«إيلاف» من القاهرة: في محاولة لإنقاذ زراعة القطن وصناعة النسيج، عقدت الحكومة المصرية مؤتمرًا، اليوم الإثنين تحت عنوان " المؤتمر الوطني الأول لدعم زراعة القطن والنهوض بصناعة الغزل والنسيج".

وقال رئيس الحكومة شريف اسماعيل، في المؤتمر، إن صناعة الغزل والنسيج في مصر تعاني من مشاكل هيكلية ضخمة، مشيرًا إلى أن اتباع سياسة السوق الحرة أفقدت تلك الصناعة الكثير من ازدهارها.

وحضر المؤتمر العشرات من الوزراء والمحافظين والخبراء، ورغم أن المؤتمر عقد تحت رعاية رئيس الحكومة شريف اسماعيل، إلا أنه تغيب عن افتتاحه.

وبدأ المؤتمر بعرض فيلم تسجيلي حول صناعة الغزل والنسيج منذ بدايتها في أواخر القرن التاسع عشر، حتى الآن، واستعرض أسباب تراجع هذه الصناعة للوقوف علي طرق علاجها لتعود كما كانت الركيزة الثابتة للصناعات النسجية، بعد الاهتمام بزراعة القطن.

ودعا رئيس الحكومة، المهندس شريف إسماعيل، في كلمته التي ألقاها نيابة عنه وزير الزراعة عصام فايد، إلى تبني مشروع قومي تشارك فيه الدولة وكافة الطوائف ذات الصلة بهذا القطاع لإحياء صناعة الغزل والنسيج في مصر.

كما دعا لعمل دراسات متكاملة حول أهم مشاكل هذا القطاع والحلول العملية والإجراءات الواجب اتخاذها للنهوض بهذه الصناعة، وذلك خلال فترة زمنية محددة يتم بعدها البدء الفعلي في العمل على أرض الواقع، مما يسهم في رفع معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير فرص العمل اللائق للآلاف من الشباب.

وقال: إن هذا المؤتمر يعقد في ظل تحديات كبيرة يواجهها اقتصادنا القومي على كافة المستويات، والذي لا يوجد خيار لنا لمواجهتها سوى العمل، واستنفار كل إمكانياتنا للتغلب على هذه التحديات، ولعل تدابير وإجراءات الاصلاح الهيكلي للاقتصاد التي قامت بها الحكومة خلال الفترة الأخيرة أبلغ دليل على تصميمنا الكامل على المضي قدما نحو مستقبل أفضل لنا وللأجيال القادمة.

صناعة الغزل والنسيج في مصر تعانى من مشاكل هيكلية ضخمة

 

مشاكل هيكلية ضخمة

وأضاف أن "صناعة الغزل والنسيج في مصر تعانى من مشاكل هيكلية ضخمة، سواء ما يتعلق منها بالمواد الخام والآلات والمعدات أو بالقرارات الاقتصادية والسياسات الموجهة لها على المستوى القومي، وجميعنا يعلم أن تلك المشكلات ليست بجديدة أو وليدة هذه المرحلة، مشيرا إلى أن صناعة الغزل والنسيج المصرية فقدت الكثير مما حققته في فترة الازدهار وقبل اتباع سياسات السوق الحرة في الثمانينات.

وقال: إنه مع التحرر الاقتصادي والانفتاح على الأسواق العالمية واجهت تلك الصناعة منافسة شديدة في الأسواق العالمية لم تستطع معه الاستمرار والتنافسية في ظل مناخ غير داعم، مما انعكس على إنتاجية المصانع العاملة في هذا القطاع الاستراتيجي، والذي أثر بدوره على زراعة القطن كأحد مقومات الصناعات النسيجية، وبالتالي على العمالة التي وجدت أنفسها لا تمتلك مقومات العمل بهذه الصناعة نظرا لعدم تدريبها بالشكل الجيد، وأصبحوا أكثر عرضه للاستغناء عنهم".

 واستطرد: الواقع الذي يعيشه هذا القطاع الحيوي يتطلب منا الاعتماد على مبادرات وخبرات متخصصة تنقلنا من الأفكار التقليدية والنمطية إلى صميم الإبداع، وتمكننا من الاستفادة الحقيقية من الامكانات العلمية والمهنية والطبيعية التي حبانا الله بها، ويجب أن تكون البداية من نواة الصناعة ونقصد زراعة القطن".

 وأكد في هذا الصدد "ضرورة وضع خريطة جديدة لزراعة القطن تتناسب مع احتياجات الصناعة المصرية، مع العمل على استنباط أصناف وسلالات جديدة من القطن القصير ومتوسط التيلة نظرا لانخفاض تكلفتها، والعمل على توجيه مزيد من الاستثمارات لهذا القطاع ووضع خطة طويلة الأجل تنفذ على عدة مراحل لتطوير البنية التحتية الأساسية لهذه الصناعة، على أن تتضمن الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، وتنقية التشريعات الداعمة لهذه الصناعة خاصة ما يتعلق بفرض رسوم إغراق على المنتجات النسيجية في الأسواق المصرية، وإصدار قوانين رادعة لمكافحة تهريب المنتجات النسيجية والتهرب من الضرائب والرسوم الجمركية". 

واستطرد قائلا : "إننا بحكم مسئوليتنا، نطالب بالعمل على تطوير الشركات ذات الإنتاجية العالية فى هذا القطاع الإستراتيجي، والتحول إلى الأساليب التكنولوجية ذات التقنية العالية وتدريب العمالة عليها ، بما يضمن لنا خفض تكلفة الإنتاج ورفع القدرة التنافسية للمصانع المحلية للغزل والنسيج في مواجهة المنتجات الواردة من الخارج، والعمل على توفير التمويل اللازم للمصانع المتوقفة عن العمل في هذا المجال أو التي تعانى من هلاك وعدم تحديث للآلات والمعدات فيها، مشيرا إلي الدور المهم للسياسات المالية والبنوك المصرية إلى جانب المؤسسات المصرفية الأخرى لتوفير الدعم اللازم والمشاركة في النهوض بهذه الصناعة، بما يعمل على تعظيم دعم الصادرات وترشيد الاستيراد.

وضع خريطة جديدة لزراعة القطن تتناسب مع احتياجات الصناعة المصرية

 

تطوير شركات قطاع النسيج

وعلمت «إيلاف» أن الحكومة المصرية تعاقدت مع مجموعة من الخبراء الأميركيين في مكتب ورانر للاستشارات والدراسات الاقتصادية، لإعداد دراسة لتطوير وإعادة هيكلة شركات قطاع النسيج وعقد الخبراء الأميركيون اجتماعات مع مجلس إدارة الشركة والقيادات العمالية. وتشمل الدراسة التي يقوم بها المكتب 25 شركة وتنتهي في آخر شهر ديسمبر الحالي.

وحصل المكتب الأميركي على مليون دولار في مقابل تقديم دراسة تطوير الشركات، على أن تتكلف عملية التطوير 510 ملايين دولار، أي ما يعادل 4 مليارات جنيه. ويعمل الخبراء الأميركيون على إعداد دراسة متكاملة للارتقاء بالشركات وفق حالة السوق وحالة الآلات فيها، على أن تمد الحكومة المصرية المكتب بكافة المعلومات حول الشركات من حيث الكفاءة البشرية والفنية، ووضع حالة الإنتاج والمصروفات والإيرادات بكل شفافية بما يضمن أن تكون الدراسة مبنية على أسس ومعلومات سليمة بما يمكننا من الوصول لنتائج مرضية وإيجابية.

وقال وزير التجارة والصناعة طارق قابيل، في المؤتمر، إن القطن المصري يعتبر علامة مسجلة عالميًا، مشيرا إلي أن 1.2 مليون شخص يعملون في هذه الصناعة، التي تواجه العديد من المشكلات.

وأشار إلي أن "مصر تستورد نحو 80% من البذور، علي الرغم من أننا نملك من القدرة الزراعية التي تمكننا من الاعتماد على الإنتاج المحلي"، على حد قوله، ومن جانبه، قال وزير القوى العاملة، محمد سعفان، خلال المؤتمر، إن المنتجات المصرية النسيجية تميزت على مدى عقود طويلة مضت، ويتمتع القطن المصري بسمعة عالمية في جودته.

وقال إن هذه الصناعة تتوافر مقوماتها في مصر من المواد الخام والعمالة ، وتتسم بتكامل طاقاتها بدءا من حلج القطن ثم الغزل والنسيج والتبييض والطباعة والتجهيز وحتى الملابس الجاهزة، فضلا عن ارتباطها رأسيا وأفقيا بكثير من الصناعات الأخرى مما يعزز ويخلق فرص عمل جديدة للشباب بالاستثمار في الصناعات المكملة "سلاسل القيمة" والتي تلاحظ الاهتمام بها مؤخراً، مما دعا منظمة العمل الدولية للتفكير في استصدار اتفاقية أو توصية بشأنها. 

مصر تستورد نحو 80% من البذور

 

التحديات الإقتصادية

وأضاف أن التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر حالياً تفرض علينا العمل سريعاً على تبنى إستراتيجية واضحة للنهوض بالصناعات التصديرية ومستلزماتها من خلال تضافر جهود كافة الجهات ، مشيرا إلي أنه فى سبيل تحقيق ذلك قامت الوزارة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية بتنفيذ مشروع يهدف إلى تعزيز القدرات التنافسية للصناعات التصديرية المصرية ولا سيما القطاعات الاقتصادية كثيفة العمالة في قطاعات الملابس الجاهزة والمنسوجات والصناعات الغذائية،وذلك من خلال تحسين العلاقات الثنائية بين العمال وأصحاب الأعمال بما يحقق مستوى عال من الإنتاجية قادر على المنافسة في الأسواق العالمية.

وتابع قائلا: "بدأ عدد من الجهات المعنية في تنفيذ خطة إصلاح منظومة إنتاج وتسويق القطن المصري، للنهوض به حتى يعود إلى سابق عهده، وجودته المعروفة عالمياً، خاصة وزارتي الزراعة والتجارة والصناعة، وذلك بوضع سياسة تصنيفية جديدة لمحصول القطن بالاعتماد على تطبيق جميع التوصيات الفنية التي من شأنها زيادة الإنتاج وتحسين صفات الجودة، وعلى التوازي بذلت جهود في اتجاه إعادة تشغيل مصانع الغزل والنسيج التي توقفت عن العمل عقب ثورة يناير 2011، كما قامت وزارة القوى العاملة بإزالة التشوهات الموجودة بقوانين العمل والمنظمات النقابية بما يحقق الاستقرار في علاقات العمل بكافة المنشآت.

وقال عبد الفتاح إبراهيم رئيس النقابة العامة لعمال الغزل والنسيج، في كلمة ألقاها نيابة عن رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، إن صناعة الغزل والنسيج كانت في يوم ما متربعة على عرش الصناعة المصرية ، ثم تعرضت إلى كبوة كبيرة.

وأشار إلي أن توفير المواد الخام هو السبيل الوحيد لتعود هذه الصناعة كما كانت، وألا يكون الاعتماد الرئيسي على الإستيراد، مضيفًا ان الاعتماد على الدراسات الحديثة هو من مقومات بناء صناعة قوية كالدراسات التي توضح طرق توفير المياه، مؤكدا ضرورة حل المشكلات والمعوقات التي تقابل هذه الصناعة، واقترح تشكيل لجنة تضع الضوابط للنهوض بهذه الصناعة.

صناعة الغزل والنسيج كانت في يوم ما متربعة على عرش الصناعة المصرية