قال مسؤول كبير من صندوق النقد الدولي إن إيران تواجه تحديًا مماثلًا للتحدي الذي واجهته أوروبا الشرقية ما بعد الحقبة السوفياتية، من حيث تحديث اقتصادها وتحويله للاستفادة من فرص يُتيحها الاتفاق النووي التاريخي مع الغرب.

واشنطن: أكد ديفيد ليبتون، النائب الأول لمدير صندوق النقد الدولي، في مؤتمر عقده معهد كارنيغي في واشنطن في 29 يونيو الماضي، أن إيران تواجه خيارًا من خيارين، بحيث يمكن لها أن تتمسك باقتصاد مغلق يعتمد على النفط إلى حد كبير، تتدخل الدولة فيه بثقلها، أو أن تسعى إلى مزيد من التكامل، والمبادرات الخاصة والاستثمار الأجنبي.

وأضاف: "سيفشل الخيار الأول في إحداث فرص عمل للشباب في إيران، في حين يمكن للخيار الثاني أن ينجح، لكنه سيحتاج إلى مرحلة انتقالية مماثلة لتلك التي مرت بها بلدان أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي".

وتابع ليبتون قائلًا إنه على الرغم من عدم تأكده من أي خيار ستعتمده إيران، فإنه وغيره من أعضاء إدارة صندوق النقد الدولي الذين زاروا إيران أول مرة منذ الثورة الاسلامية في عام 1979 قد وجدوا المسؤولين الإيرانيين "مهتمين جدًا في استعادة النمو في بلدهم من دون إحياء التضخم".

فمنذ تولى حسن روحاني الرئاسة قبل ثلاثة أعوام، خفضت ايران التضخم من نحو 45 إلى 10 في المئة. وقال ليبتون إن صندوق النقد الدولي يتوقع نموًا إيرانيًا هذا العام بنسبة 4,5 في المئة، إلى جانب تحسن كبير في أداء الاقتصاد في ظل العقوبات. لكن عددًا من العوامل تعوق تقدمًا اقتصاديًا أكثر استدامة.

خوف غربي

وخلال زيارة وفد صندوق النقد الدولي إلى طهران، قال ليبتون إن مسؤولين إيرانيين أثاروا المخاوف بشأن صعوبات يواجهونها في إحياء صلاتهم بالبنوك الأجنبية. وهذه كانت المخاوف نفسها التي عبر عنها ولي الله سيف، محافظ البنك المركزي الإيراني، حين زار واشنطن لحضور اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في أبريل الماضي.

وبحسب مصرفيين إيرانيين، على الرغم من أنهم استطاعوا فتح حسابات مراسلة في البنوك إقليمية صغرى في أوروبا وآسيا، فإن المؤسسات المالية الكبرى ظلت بعيدة خوفًا من فرض وزارة العدل الاميركية غرامات ضخمة عليها، وهذا ما ينفيه تمامًا جون سميث، القائم بأعمال مدير مكتب وزارة الخزانة الأميركية لمراقبة الأصول الأجنبية، الذي أكد أن لا عقاب يطال الشركات الاجنبية التي عليها العناية بنظيراتها الإيرانية، شرط عدم ارتكاب الأخطاء. فالأجانب قلقون بشكل خاص من غياب الشفافية في البنوك الإيرانية، ويخشون التورط عن غير قصد مع أشخاص أو منظمات مثبتة على قائمة نحو 200 اسم محظور لا تزال الحكومة الأميركية تعتمدها.

للدولة سياستها

في طهران، قال ليبتون إن فريق صندوق النقد الدولي صرف كثيرًا من الوقت وهو يناقش جهد إيران لإقناع قوة العمل المالي (FATF)، وهي هيئة حكومية دولية مقرها باريس، لتغيير تصنيف إيران بأنها "عالية المخاطر" في مجال غسيل الأموال و "غير متعاونة" في مكافحة الإرهاب المالي. فإيران وكوريا الشمالية هما الدولتان الوحيدتان في القائمة السوداء الخاصة بهذه الهيئة التي علقت أخيرًا تدابير ضد إيران مدة 12 شهرا، مراعاةً للوائح الجديدة التي أصدرها البنك المركزي إيران، والتي تكافح غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وردا على سؤال وجهه إليه موقع "المونيتور"، ميز ليبتون بين النظام المصرفي الذي ينبغي على البنوك الإيرانية إنشاؤه لمنع تحويل الأموال من جهة، ونشاط الدولة في دعم جماعات مثل حزب الله من جهة أخرى. وقال: "مهما فعلت الدولة، فأفعالها منفصلة عن هذه الإجراءات المصرفية".

أضاف: "إن تبييض قوة العمل المالي صفحة إيران ربما يرفع نسبة ثقة المصارف الغربية في النظام المالي الإيراني، ويدفعها إلى العودة إلى إيران، وصندوق النقد الدولي يقدم المساعدة اللازمة إلى إيران كي تنجز إصلاحاتها هذه، كي تستفيد إلى أقصى الحدود من رفع العقوبات بموجب اتفاق فيينا النووي".

المصالح الخاصة

إلى ذلك، يشكتي الإيرانيون من أن الاقلاع الاقتصادي كان بطيئًا، وهناك مخاوف من أن ذلك ربما يقوّض الدعم السياسي لحكومة روحاني، الذي يسعى إلى إعادة انتخابه رئيسًا في العام المقبل.

فيما قال ليبتون إن إيران تحتاج إلى تحديث هيكلها الاقتصادي من طريق تقليص الأنظمة والتعريفات الجمركية المرتفعة وحقوق الاحتكار الممنوحة للحكومة، والتي تحد من القدرة التنافسية ومن نمو سوق العمل.

ولجذب الاستثمار الخاص والأجنبي اللازم، تحتاج إيران إلى عملية تحرير اقتصادي واسعة، من شأنها أن تتحدى المصالح الخاصة التي استفادت من نظام مغلق، مثل الحرس الثوري والمؤسسات الدينية، بحسب ليبتون.

وقال مسؤولون ايرانيون في البنك المركزي إن سيف لم يكن متوفرًا للتعليق على اقتراحات صندوق النقد الدولي. لكنه في مقابلة موقع المونيتور في أبريل، اعترف بأوجه القصور في القطاع المصرفي الإيراني، وقال إنه يعالجها.

حدث نادر

في المقابل، قال ليبتون إنه حدث المسؤولين الإيرانيين عن تجربته في بولندا في تسعينيات القرن الماضي بعد انهيار الشيوعية، والمشكلات التي عانتها الدول الآسيوية في خلال الأزمة المصرفية قبل عقدين من الزمن بسبب علاقة حميمة متمادية بين المصارف والحكومات المحلية. وقال انه سأل مسؤولًا ايرانيًا لم يذكر اسمه: "هل يبدو هذا مألوفًا؟" فما كان من الإيراني إلا أن "ابتسم وأومأ برأسه."

ليبتون قال إنه أعجب بما سماه "بيئة طبيعية جميلة وإيجابية" في طهران، وبمحاوريه في البنك المركزي والبنوك الأخرى، وفي غرفة تجارة طهران وجامعاتها. وختم: "هؤلاء الناس يريدون تغييرًا حقيقيًا، ولا أعرف إن كانوا سينالون ما يريدون في ظل القيادة العليا والجانب المحافظ في المجتمع في إيران، لكنهم يحتاجون إلى أن يعرفوا الطريق إلى النجاح".

يذكر أن زيارة ليبتون إلى إيران، وهو المسؤول الأميركي رفيع المستوى ولو كان موظفًا في مؤسسة متعددة الجنسيات، هي بحد ذاتها حدث نادر، خصوصًا أنه وكيل سابق لوزارة الخزانة الأميركية للشؤون الدولية في عهد الرئيس بيل كلينتون، ومسؤول كبير في مجلس الأمن القومي في عهد باراك أوباما.

أعدت إيلاف هذه المادة من موقع المونيتور، على الرابط الآتي:

http://linkis.com/www.al-monitor.com/p/hYc6L