرؤية المستقبلية زيادة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من 20% إلى 35%. 

وقال عباس إن المؤمل من الهيئة الجديدة أن لا يقتصر دورها على تقديم الخدمات المالية، بل يتعدى إلى تقديم خدمات غير مالية مثل بناء القدرات والتدريب وتقديم دراسات الجدوى وفتح الأسواق، لاسيما أن التحديات الحالية بحاجة إلى الإبداع في التعامل مع المشروعات متناهية الصغر بهدف تعزيز الأثر والجهد الكبير المبذول، ومن هنا تبرز ضرورة وجود أدوار متنوعة تعنى بالتمويل من ناحية لوجستية وعملية وتمويلية وبناء التنسيق والتكامل ما بين الجهود كافة.