عبد الاله مجيد: تكلل دخول السعودية سوق القروض الدولية أول مرة بنجاح. فعدد المشترين من اصدارها سندات بقيمة 17.5 مليار دولار كان اربعة أمثال العدد المطلوب، متخطية كل المعايير السابقة لاكتتابات الأسواق الناشئة. واتفق المحللون على أن هذا الاقبال تزكية لخطة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الرامية إلى إنهاء اعتماد المملكة على النفط، والتقدم نحو بناء اقتصاد متوازن مدفوع بالمعرفة والتطور التقني. 

عاصفة تحديات

تستعد الرياض لمواجهة عاصفة من التحديات الاقتصادية. فهبوط أسعار النفط في خلال العامين الماضيين أوجد عجزًا في الميزانية بلغ 98 مليار دولار في العام الماضي، ويُقدر أن يبلغ 87 مليار دولار في عام 2016. 

تعين على المملكة أن تلجأ إلى احتياطاتها النقدية التي انخفضت من 732 مليار دولار في نهاية 2014 إلى 562 مليار دولار في اكتوبر هذا العام. 

وإزاء هذا الوضع، اتخذت المملكة اجراءات تقشفية بينها خفض رواتب بعض الدرجات الوظيفية والغاء الدعم عن عدد من السلع فيما شهدت الأشهر القليلة الماضية خفض الانفاق الرأسمالي بنسبة زادت على 70 في المئة. 

وكان وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي رفض دعوات اطلقتها دول في منظمة البلدان المصدرة للنفط "اوبك" إلى وضع سقف للانتاج من أجل رفع أسعار النفط. 

أهداف استراتيجية

استند النعيمي في رفضه إلى سببين للحفاظ على حصة السعودية في سوق النفط العالمية، هما عودة إيران إلى السوق النفطية بعد الاتفاق النووي ورفع العقوبات المفروضة عليها، وصناعة استخراج النفط الصخري في اميركا الشمالية التي تعتمد على عمليات تكسير مائية باهظة الكلفة. 

في هذه الأثناء، استعادت إيران حصتها من السوق النفطية بل ارتفع انتاجها من النفط إلى أعلى مستوياته منذ خمس سنوات، وهي تستخدم مواردها النفطية الجديدة لخدمة اهدافها الاستراتيجية في المنطقة. ويحاول السعوديون الآن إقناع الإيرانيين بالموافقة على خفض الانتاج عندما تجتمع اوبك في 30 نوفمبر، والايرانيون (ومعهم العراقيون) هم الذين يرفضون خفض الانتاج بعدما كانت المملكة هي التي ترفض. 

على الرغم من الخسائر التي تكبدتها شركات انتاج النفط الصخري في اميركا الشمالية نتيجة السياسة النفطية السعودية لطردها من السوق، فإن عودة أسعار النفط إلى الارتفاع ستمكن هذه الشركات من استئناف عملياتها الاستخراجية بنشاط. 

يتوقع كثير من الاقتصاديين أن تكون الإصلاحات الجذرية لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي مسألة وقت لا أكثر. فالنفط ثروة ناضبة في نهاية المطاف. ومع تغير اسواق الطاقة من عام إلى آخر، والحراك الذي يشهده الاقتصاد العالمي، أطلق الأمير محمد بن سلمان خطة لفتح الاقتصاد الوطني باستدراج الاستثمارات الأجنبية وتخفيف القيود الاجتماعية وتحويل المملكة إلى اقتصاد يقوم على المعرفة. ومن مرتكزات الخطة التي أُطلقت باسم "رؤية السعودية 2030"، بيع ما بين 1 و5 في المئة من شركة أرامكو السعودية، واستخدام العائد لاستحداث أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم.

يرى محللون أن التحدي الأول الذي يواجه "رؤية السعودية 2030" هو معالجة مشكلة البطالة، مشيرين إلى أن ثلثي سكان المملكة دون الثلاثين، والمطلوب توفير ثلاثة ملايين فرصة عمل جديدة بحلول عام 2020. وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب حاليًا 30 في المئة، بحسب شبكة بلومبرغ. 

برنامج أوسع

تراهن الحكومة على مكافحة الروتين والبيروقراطية لاجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية إلى الاستثمار في الاقتصاد السعودي، وبناء شراكة بين القطاعين العام والخاص لتشجيع المبادرات الاستثمارية. وتضع الرياض نصب عينيها تداعيات مثل هذه التحولات الجذرية في المجتمع للحفاظ على استقرار المملكة. 

بيع السندات خطوة واحدة في إطار برنامج أوسع. وفي عالم يتسم بهبوط المردود وتباطؤ النمو، فإن المستثمرين يبحثون دائمًا عن عائد مجزٍ. والسندات السعودية تعطيهم هذا العائد المجزي بسندات مستحقة بعد 5 و10 سنوات و30 سنة بأسعار فائدة قدرها 2.6 و3.41 و4.63 في المئة على التوالي. وتلقف المستثمرون هذه السندات مدركين حجم الاحتياطات النفطية الضخمة التي تملكها المملكة في باطن الأرض. 

يواجه الاقتصاد السعودي حاليًا تحديات بنيوية كبيرة. وباكتتاب ارامكو والمزيد من اصدار السندات في العام المقبل، فإن المستثمرين والنخبة العالمية يريدون أن تتكلل جهود الرياض بالنجاح. وفي هذا المناخ سيزداد استثمار المملكة في الانسان والاقتصاد.

أعدت "ايلاف" هذا الموضوع بتصرف عن موقع "بلوميبرغ"

المادة الأصل هنا