الرباط: أعلن صندوق النقد العربي انطلاق أشغال وضع تصميم النظام الإقليمي للمقاصة وتسوية المدفوعات العربية البينية، وذلك خلال اجتماع مجلس محافظي البنوك المركزية العربية اليوم الخميس في الرباط، الذين رحبوا بالمشروع وأوصوا صندوق النقد بتسريعه.

وقال عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، إن أشغال وضع تصميم النظام التي انطلقت قبل أسبوعين ستستمر عشرة أشهر، وبعدها سيدخل النظام حيز التطبيق. وأشار إلى أن التصميم سيتضمن كل التفاصيل بما فيها شروط الانضمام لنظام التسويات والتمويل والضمانات والهيكلة وإدارة المخاطر والحوكمة، مشيرا إلى أن اعتماد هذا النظام سيؤدي إلى تخفيض التكاليف وتعزيز المبادلات والتدفقات المالية والاستثمارية بين الدول العربية. وأضاف "خلال الاجتماع المقبل لمجلس المحافظين سيكون التصميم جاهزا وسندخل المرحلة الثانية وهي مرحلة التطبيق الفعلي".

من جهته، أشار عبد اللطيف الجواهري، محافظ البنك المركزي المغربي، خلال مؤتمر صحافي مشترك مساء اليوم رفقة رئيس صندوق النقد العربي، إلى أن فكرة إنشاء نظام المقاصة العربي ظهرت منذ مدة غير قليلة كرد فعل على ضرورة المرور من عملة دولية وسيطة في المعاملات بين الدول العربية. فالسائح العربي عندما يسافر إلى بلد عربي يجد نفسه ملزما ببيع عملة بلده مقابل عملة أجنبية، ثم بيع العملة الأجنبية مقابل عملة البلد العربي الذي يزوره. واضاف الجواهري أن الفكرة دخلت مرحلة سبات بسبب تحفظات بعض الأعضاء، غير أن الظروف الدولية وخصوصا ما تعانيه المؤسسات المالية العربية من تضييق في سياق الحرب على الإرهاب وتداعيات الأزمة العالمية أعاد المشروع إلى الواجهة. وقال إن جميع التحفظات قد رفعت، وجميع محافظي البنوك المركزية طالبوا اليوم من صندوق النقد العربي تسريع وتيرة إخراج نظام التسويات العربية، ووجدوا أن أجل 10 أشهر طويل.

وناقش مجلس محافظي البنوك المركزية العربية خلال اجتماعه في الرباط العديد من القضايا منها الأوضاع الاقتصادية والمالية في المنطقة العربية وفي العالم، وموضوع الرقابة على المصارف الإسلامية، واستخدام التقنيات الحديثة في المجال المالي في البلدان العربية، ووضع معايير خاصة وملائمة للمجتمع العربي في مجال المؤشرات المتعلقة بقياس أداء النظام المالي من حيث انتشار الخدمات وولوجها من طرف المواطنين، قرر المجلس في هذا الصدد اعتبار يوم 27 أبريل يوما عربيا للشمول المالي، بالإضافة إلى العديد من القضايا التي تهم السياسات النقدية العربية والأنظمة المالية والمصرفية.

رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي مع محافظ البنك المركزي المغربي

 

كما اتفق محافظي البنوك المركزية العربية على مضمون الخطاب العربي الموحد في أفق اجتماعات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي في أكتوبر المقبل، والذي تضمن مواقف وانشغالات البنوك المركزية العربية إزاء الأوضاع التي تعرفها بلدان المنطقة، خاصة التي تواجه نكبات الحروب ونزوح السكان.

ووجه العاهل المغربي الملك محمد السادس رسالة إلى المشاركين في الاجتماع، تضمنت قراءة للوضع الإقتصادي العالمي والعربي وتوجيهات في مجال السياسات النقدية والأدوار الجديدة للبنوك المركزية في سياق التحولات التي يعرفها العالم.

وأشار العاهل المغربي إلى استمرار تداعيات الأزمة المالية التي هزت العالم منذ سنة 2008 وتطوراتها، وقال في رسالته التي تلاها محافظ البنك المركزي المغربي عبد اللطيف الجواهري " اليوم وبعد مرور ما يناهز عقدا من الزمن، ورغم الإصلاحات الكبيرة التي بادر المجتمع الدولي إلى إطلاقها لمواجهة هذه الأزمة، لاتزال تداعياتها ترخي بظلالها على الاقتصاد العالمي. ففي العديد من البلدان المتقدمة، ظل النمو بطيئا والبطالة متنامية، لاسيما في صفوف الشباب. كما أن الدين العمومي بلغ مستويات مرتفعة وباتت الأنظمة المصرفية في وضعية لا تخلو من هشاشة، بينما تعاني الاقتصادات الصاعدة عموما من بعض الصعوبات، إن لم يكن بعضها يمر بمرحلة ركود". وأضافت الرسالة الملكية أن السنوات الأخيرة شهدت "في ظل تقلص هامش المناورة المتاح للحكومات، تزايد الأعباء الملقاة على عاتق البنوك المركزية، حيث لم تقتصر في تدخلاتها على الأدوات التقليدية للسياسة النقدية، بل كان عليها استكشاف آليات جديدة. وإذا كانت قـد نجحت، إلى حد ما، في التخفيف من حدة الأزمة وتداعياتها، إلا أن الاستغلال المفرط للأدوات غير التقليدية أفرز مخاطر جديدة بالنسبة للأسواق وللاستقرار المالي بشكل عام".

وتحدثت الرسالة عن الأوضاع العربية في سياق هذه التحولات، والتي اتسمت، من جهة، باستفحال "الصراعات السياسية وتدهور الأوضاع الأمنية وتصاعد الإرهاب تقـوض المؤسسات وتدمر الاقتصاد وتهدد سلامة المواطنين" في بعض البلدان، ومن جهة ثانية بتمكن بلدان عربية أخرى من التكيف مع هذه التطورات "بفضل ما اتخذته من إصلاحات هيكلية جريئة، وما اعتمدته من سياسات لتنويع نسيجها الاقتصادي".

وعبر العاهل المغربي عن ارتياحه "لما حققته السلطات والمؤسسات النقدية العربية من تقدم ملحوظ على درب تعبئة الموارد اللازمة لتمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلداننا، فإننا ندعوها إلى المزيد من اليقظة من أجل تدبير أفضل للتفاعلات القائمة بين وظيفتها التقليدية ومسؤولياتها الجديدة، ذات الصلة بالاستقرار المالي. فهي مطالبة من جهة بتحقيق قدر من المرونة في النظام المالي، من أجل ضمان التمويل الملائم للاقتصاد ودعم النمو، ومطالبة من جهة أخرى بتعزيـز رقابتها لتلافي حدوث أي اختلال في النظام ومكافحة التدفقات المالية غير القانونية، خصوصا تلك الموجهة لتمويل الإرهاب".

وتحدثت الرسالة الملكية عن التجربة المغربية في هذا السياق والتدابير التي اتخدها المغرب ومنهجية بنك المغرب والسلطات المالية المغربية في سياق تداعيات الأزمات العالمية والإقليمية، والإصلاحات التي اعتمدها المغرب في مجال سياسات الميزانية والسياسات النقدية.

وفي المجال المصرفي ، أشارت رسالة العاهل المغربي على الخصوص إلى "وضع بنك المغرب، بتنسيق مع باقي السلطات الرقابية، إطارا قانونيا وآلية لحل الأزمات"، مضيفة أن بنك المغرب يواصل في هذا الإطار "ملاءمة منظومة الرقابة المصرفية مع المعايير الدولية ومواكبة التوسع الخارجي للبنوك المغربية الموجودة حاليا في 30 بلدا أجنبيا". واشار العاهل المغربي في رسالته إلى أن هذه الجهود مكنت النظام المالي المغربي "من تحقيق نتائج إيجابية في التقييم المشترك الذي أنجزه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في أبريل 2015، والذي أكد بشكل خاص على تماسك النظام البنكي المغربي". كما مكنت هذه الإصلاحات، في ظل الاستقرار السياسي والأمني، المغرب من "تعزيز مكانته لدى شركائه الدوليين ووكالات التصنيف والمستثمرين الأجانب"، وتجديد اتفاق خط الوقاية والسيولة للمرة الثالثة مع صندوق النقد الدولي و"استمرار التدفقات الهامة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، المتأتية في جزء كبير منها من أشقائنا في مجلس التعاون الخليجي".

واضاف العاهل المغربي "ان ما حققناه من منجزات مهمة يبعث على الاطمئنان فيما يتعلق بالخيارات التي اعتمدناها في سياستنا الخارجية، ويدعم توجهنا في مواصلة سياسة الانفتاح على منطقتنا وعلى العالم. فقد بلغ عدد البلدان التي تربطنا بها اتفاقيات للتبادل الحر 56 بلدا وعلى رأسها العديد من البلدان العربية الشقيقة". مشيرا إلى نجاح المغرب في التحقيق الفعلي لطموح جعل الدار البيضاء قطبا ماليا إقليميا يربط إفريقيا بباقي بلدان العالم، مشيرا إلى تبوأ القطب المالي للدار البيضاء للمركز 33 عالميا والأول إفريقيا في آخر تصنيف عالمي للمراكز المالية.