إيلاف من القاهرة: قال الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن قرار الحكومة المصرية بـ"تعويم الجنيه" سوف يضع 55% من الشعب تحت خط الفقر، ووصف القرار بـ"الكارثي"، مشيرًا إلى أن الحكومة نفذت جميع أوامر صندوق النقد الدولي، ما أثر على الفقراء، وخفض قيمة عملتها المحلية بنسبة 75%، مشيرًا إلى أن ما حدث هو "انهيار للجنيه"، وليس تعويمًا له.

وأضاف في مقابلة مع "إيلاف" أن قرار "تعويم الجنيه" لن يجذب استثمارات أجنبية، بل ساهم في هروب المستثمرين من البلاد بعد انخفاض قيمة العملة المحلية، مشيرًا إلى أن مصر أجبرت على الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، بحجة أنه يمثل شهادة للاقتصاد، وأنه سوف يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية.

وحذر من أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، سوف يستغل الاقتصاد في تدمير الأنظمة السياسية، التي لا ترضى عنها أميركا.

ولفت إلى أن الدول الغربية لن تترك مصر تعلن إفلاسها، خشية تدفق المصريين إلى إسرائيل، باعتبارها دولة تحظى بالهدوء والاستقرار الاقتصادي.

وهذا نص الحوار: 

ما تقديراتك لقرار البنك المركزي تعويم الجنيه المصري؟

بعد اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، كان عليها أن تمر بثلاث مراحل. الأولى: يطلق عليها مرحلة تلبية أوامر الصندوق في كل ما يتطلبه من قرارات، ومنها "تعويم الجنيه"، وفرض قانوني "القيمة المضافة" و"الخدمة المدنية"، وتخفيض الدعم، وتقليل عجز الموازنة.

أما المرحلة الثانية، وبدأت في 15 نوفمبر الجاري، وتستمر حتى أول فبراير 2017، وتظهر فيها آثار القرارات المصرفية والاقتصادية، فهي تحرير سعر العملة المحلية ورفع الدعم عن المحروقات.

وتعد المرحلة الثالثة، أخطر المراحل التي ستمر بها مصر، لأنها ستكون مضطرة إلى تنفيذ جميع أوامر الصندوق بحذافيرها، دون الاعتراض عليها نهائيًا، وظهر ذلك واضحًا في اشتراط الصندوق على مصر وضع ودائع تقدر بـ6 مليارات دولار، ورفع الاحتياطي النقدي إلى 25 مليار دولار قبل الحصول على الشريحة الأولى من القرض وقيمتها 2.75 مليار دولار.

ما الهدف من اشتراط الصندوق وضع ودائع تقدر بـ6 مليارات دولار؟

الصندوق يهدف الى تأمين نفسه، لاستعادة أمواله في حال مخالفة مصر لأوامره. مصر أجبرت على هذا القرض، بحجة أنه يمثل شهادة ثقة في الاقتصاد المصري، وأنه سوف يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية والعربية إليها؛ وأن المستثمرين يرفضون ضخ أية أموال في السوق، بسبب وجود سعرين للدولار، الأول في البنوك الرسمية والآخر في السوق السوداء، ولكن الواقع يؤكد أن السوق السوداء انتقلت إلى البنوك الرسمية سواء العامة أو الخاصة، وأصبح لكل بنك سعر خاص به.

مصر وقعت في خطأ كبير باتخاذ قرار "تعويم الجنيه"، والواقع يؤكد أن ما حدث هو انهيار للجنيه، وليس تعويمًا له، لأن التعويم يعنى خفض قيمة الجنيه بنسبه تتراوح ما بين 12% و15%، مثلما حدث في بريطانيا عندما انفصلت بعض الدول عنها، مما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني بنسبة 16%، وبعده بفترة استطاع استرداد عافيته.

خفضت مصر قيمة الجنيه بنسبة 48% في بداية الأمر، ثم خفضته مرة أخرى بنسبة 75%، فهذا يؤكد أن ما حدث للجنيه انهيارا وليس تعويمًا.

ما تأثير هذا القرار على المدى القريب أو البعيد على الاستثمارات في مصر؟

تأثيرات القرار كارثية، على المستثمر الخارجي والداخلي، وذلك لعدم وجود سعر موحد لصرف الجنيه، وأصبح يوجد له أكثر من سعر، فكيف سيأتي المستثمر في ظل تفاوت أسعار الجنيه؟ في الحقيقة قرار التعويم أدى إلى هروب المستثمرين من مصر، وليس العكس. والأخطر من كل هذا أن الدولة قضت بهذا القرار على المستثمر الموجود حاليًا، والذي يمتلك مشروعات قائمة بالفعل، فمثلا إذا دخل المستثمر مصر بمبلغ مليون دولار، ولو أراد الخروج من السوق سيكون قد تعرض لخسارة قدرها 500 ألف دولار، بعد تعويم الجنيه.

وهل تتوقع أن يسهم القرار في تنشيط السياحة المصرية؟

لن تأتى أي سياحة أجنبية لمصر، لأن مصر كانت تعتمد على سياحة المتاحف والآثار، منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ولكنها فقدتها بعد ذلك، مما دفع الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى ابتكار سياحة جديدة اعتمد عليها خلال فترة توليه حكم مصر، وهي سياحة الشواطيء، وأنشأ مدينتي شرم الشيخ والغردقة وغيرهما من المناطق الشاطئية، مما جذب إليها الكثير من السياح العرب والأجانب، ولكن هذا النوع من السياحة غير جاذب في مصر، بعد ظهور العديد من الوجهات الجديدة في المنطقة، أكثر رفاهية وجاذبية، مثل الإمارات وتونس وتركيا، وغيرها من الدول العربية التي أصبحت تعتمد على شواطئها لجذب السياح إليها، كما أن بعض الأجانب والعرب أصبحوا يمتلكون منتجعات سياحية في مصر مما سحب البساط من شرم الشيخ كمنطقة سياحية، فلا بد من التفكير في رؤية جديدة للسياحة.

من وجهة نظرك، ما الرؤية الجديدة لجذب السياح لمصر؟

 اقترح أن تفكر الحكومة في السياحة العلاجية، أراها الحل الوحيد لعودة السياحة الى مصر من جديد، وخاصة أن العديد من السياح العرب يلجأون الى السفر إلى أوروبا لاجراء العديد من عمليات التجميل والتخسيس والعلاج، ويدفعون فيها مبالغ كبيرة، من الممكن أن تفيد الاقتصاد المصري كثيرًا، لا سيما أن مصر تمتلك كل المقومات اللازمة، ومنها الطقس والأماكن الطبيعية والخبراء الطبية النادرة، فمثًلا السياح ينفقون نحو 30 مليار دولار على عمليات التجميل في لبنان، ولو حصلت مصر على عشرة مليارات فقط، سيكون مكسبًا كبيرًا.

ما تأثير هذا القرار على الصادرات المصرية؟

أي تخفيض لقيمة الجنيه أمام الدولار، يرفع من قيمة المستورد من مواد الخام، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الصادرات؛ وسيقلل من منافسة الصادرات المصرية، وخاصة بعد زيادة تكلفة الأيدي العاملة، فكل هذا سيقلل من تنافس مصر على مستوى العالم في الصادرات، فالقرار التعويم سلبي.

وكيف يمكن للحكومة السيطرة على موجة ارتفاع الأسعار التي صاحبت تعويم الجنيه؟

قرار التعويم، أحدث ارتباكا في السوق، وارتفاعًا نسبيًا في الأسعار، لا سيما بعد رفع سعر الوقود، الذي ساهم في ارتفاع أسعار السلع الغذائية، في ظل عدم وجود رقابة على الأسعار. الأخطر مما سبق أن الحكومة لم تكتف بموجة الغلاء تلك، بل فرضت قانون القيمة المضافة أيضًا، والحقيقة أنها السبب المباشر في الغلاء والتخبط، ولم تتخذ أية إجراءات احترازية أو لاحقة للحد من تأثير القرارات الخاطئة على المواطنين. وأعتقد أن الإحصائيات المتوقعة في عام 2017 تشير إلى أن 55% من الشعب المصري سيكون تحت خط الفقر، وذلك بناء على الأرقام الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، التي أعلن فيها أن حد الحياة للمواطن الواحد في شهر 320 جنيهًا، وكان هذا قبل تخفيض قيمة الجنيه، فهذا يعنى أنه يعادل 150 جنيهًا. والمدير العام في أي مصلحة مرتبه ثلاثة آلاف جنيه، وبعد تعويم الجنيه انخفضت القيمة إلى 1500 جنيه.

هل تتوقع استمرار سعر الدولار في الارتفاع بعد تحرير سعر صرف الجنيه؟

 إذا لم تستطع الحكومة جذب استثمارات أجنبية حتى نهاية العام الحالي، وإذا لم توفر الحكومة الدولارات اللازمة لاستيراد السلع الضرورية والأدوية، توفير السلع، أتوقع تفاقم الأزمة مرة أخرى، وهذا يرجع إلى عدة عوامل، منها أن خطة أميركا في العام 2017 بعد فوز دونالد ترامب، تعمل على تقوية الدولار، وهذا يعني أن حرب العملات ستكون شرسة جدًا في الفترة القادمة، فهل الجنيه سيصمد أمام هذه الحرب، لا سيما أن ترامب رجل أعمال واقتصادي في الأساس. وإذا كان أن هيلاري كلينتون كانت ستسعى إلى الإطاحة بالأنظمة العربية عن طريق استخدامها للجماعات والحركات الإرهابية، فإن ترامب سيستخدم الاقتصاد في تدمير الأنظمة السياسية، التي لا ترضى عنها أميركا، عن طريق صناعة الأزمات الاقتصادية لها.

هل ثمة بدائل أخرى أمام الحكومة المصرية غير تعويم الجنيه وتخفيض الدعم ورفع أسعار المحروقات؟

 مصر أجبرت على تعويم الجنيه؛ بعد أن لجأت إلى صندوق النقد الدولي، ولم تفكر في بدائل أخرى، على الرغم من وجود بدائل كثيرة، حل مشاكل المستثمرين المتعثرين، الغريب أن الحكومة تعتقد أن القرض يمثل شهادة لإنقاذ الاقتصاد، ولكنه سيغرق الوطن. وهذا ما حدث من قبل عندما تولى الدكتور كمال الجنزوري رئاسة الحكومة، وورط مصر مع قرض الصندوق، وتعثر الاقتصاد وهرب الكثير من المستثمرين، وكادت أن تعلن عدد من البنوك إفلاسها.

ولكن هناك خبراء اقتصاديين يعتبرون أن القرض وما تلاه من قرارات سوف تنعش الاقتصاد المصري؟

الاقتصاد هو حياة الشعوب، فإذا نزلنا إلى الشارع، سنجد أن المواطن يعانى من معيشة صعبة ولا ينعم بحياة جيدة، كما أن هذا القرار رفع قيمة الديون بنسبة 50%، فحكومة شريف إسماعيل ما هي إلا حكومة اتخاذ قرارات وليس صناعتها، كما أنها جعلت من الدولار سلعة للتخزين، وليس للتداول.

هل مصر مقبلة على إفلاس كما يردد البعض؟

 بالطبع لا، لأن الدول الغربية لن تقبل أن تعلن مصر إفلاسها، بسبب تخوفهم من العدد السكاني الضخم، مما يجعل المصريين يزحفون إلى إسرائيل وخاصة دولة تشهد انتعاشًا اقتصاديًا واستقرارًا سياسيًا. الغرب مجبر على الحفاظ على مصر، كما أن الحكومة توصل رسالة للشعب المصري إما الغلاء أو الفوضى، لذلك المصريون مجبرون على تحمل الآلام ودفع فاتورة ما تعتبره الحكومة إصلاحًا اقتصاديًا.