القاهرة: سيضطر المصريون الى تحمل عامين صعبين، بحسب تقديرات المحللين، بعد قراري حكومتهم الاخيرين بتحرير سعر صرف الجنيه، ما ادى الى انخفاض قيمته بأكثر من 50%، ورفع أسعار المحروقات الذي انعكس فورا على اسعار السلع في الاسواق.

ولمواجهة أزمة اقتصادية متنامية منذ 2011، تاريخ إسقاط الرئيس المصري السابق حسني مبارك، اعتمدت الحكومة المصرية برنامجا للاصلاح الاقتصادي قدمته الى صندوق النقد الدولي من اجل الحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، بعدما انخفضت احتياطات العملة الاجنبية لدى البنك المركزي الى قرابة 19 مليار دولار، وهو ما يغطي بالكاد واردات السلع الاساسية لمدة ثلاثة اشهر.

واعلن البنك المركزي الخميس انه قرر تحرير سعر صرف الجنيه في ظل ضغوط على الدولار كانت تهدد بوقف الاستيراد، ما ادى الى انخفاض سعر العملة الوطنية مقابل الدولار من 8.8 الى اكثر من 15 جنيها.

في اليوم نفسه، أعلنت الحكومة زيادة في أسعار المحروقات بنسبة 50% للوقود من درجة 80 اوكتان ليصل سعره الى 2.35 جنيها للتر الواحد، بينما ارتفع سعر الوقود من درجة 92 اوكتان بنسبة الثلث تقريبا ليصبح 3.5 جنيها للتر.

ويجمع المحللون على ان لا بديل من هذه الاجراءات التي قال الرئيس عبد الفتاح السيسي اكثر من مرة انها "صعبة لكن حتمية".
غير ان معارضي حكومة السيسي انتقدودها بشدة على وسائل التواصل الاجتماعي، متهمين الرئيس المصري بتبديد مليارات الدولارات من المساعدات التي حصلت عليها مصر من دول خليجية خلال العامين الماضيين في مشروعات لا جدوى اقتصادية لها مثل الفرع الجديد لقناة السويس ومشروع انشاء عاصمة ادارية جديدة يجري العمل عليه حاليا.

ويقول صديق محمد في محطة باص في القاهرة "كيف يمكننا ان نعيش بينما سعر كيلو السكر ارتفع من 4.5 جنيها الى عشرة جنيهات؟، فيما سعر الارز تضاعف ايضا". ويعمل صديق في فندق كبير وفي متجر لتأمين قوت عائلته. وبات يدفع شهريا مبالغ إضافية على المواصلات.

وتقول سمر (30 عاما) ان "الامر لا يقتصر على المواصلات. هناك الحاجات الاساسية مثل الزيت والسكر والارز.

مرحلة الغلاء الكبير
ويعتقد رئيس بنك الاستثمار "مالتيبل غروب" عمر الشنيطي ان "تزامن القرارين هو الذي سيخلق حالة من الغلاء الكبير"، متوقعا ان "تكسر معدلات التضخم حاجز الـ20%‏ او أقل بقليل خلال عام ونصف عام على الاقل".

يقول الاستاذ في الجامعة الاميركية في القاهرة عمرو عادلي ان "امام المصريين سنتين صعبتين" حتى تؤتى الاجراءات الاقتصادية ثمارها وتصبح السيطرة على التضخم وارتفاع الاسعار ممكنة، "وتتحسن المؤشرات الكلية للاقتصاد".

وبحسب عادلي، فإن إجراءات التقشف الاخيرة "سيكون لها تأثيران مباشران على مدى عام او عامين، إذ ستؤدي الى تعميق الاثر الانكماشي لازمة نقص العملة الاجنبية الذي يعاني منه الاقتصاد بالفعل منذ عام ونصف عام، والذي ادى الى تباطؤ الانتاج بسبب ارتفاع كلفة" السلع المستوردة.

يتابع "اما الاثر الثاني فسيكون زيادة جديدة في التضخم نتيجة رفع اسعار الوقود"، مضيفا ان طرح مصارف وطنية، مثل البنك الاهلي، شهادات ادخار بعائد 20% لمدة عام ونصف عام يعد "مؤشرا إلى نسبة التضخم المتوقعة".

وشهدت اسعار الخضر والفاكهة ارتفاعا كبيرا. ونقلت صحيفة "المال" عن رئيس شعبة الخضر والفاكهة في اتحاد الغرف التجارية المصرية يحيى السني قوله ان "اسعار النقل ارتفعت بنسب تتراوح بين 30% و40%" بعد زيادة سعر الوقود"، معتبرا ان "ارتفاع كلفة النقل من الاسواق المركزية الى اسواق التجزئة ستؤدي الى زيادة سعر بيع الخضر والفاكهة للمستهلك".

وشهدت البلاد التي يعيش ثلث سكانها التسعين مليونا تحت خط الفقر، أخيرا نقصا في مواد غذائية عدة مثل حليب الاطفال والسكر والزيت، وحتى الادوية.

ويعتقد رئيس مركز البحوث الاقتصادية "سغنت" انغوس بلير ان "الفرد المتوسط في مصر لا يكسب كثيرا من المال وكلفة المعيشة ستزداد مجددا خلال فترة وجيزة بعد تحرير سعر صرف الجنيه".

ويضيف ان "التأثير على المصريين كان بدأ بالفعل خلال الفترة الاخيرة بسبب الارتفاع السريع في سعر العملات الاجنبية في السوق السوداء".

تهدئة حكومية
لامتصاص غضب المصريين خصوصا من الطبقات الفقيرة والشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة، اعلنت الحكومة الجمعة منح علاوة للعاملين في الدولة (قرابة ستة ملايين مصري) بنسبة 7% بأثر رجعي من يوليو الماضي.

كما اعلنت رفع الحد الادنى للمعاش الى 500 جنيه شهريا (33 دولارا)، وزيادة عدد المستفيدين من برنامج +تكافل وكرامة+ الذي تحصل عليه الاسر التي لا تملك دخلا ليصل الى 1.7 مليون اسرة في نهاية يونيو 2017. ودافع رئيس الوزراء المصري شريف اسماعيل الجمعة عن قرارات حكومته، مؤكدا انه "لم تكن لدينا رفاهية تأجيل الاصلاحات الاقتصادية".

واعتبر رئيس اتحاد الصناعات المصري رجل الاعمال محمد السويدي النائب في البرلمان، ان "قرار تعويم الجنيه من انجح القرارات التي اتخذت على الصعيد الاقتصادي"، مشيرا الى انه "سيؤدي الى جذب الاستثمار الاجنبي ودفع عجلة الانتاج".

وفي ما يتعلق بارتفاع الاسعار، توقع السويدي ان "تتحسن الامور خلال ثلاثة الى ستة اشهر، ولكن الاثر الحقيقي يمكن ان يظهر على المدى المتوسط خلال سنتين الى ثلاث سنوات". ويقول عادلي ان "مؤشرات الاقتصاد الكلي ستتحسن (على المدى المتوسط) ولكن ذلك مرتبط بعوامل عدة منها تحسن وضع الاقتصاد العالمي ووضع دول الاتحاد الاوروبي وهي المستورد الرئيس للمنتجات المصرية".