نهاد إسماعيل: شهدت بداية الألفية الثالثة نقلة نوعية في صناعة استخراج الغاز الطبيعي وتسويقه، عندما أشار تقرير وكالة الطاقة الدولية الصادر في عام 2011 إلى أن العالم بدأ يدخل في ما أطلق عليه التقرير "عصر الغاز الذهبي".

وفي تقرير سابق، توقعت وكالة الطاقة الدولية أن يحلّ الغاز الطبيعي محل الفحم الحجري بحلول العام 2020 كثاني أكبر مصدر للطاقة الأولية في العالم بعد النفط، وهذا التوقع أخذ&في الاعتبار زيادة الطلب على الغاز الطبيعي من دول آسيا الصناعية الكبرى مثل الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية.

رافقت نظرية العصر الذهبي للغاز ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية في العشر سنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين.

ولا يزال الغموض يكتنف الآثار الجيوسياسية لهذا العصر الذهبي، خصوصًا أن تلك الآثار ترتبط بخصائص السوق كالعرض والطلب والتكلفة والسعر، كما سنرى في جزء لاحق من المقال.

وبسبب التطور التكنولوجي السريع في مجال اكتشاف واستخراج الغاز الطبيعي الصخري ستنخفض تكلفة الانتاج، مما سيساعد في نمو هذا القطاع الهام. لكن توافر الغاز الصخري بشكل غزير سيكون على حساب الغاز الطبيعي التقليدي، وهذا سيدفع بالأسعار إلى أسفل.

لكن، في المدى القصير، التأثير السلبي سيكون محدودًا. وعلى المدى المتوسط، ستواصل دول آسيا اعتمادها على المصادر التقليدية الخليجية.

ليس من الممكن مناقشة موضوع الغاز الطبيعي المسال دون التطرق إلى قطر وروسيا وايران أكبر ثلاثة منتجين يمتلكون أكبر حقول الغاز في العالم.

في قطر مثلاً، تم اكتشاف حقل غاز الشمال، في عام 1971. ويعتبر هذا الحقل، وفق ما تشير إليه وزارة الطاقة والصناعة القطرية، من أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم. تصل مساحته إلى 6 آلاف كيلو متر مربع، ويضم نحو 800 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي.

ليس اذا مستغربًا أن تحتل قطر المرتبة الثالثة عالميًا من حيث احتياطات الغاز المؤكد، بعد روسيا وإيران. فهذا الحجم من الغاز يشكل حوالى 20 في المئة من احتياطي العالم من الغاز.

وتتصدر قطر لائحة الدول المصدّرة والمنتجة للغاز المسال في العالم، حيث استحوذت على أكثر من 30 في المئة من صادرات الغاز الطبيعي المسال عالميًا خلال عام 2013.

ما حقيقة تهديد الغاز الطبيعي للنفط؟

ثمة سؤال يثير اهتمام المراقبين: هل يهدد توافر الغاز، النفط كمصدر فعّال وآمن للطاقة؟ فالغاز الطبيعي يتمتع بميزات تجعله جذاباً في الأسواق، منها أنه نظيف بيئيًا ويستعمل في محطات توليد الكهرباء.&

لكن القاسم المشترك بين النفط والغاز أن كليهما يعانيان تخمة في الانتاج، حيث ينتج من النفط مليون برميل&إلى مليونين يوميًا فوق حاجة السوق، بينما الغاز الطبيعي المسال ينتج 10 في المئة فوق حاجة السوق، وهذا هو سبب هبوط الأسعار.

عندما كانت أسعار الغاز الطبيعي عالية نسبيًا في الأعوام الأولى من الألفية الثالثة، شجع ذلك على انفاق مفرط على مشاريع انتاج غاز اضافية، والتي بدأت الآن تصل إلى الأسواق ومنها مشروع بي جي في كوينزلاند غرب استراليا الذي بلغت تكلفته 20 مليار دولار، والذي سيصبح من ملكية رويال دوتش شل بعد استيلائها على بي جي.
&
بحسب صحيفة الصندي تايمز البريطانية، هناك توقعات بأن يصعد الانتاج العالمي للغاز الطبيعي المسال بنسبة 43 في المئة بين الآن وعام 2020. ومعظم ذلك الانتاج سيأتي من مشاريع تمت الموافقة على تنفيذها في الولايات المتحدة والمتوقع انها ستكون قادرة على تصدير 62 مليون طن سنويًا.

أمام هذه الديناميّات، لا تقف روسيا موقف المتفرج، فغازبروم هي أكبر مزود للغاز الطبيعي في اوروبا، وهي تواصل تصعيد انتاجها من الغاز لتعويض تراجع العائدات بسبب انهيار أسعار النفط. ومعظم هذا الغاز يجد طريقه إلى اوروبا الغربية عن طريق أنابيب ومن المتوقع أن تكون هناك حرب اسعار بين غازبروم والشركات الأخرى التي تزود الغاز الطبيعي المسال لأوروبا.

من الطبيعي أن تقاوم غازبروم أي منافسة للاحتفاظ بحصتها. وتعرضت روسيا لانتقادات شديدة بسبب استخدام صادراتها من الغاز إلى غرب أوروبا وتركيا كسلاح اقتصادي، رُغم أن قرار تركيا الأخير باستيراد الغاز من إسرائيل أفقد السلاح الروسي أهميته.

وأوروبا بدأت ترحب باستيراد الغاز المسال من الشرق الأوسط لتقليل الاعتماد على مصدر غير موثوق مثل روسيا التي تلجأ إلى سياسة الابتزاز لأغراض سياسية.
&
كما أن رفع العقوبات عن ايران يعني أن مصدرًا كبيرًا للغاز الطبيعي المسال سيتوفر بعد انهاء مشروع الغاز المسال الضخم الذي توقف في عام 2012، بعد فرض الجولة الأخيرة من العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.&

رغم مزايا الغاز يبقى النفط مسيطرًا

وأشار تقرير في مجلة الايكونوميست البريطانية في نوفمبر 2016 الى الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة بسبب نظافته وسنرى المزيد من محطات انتاج الكهرباء تتحول تدريجيًا من الفحم الحجري والنفط الى الغاز لسببين، وهما حماية البيئة والتكلفة الأقل للغاز الطبيعي.

في الوقت الراهن &يشكل النفط أكثر سلعة يتم تداولها في الأسواق العالمية، حيث يتم تصدير ما قيمته 1.5 ترليون دولار من النفط سنويًا على مستوى العالم، حيث ان نصف أكبر 500 شركة مدرجة في البورصات العالمية في العالم حسب تصنيف مجلة فوربس هي شركات نفطية. وشركة آرامكو غير المدرجة بأسواق البورصة لغاية الآن هي اكبر من كل هذه الشركات مجتمعة.

ومنذ انهيار اسعار النفط اواسط 2014 تهاوت ايضًا أسعار اسهم الشركات النفطية المدرجة في أسواق البورصات العالمية وعانت الدول المنتجة مثل نيجيريا وفنزويلا انهيارًا شبه تام في ميزانيتها،&كما واجهت شركات انتاج الزيت الصخري موجة من الافلاسات والاغلاقات.

الايجابيات وخير مثال خطة السعودية ورؤية 2030

ولكن على صعيد موازٍ، هناك ايجابيات أيضا لتهاوي أسعار النفط في العامين الماضيين لا يمكن تجاهلها وخير مثل على ذلك ان المملكة العربية السعودية بدأت وضع خطط مستقبلية لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر للايرادات، &حيث تبنت رؤية المملكة 2030 وكذلك برنامج التحول الوطني 2020.

وفي هذا الصدد، قال الملك سلمان بن عبد العزيز، الخميس 22 ديسمبر، اثناء تقديم الميزانية الجديدة &"إن اقتصادنا ـ بفضل الله ـ متين، ويملك القوة الكافية لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية الحالية وهذا نتيجة ـ بعد توفيق الله ـ للسياسات المالية الحصيفة التي اتخذتها الدولة ، ونحن عاقدو العزم على تعزيز مقومات اقتصادنا الوطني،" وبرامجها التنفيذية وفق رؤية إصلاحية شاملة من شأنها الانتقال بالمملكة إلى آفاق أوسع وأشمل لتكون قادرة ـ بإذن الله تعالى ـ على مواجهة التحديات".

كما ان ارامكو اعلنت عن نواياها بطرح اسهمها للاكتتاب العام &لجزء لا يتعدى 5% من قيمة الشركة.

أهمية النفط وتقديرات وزير الطاقة السعودي

تركز الاهتمام خلال الخمسين عاماً الماضية حول تأمين وضمان مصادر الطاقة النفطية ولكن النفط سينفذ يومًا ما في المستقبل، حسب توقعات الخبراء.

ولكن النفط يبقى المصدر الهام الرئيسي لتحريك الشاحنات ووسائل النقل الأخرى وللصناعات البلاستيكية والبيتروكيماوية وغيرها، ولكن المشاكل البيئية ستجبر الدول على تطبيق سياسات لتقليل استعمال البترول وزيادة استخدام الغاز. ويعتقد خبراء ومراقبون أن التخلي عن النفط ليس بتلك السهولة.

وفي هذا السياق، يقدر خالد الفالح وزير الطاقة السعودي أن العالم يحتاج لاستثمار ما لايقل عن ترليون دولار سنويًا، ولمدة 25 عاماً في قطاع النفط لتلبية حاجة العالم من النفط الخام، ولكن في الوقت ذاته تدرك كبار الشركات النفطية أنها ستقلل الاستثمار في مجال النفط في المستقبل وستزيد من الاستثمار في قطاع الغاز.

تقرير الايكونوميست يحذر من أن عصر النفط سيتراجع على المدى البعيد بسبب الضغوط البيئية، لكنّ هناك عديداً من التساؤلات، ومنها هل سنرى البطاريات تحل محل البترول؟ هل نستطيع الاستغناء عن السيارات التي تستخدم البترول؟ هل ستنتقل الاستثمارات من القطاع النفطي الى البدائل؟ للاجابة علينا الانتظار عقدين من الزمان.