وقعت تركيا وروسيا الاثنين اتفاقا لبناء خط الأنابيب "تورك ستريم" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر البحر الأسود، فيما تعهد الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان بتعزيز العلاقات بين بلديهما بعد جفاء.

إيلاف من إسطنبول: بعد أزمة استمرت اشهرًا بين البلدين اثر اسقاط الطيران التركي مقاتلة روسية في نوفمبر الماضي على الحدود السورية، قال بوتين إنه يمكن للبلدين العودة الآن إلى التعاون في كل المناطق.

وردا على اسقاط المقاتلة الروسية، فرضت موسكو سلسلة عقوبات اقتصادية على تركيا منها منع رحلات الشارتر الى البلاد. وادى ذلك الى تراجع عدد السياح الروس الى تركيا بنسبة 83% خلال عام وفقا لارقام رسمية تركية. وتبادل الرجلان طوال الفترة الماضية الاتهامات. لكن هذا اللقاء كان الثالث للرئيسين بعد اتفاق تطبيع العلاقات بين بلديهما في يونيو.

وقال أردوغان "لديّ ثقة كاملة في أن عملية التطبيع بين تركيا وروسيا ستتواصل بسرعة". ولإظهار أنه لم يعد من وجود للعداء الشخصي بينهما، شكر بوتين أردوغان على "الاهتمام الذي كرّسه لتطوير العلاقات التركية الروسية".

ووقع البلدان على اتفاق لبناء خط ألانابيب "تورك ستريم" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر البحر الأسود. وقع الاتفاقية وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك ونظيره التركي بيرات البيرق، بحضور بوتين وأردوغان عقب محادثاتهما في اسطنبول.

قبيل التوقيع، قال الرئيس التنفيذي لعملاق النفط الروسي "غاز بروم" ألكسي ميلر إن الاتفاق يمهد لبناء خطي أنابيب عبر البحر الأسود. ومن المقرر أن تكون قدرة الضخ السنوية لكل خط 15,75 مليار متر مكعب من الغاز، ما يعني ضخ أكثر من 30 مليار متر مكعب. وأشار ميلر إلى أن الاتفاقية تهدف لبناء الخطين بحلول العام 2019. وبحسب ميلر، فإن الخط الأول سيستخدم لنقل الغاز إلى المستهلكين الأتراك، فيما يصل الخط الثاني إلى أوروبا.

عملية تضميد الجراح
كشف عن هذا المشروع الاستراتيجي في نهاية 2014 في الوقت الذي تم التخلي، في خضم الازمة الاوكرانية، عن مشروع ساوثستريم في البحر الاسود الذي يعرقله الاتحاد الاوروبي.

وقال الرئيس التركي في كلمته امام المؤتمر ان "الدراسات اظهرت ان المسار التركي هو الاكثر ربحًا والاكثر توفيرا لنقل" الغاز داعيًا شريكه الروسي الى "مواصلة هذا المشروع الرئيس". ورغم الطموحات المعلنة يشكك المحللون في ربحية المشروع وعملية انجازه لان اعمال التشييد لم تبدأ بعد.

قال اندرو نيف المحلل لدى "آي اتش اس اينرجي" لوكالة فرانس برس ان "عملية تضميد الجراح بدأت، وطوى كل جانب صفحة الاشهر الـ10 الماضية الصعبة للتركيز على بعض المجالات كالطاقة، حيث للبلدين مصلحة متبادلة للتعاون".

اضاف ان اردوغان يعرض على ان يكون تعاونه مع روسيا مؤشرًا الى حلفاء انقرة الغربيين إلى ان تركيا لا تزال قادرة على التحكم بمصيرها بنفسها بعدما شعرت بخذلان الولايات المتحدة واوروبا لها عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة.

وقال نيف ان "تورك ستريم اقرب الى الحلم من خط انابيب فعلي، ورغم استئناف العلاقات السياسية والتجارية لا نزال عند نقطة الانطلاق" مؤكدا ان الهدف الاولي بتأمين اولى الامدادات في 2017 "طموح مبالغ فيه" في هذه المرحلة.

في هذا الاطار، وخلال اللقاء الاخير بينهما على هامش مجموعة العشرين في الصين في مطلع سبتمبر، وعد الرئيس التركي نظيره الروسي بان مشروع تورك ستريم سينجز "في اسرع وقت ممكن". التقدم الوحيد الممكن بين البلدين هو استئناف الروس العمل في ورشة اول محطة نووية تركية في اكويو (جنوب البلاد). وهذه المحطة تقدر كلفتها بـ18 مليار يورو (20 مليار دولار) واراد اردوغان تشييدها لجعل تركيا التي لا تملك النفط، اكثر استقلالية من ناحية الطاقة. واوضح اردوغان ان "الهدف هو ان ياتي 10% من انتاج الكهرباء من المحطة النووية".

مساعدات إلى حلب
ورغم التقارب الاخير بينهما لا تزال هناك خلافات بين موسكو وانقرة في الملف السوري، فروسيا حليفة نظام الرئيس بشار الاسد في حين تدعم تركيا المعارضة التي تسعى الى الاطاحة بالاسد.

لكن تركيا، التي كانت تندد قبل أشهر بارتكاب روسيا جرائم حرب في سوريا، خفضت بشكل ملحوظ من نبرتها حيال هجوم النظام السوري على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في حلب في الأسابيع الأخيرة، مع التحسن المؤقت للعلاقات مع موسكو.

الدليل على هذه البراغماتية ان تركيا وروسيا تطمحان الى تعزيز مبادلاتهما الاقتصادية لرفعها الى 100 مليار دولار سنويا. وفي كلمته أمام المؤتمر العالمي للطاقة قبل محادثاتهما الثنائية، شكا أردوغان من أن طفلا في حلب "لا يرى إلا القنابل التي أسقطتها المروحيات والطائرات التي تستهدفهم"، ولكنه لم يشر إلى أي من روسيا أو نظام الأسد.

واتفق الرئيسان على العمل معا لضمان وصول المساعدات إلى مدينة حلب السورية. ولم يذكرا خلافاتهما حول النزاع السوري. وقال بوتين إن "روسيا وتركيا على حد سواء تدعمان وضع حد لإراقة الدماء في سوريا في أسرع وقت ممكن".

وأضاف "لدينا موقف مشترك بأن علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب. والمسألة هي فقط ضمان أمن تلك الشحنات".