تركت مشكلة النفط السعوديين في أزمة، وأجبرتهم على الاقتراض، لكن حاجتهم ليست ماسّة، وما زالت السعودية قادرة على المناورة، لذا يقول أحد الخبراء إن الضربة التي وجهتها إلى اجتماع الدوحة الأخير كانت ضربة معلم.
&
الرياض: اجهضت السعودية وحيدةً اجتماع الدوحة النفطي الأخير، إذ أدركت أن ايران لن تشارك فيه، وذلك لسبب وجيه. وكان الروس وآخرون وافقوا على المضي قدمًا من دون ايران، مخططين لضمها إليهم لاحقًا، وعليه، إن كان كل شيء معروفًا سلفًا، فلم حدّ السعوديون تطلعات الأعضاء الآخرين في اوبك، مخاطرين بإثارة حفيظة روسيا وباقي أعضاء المنظمة؟.
&
هكذا يفتتح راكيش اوبادهياي مقالته المنشورة في موقع اويل برايس، المتخصص في قطاع الطاقة، متناولًا فيها السبب الحقيقي وراء إجهاض السعودية اجتماع الدوحة.
&
ليست ماسة
&
يستمر اوبادهياي في التساؤل: هل كان السبب ببساطة عداء السعودية لإيران؟ وجوابه جاهز: ليس تمامًا. فحين إلقاء نظرة فاحصة، نستطيع أن نجد أن ضربة السعودية لاجتماع الدوحة كانت ضربة معلم، بحسبه. يضيف: "من المعروف أن السعودية شديدة الاعتماد على عائدات النفط، وأن هذه العائدات تقف على حافة الانهيار، وسعى السعوديون إلى الحصول على مساعدات مالية من مؤسسات دولية مختلفة لدعم اقتصادهم المتراجع، لكن التحدي هنا هو أن نحدد على وجه الدقة مدى حاجة السعوديين، فالمؤكد انهم ليسوا في حاجة ماسة&مثل الآخرين".
&
فأنغولا طلبت أخيرًا دعم صندوق النقد الدولي، وفنزويلا تواجه صعوبات جمة من قبل هبوط اسعار النفط إلى أدى مستوى لها منذ 12 عامًا، وتكافح جاهدةً لدرء الكارثة، واذربيجان فاتحت صندوق النقد الدولي والبنك الدولي طالبة مساعدتهما، وتريد نيجيريا دعمًا من البنك الدولي، ومن دون دعم خارجي يجد العراق صعوبة في مواصلة حربه ضد تنظيم الدولة الاسلامية "داعش".
&
ويزيد هبوط اسعار النفط الطين بلة، فيما استغلت كردستان العراق الوضع وهي تعمل باتجاه الاستقلال وتعزيز خططها الاحادية لتصدير النفط، والاكوادور هي الأشد تضررًا بسبب زلزال مدمر شلها، وتحتاج مساعدة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات مالية أخرى لإعادة البناء.
&
الكارثة محدقة بنا
&
بحسب اوبادهياي، بعد هبوط إجمالي الناتج المحلي الروسي بنسبة 3.5 في المئة في عام 2015، سينخفض بنسبة 1.5 في المئة أيضًا في عام 2016، بحسب توقعات البنك المركزي الروسي. ليست كازخستان أفضل حالًا، فنموها انخفض إلى 1.2 في المئة في عام 2015 من معدل نمو مرتفع بلغ 6 في المئة في عام 2013، ومن المتوقع أن يواصل اقتصادها تباطؤ نموه إلى 0.1 في المئة في عام 2016.
&
ويلفت اوبادهياي إلى أن غالبية البلدان المشاركة في الاجتماع مفلسة ماليًا، وعليها أن تتخذ اجراءات جذرية للحد من اعتمادها على النفط. فالكارثة محدقة بها. والمؤكد أن السعوديين ليسوا محصنين، حتى إذا لم يكن وجه الكارثة واضحًا. فالسعودية تستنزف احتياطاتها النقدية بمعدلات قياسية، لكنها في الوقت نفسه تستطيع أن تتحمل هبوط الأسعار للسنوات الثلاث أو الأربع المقبلة، والأكثر من ذلك انها قادرة على زيادة انتاجها مليوني برميل اضافية في اليوم، بحسب وكالة الطاقة الدولية، إذا كانت تحتاج مزيدًا من المال.
&
العودة إلى استئناف العمل
&
لكن... لِمَ هذه الخطوة الجذرية عشية الاجتماع، وتجاهل محنة الدول الأعضاء المشاركة؟ على الرغم من أن السبب الحقيقي لا يُعرف إلا في الأروقة المتكتمة للبلاط، يتوقف اوبادهياي عند الآتي: تبوأت السعودية مركز الصدارة في صناعة النفط العالمية عقودًا من الزمن، وكانت تتمتع بحق الفيتو على كل ما يتعلق بالنفط. لكنها منذ عام 2014، خاضت معركة خاسرة مع شركات التنقيب عن النفط الصخري الاميركية التي أبدت قدرة على الصمود لم يتوقعها أحد.
&
ويستدرك: "لكن البوادر الأولى لضعف منتجي النفط الصخري تصبح مرئية الآن، مع هبوط انتاج النفط في الولايات المتحدة إلى أقل من 9 ملايين برميل في اليوم، وهو أدنى مستوى يبلغه منذ 18 شهرًا. وإذا ظلت اسعار النفط أقل من 40 دولارًا للبرميل ستنهار شركات اخرى لانتاج النفط الصخري، وتقع صريعة على قارعة الطريق. لكن، إذا ارتفع سعر النفط إلى أكثر من 50 دولارًا للبرميل، فإن نيات شركات النفط الصخري واضحة: العودة إلى استئناف العمل.
&
ولو وافقت السعودية على الاتفاق في الدوحة، لقفزت اسعار النفط إلى 50 دولارًا للبرميل، فأعطت صناعة النفط الصخري حياة جديدة، وبدأت شركات انتاج النفط الصخري الضخ بمعدلات محمومة لتزيد فائض السوق وتعيد الأسعار إلى الهبوط. وكان هذا التطور سينال بصورة دائمة من سمعة السعودية بوصفها اللاعب الأكبر في صناعة النفط. وكانت دفة القيادة ستنتقل إلى شركات النفط الصخري، وهو حدث لا يمكن للسعوديين أن يسمحوا به بكل بساطة.
&
ضربة معلم
&
يرى اوبادهياي أن القيادة السعودية في أوبك تتعرض للتهديد من عودة إيران بعد رفع العقوبات، "وباجهاض اجتماع الدوحة، أكدت السعودية تسيدها وأعادت تذكير دول أوبك بحجم القوة التي ما زال السعوديون يتمتعون بها".&وينسب إلى السعوديين أهمية في الكارتيل الجديد أيضًا، فهم لم يسمحوا لروسيا أن تستأثر بالقيادة، بل حرصوا على البقاء في مركز أي عملية لصنع القرار في الكارتيل الجديد.
&
حاولت السعودية استعادة زمام المبادرة من شركات النفط الصخري الاميركية. وأظهرت لأعضاء أوبك انها ما زالت القائدة، وبذلك منع ايران من تحديها، واخيرًا حافظت على أهميتها في الكارتيل الجديد الأكبر مطالبة بكلمة متساوية في القرار إلى جانب روسيا.
&
كان فشل اجتماع الدوحة ضربة معلم من السعودية لاستعادة قيادتها. لكن إزاء وقوف العديد من دول أوبك على حافة الانهيار سيؤكد اجتماع أوبك المقبل إن كانت حركة السعوديين حقًا ضربة معلم، أم مجرد انقضاض قصير العمر على موقع القوة.