تشتت الذهن في العمل

الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر ربما تزيد من درجة الشتت الذهني لدينا

لا تفكر في القيام بمهام عديدة في وقت واحد، فإدمانناالعمل بصورة متقطعة يصيبنا بشيء ما في أدمغتنا دون قصد منا.

عندما ظهرت الرسائل الإلكترونية الفورية على أجهزتنا، وأصبحت أمرا شائعا في التسعينيات، لم تكن سيدة الأعمال جودي واينلاند تبدي إعجابا بتلك الرسائل.

فالعمل بصورة متقطعة بسبب الظهور المفاجئ والمتكرر لشاشات الدردشة على الأجهزة المختلفة، يجعل من الصعب بالنسبة لها أن تنجز مهامها اليومية بنجاح.

لكن ربما يكون الأمر مختلفا مع موظفين آخرين يعملون في مكتبها، وخاصة من جيل الشباب.

وتقول وايتلاند، التي تدير شركات لرحلات المغامرة منذ عام 1978: "أنا أرى هؤلاء الشباب الصغار وهم يُحمّلون بمهام متعددة، وأتساءل ما إذا كان هناك خطأ ما لدي أنا".

وتشغل وايتلاند حاليا منصب المدير المشارك لشركتين للرحلات في الولايات المتحدة الأمريكية، وهما شركة "أدفينتشر ومين"، و"تومسون سفاريز"، وتقول إنها أدركت ميزة واضحة لعدم أداء مهام متعددة في آن واحد، أو عدم الانشغال بأكثر من شيء واحد في نفس الوقت، وهي أن ذلك جعلها "أفضل بكثير في إدارة الشركة".

لقد باتت أيامنا مليئة بالعوامل التي تسبب لنا تشتت الانتباه أثناء أداء مهامنا المختلفة، مثل رسائل البريد الإلكتروني، والرسائل القصيرة، والاجتماعات المتكررة، والزملاء الذين يطلبون المساعدة، وأشياء أخرى.

وأصبحت العديد من الشركات تحثنا على أداء عدة مهام مختلفة في وقت واحد، وتتجه نحو وضع مكاتب العمل في ساحات مفتوحة لتسمح للعاملين بتبادل الأحاديث المرتجلة خلال أداء عملهم، الذي يتطلب التعامل أيضا مع مهام متفرقة، وفي وقت واحد.

ويقول عدد من الباحثين إن محاولة الجمع بين المهام المختلفة في وقت واحد يجعلك أقل إنتاجا. وأظهر هؤلاء الباحثون أنه عندما تركز في مهمة واحدة فقط في كل مرة، فإنك تنجز الكثير من المهام، وبشكل أفضل. ويعزى ذلك، بحسب الباحثين، إلى أن أدمغتنا تشكلت بطريقة تجعلها تنجز شيئا واحد في المرة الواحدة.

تشتت الذهن في العمل

توصلت دراسة نشرت في عام 2007 إلى أن العاملين في مجالات العلم والمعرفة يتشتت انتباهم كل ثلاث دقائق في المتوسط

ومن الخطأ أن نظن أننا قادرون على إنجاز مهام عديدة في نفس الوقت، وما يحدث في الحقيقة هو أننا نتحول من مهمة إلى أخرى، وعلى نحو مستمر. لكن أداء هذا الأمر بشكل متكرر ينهك أدمغتنا، ويقلل من قدرتنا المعرفية، كما تشير الأبحاث.

وتوصلت دراسة، نُشرت في عام 2007، إلى أن العاملين في مجالات العلم والمعرفة يتشتت انتباهم كل ثلاث دقائق في المتوسط، بسبب رسائل البريد الإلكتروني، ووسائل التكنولوجيا الأخرى، مما يقلل من قدرتهم الكلية على إنجاز المهام.

وتشير تلك الدراسة إلى أن مثل هذا التشتت في أداء المهام، والذي يعني العمل بتلك الطريقة المتقطعة، يمكن أن يكلف شركة تضم 50 ألف عامل ما يقرب من مليار دولار أمريكي، وذلك في صورة أوقات مهدرة، ومهارات إبداعية أقل، وأخطاء غير مقصودة، وإنهاك جسدي.

وتقول ديفورا زاك، مؤلفة كتاب "التكليف بمهام فردية" إنه "لا جدوى على الإطلاق من تكليف العاملين بمهام عديدة في نفس الوقت، لأن ذلك يأتي بنتائج عكسية تماما، وبكل ما تعنيه هذه الكلمة".

أساطير شائعة

وتقول ساندرا بوند تشابمان، مؤسسة ومديرة مركز "سينتر فور برين-هيلث" المعني بصحة الدماغ بجامعة تكساس في دالاس، إن تكليف العامل بمهام متعددة في وقت واحد "يؤدي إلى تفكير أكثر سطحية، ويقلل الإبداع، ويزيد من الأخطاء، ويقلل قدرتنا على استبعاد المعلومات غير ذات الصلة".

ولأن الدماغ لم يُصمم للتعامل مع عدة مهام في آن واحد، فإن ذلك قد يؤدي بمرور الوقت إلى زيادة مستويات التوتر والإحباط، وتراجع القدرة الفكرية بشكل عام، كما تقول تشابمان.

لكن بالرغم من تلك الأدلة العديدة على أن العمل في أكثر مهمة في آنٍ واحدٍ، ليس أمرا ذا فاعلية، فإن أساليب العمل التقليدية، مصحوبة بوسائل التكنولوجيا الحديثة، تجعل تلك الظاهرة منتشرة في غالبية أماكن العمل.

وبالتالي، ينبغي أن نلوم أنفسنا أولا، ولو بشكل جزئي. فعندما نقوم بعدة مهام في وقت واحد - مثل الرد على رسائل البريد الإلكتروني أثناء كتابة تقرير ما، أو الرد على الهاتف أثناء حضور أحد الاجتماعات- فإن ذلك يجعلنا نشعر بأننا مشغولون، وبأننا أكثر إنتاجا، كما تقول كريستين كارتر، المديرة التنفيذية لمركز "غريت ساينس سينتر"، وهو أحد المراكز البحثية بجامعة كاليفورنيا في بيركلي.

تشتت الذهن في العمل

تعيد وسائل التكنولوجيا الحديثة تشكيل أدمغتنا لكي نصبح مدمنين على العمل المتقطع.

وتضيف كارتر: "الإنشغال (بالعمل) يعطي دليلا على الأهمية، وهو ما يخدم 'الحرس القديم' في أماكن العمل. وهناك أسطورة تفيد بأنه كلما أمضيت وقتا أكثر في العمل، فهذا يعني أنك موظف أفضل".

وترى كارتر أن ذلك التوجه التقليدي ما هو إلا أحد مخلفات الثورة الصناعية في أوج ازدهارها، عندما كنا نسجل الحضور والانصراف بدقة عند الدخول والخروج من المصانع ومكاتب العمل.

وفي ذلك الوقت، كانت تلك الأسطورة قابلة للتطبيق، لأن الناس كانوا يتركون مهام العمل خلفهم عندما يذهبون إلى بيوتهم في المساء. أما الآن، فقد تغير كل شيء مع ظهور أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والإنترنت، ورسائل البريد الإلكتروني، كما تقول كارتر.

وتقول تشابمان إن الأمور الآن باتت أكثر تعقيدا، "فالتكنولوجيا تعيد الآن تشكيل أدمغتنا لكي تصبح مدمنة على العمل بشكل متقطع، بعد أن بتنا ننتظر باستمرار صوت التنبيه الخاص بوصول رسالة إلكترونية جديدة، أو رسالة نصية قصيرة، أو مشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي".

وبالرغم من علمنا أن العمل بصورة متقطعة يسبب لنا ضررا، إلا أنه أصبح من الصعب إغلاق تلك الوسائل الحديثة التي تشتت انتباهنا. وربما يمكن تشبيه التعامل المتواصل مع تلك الوسائل التكنولوجية الحديثة بأنه إدمان من نوع آخر.

وتقول كارتر إنها واجهت بنفسها وقتا صعبا قبل اتباع تلك النصائح التي تقدمها للآخرين.

وكانت كارتر الخبيرة المسؤولة عن شؤون السعادة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، إلا أنها دخلت المستشفى بعد إصابتها بانهيار بسبب إرهاق العمل الزائد. وبعدها قررت التوقف تماما عن القيام بمهام متعددة في آن واحد.

وهذا هو الشيء المهم الذي ينبغي أن نضعه في أذهاننا.

وتذكرنا زاك، صاحبة كتاب "التكليف بمهام فردية"، بأننا "نعاني كمجتمع من أعراض الدماغ المشتت. وهي أعراض منتشرة في كل مكان تقريبا، في جميع مظاهر حياتنا في العمل، وفي حياتنا الشخصية".

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.