نهاد إسماعيل من لندن: يبدو ان اتفاق تخفيض الانتاج النفطي بدأ يؤتي ثماره، إذ لوحظ ارتفاع كبير في اسعار النفط الخام خلال الاسابيع الماضية، مع توقعات باستمرار الانتعاش.

ومن المتوقع ان يلتزم المنتجون في "أوبك" وخارجها بتمديد الاتفاق لشهور أخرى للحفاظ على ظاهرة الانتعاش لأسعار النفط الخام في الأسواق العالمية.

ومنذ خريف 2016 ارتفعت أسعار النفط بنسبة 30 في المائة، حيث سجل خام برنت نحو 61.7 دولار للبرميل، في حين بلغت الأسعار قبل الاتفاقية نحو 47.32 دولار للبرميل.

وتواصل أسعار النفط انتعاشها حيث لامس الخام الأميركي أعلى مستوى في عامين بعد أن أظهرت بيانات الحفارات الأميركية أن أنشطة الحفر في الولايات المتحدة تتراجع.

والرأي السائد في السوق ان الإمدادات العالمية آخذة في الانحسار. وخلال الأسبوع، تلقت الأسعار دعما من زيادة الطلب العالمي والتوقعات بأن تمدد منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ودول أخرى منتجة اتفاق خفض الإمدادات.

ووصل سعر خام غرب تكساس الوسيط 55.64 الى دولار للبرميل، وهو الأعلى منذ يوليو تموز 2015.أما مزيج برنت القياسي وصل الى 62.07 دولار للبرميل وهذا يمثل ارتفاعا يزيد عن 30% من مستويات حزيران يونيو الماضي.

الديناميات التي تدعم أسعار النفط

صعدت أسعار النفط لأعلى المستويات منذ بداية هذا العام بعد أن اخترقت حاجز ال50 دولار للبرميل في ايلول الماضي ولم تتراجع وهذا الانتعاش له سببين رئيسيين وهما ارتفاع الطلب العالمي وتراجع المخزونات.

المخزونات الأميركية التجارية هبطت بنسبة 5.6% منذ عام 2016 وهذا لا يشمل المخزونات الاستراتيجية. كما ان مخزونات المقطرات المكررة كالبنزين والمشتقات الأخرى هبطت بنسبة 14.4% حسب ارقام بلومبيرغ في الوقت الذي يشهد الاقتصاد نموا قويا وطلب متزايد على الديزل.

ومع اقتراب فصل الشتاء البارد في الغرب والولايات المتحدة على الأخص سيرتفع الطلب على وقود التدفئة واذا واصلت المصافي نشاطها المتزايد لتغطية النقص في المواد المكررة لا بد ان يرتفع الطلب على النفط الخام مما سيعزز انتعاش الأسعار.

انخفاض المخزونات لا يقتصر فقط على الولايات المتحدة. المخزونات التجارية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (منظمة اقتصادية دولية كبرى يبلغ عدد أعضائها 34 دولة) تراجعت أيضا من ناحية الكمية ومن ناحية "عدد ايام او فترة توافر الامدادات" وهذه تعادل معدلات المخزونات ما بين 2012 الى 2016. هذه الديناميات تدعم أسعار النفط.

النفط الخام كبقية السلع يخضع لعمليات بيع وشراء وتداول في الأسواق مما يعني ان الطلب العالمي يعتبر أكثر أهمية من ارقام المخزونات في التأثير على ديناميات أسعار النفط الخام.

رغم كل الحديث عن ثورة الزيت الصخري السبب الرئيسي لانخفاض الأسعار اواخر 2014 و 2015 وبداية 2016 هو انكماش القطاع الصناعي في الصين. ولنتجاهل الأرقام والتفاصيل الرسمية الصادرة من الحكومة بما سيتعلق بالانتاج الاجمالي وندرس مؤشر كيكسين الصيني - مؤشر مديري المشتريات الصناعية الذي يشير الى تقلص في الانتاج لفترة 18 شهر بين ديسمبر 2014 ويونيو حزيران 2016. ولكن المؤشر تراجع مرة واحدة منذ تموز يوليو 2016 مما يؤكد تعافي القطاع الصناعي الصيني وعودة الطلب القوي على النفط متزامنا مع نمو اقتصادي قوي.

ارتفاع الانتاج الصناعي في الصين رافقه انتعاش في الولايات المتحدة حسب "المؤشر الصناعي لمعهد إدارة الموارد الأمريكي"، مسجلا أعلى نمو خلال 13 عام. التخفيضات الضريبية وانفاق المستهلكين المستند على القروض سيحفز سلسلة توريد البضائع ومن ثم النمو الاقتصادي بشكل عام وارتفاع الطلب على المنتجات الصينية واليابانية المستوردة.

وحسب الخبراء فان ارتفاع الطلب الاستهلاكي في الولايات المتحدة يشجع الصناعة الصينية التي تصدر منتجاتها للولايات المتحدة. والصين هي أكبر مستورد للنفط الخام لتغذية الصناعة التي تعتمد على الطاقة. وأي نمو اقتصادي في الصين سيرفع الطلب على السلع وعلى النفط الخام مما سيرفع اسعار النفط للأعلى.

الزيت الصخري لم يعد مصدر تهديد كبير لانتعاش الأسعار

وامام هذه الديناميات التي تدعم أسعار النفط، بدأنا نلاحظ تحركات ايجابية للأعلى في اسعار مزيج برنت ومزيج غرب تكساس الوسيط الذي ارتفع فوق معدلاته خلال الشهور الأخيرة بسبب الأساسيات المذكورة أعلاه. ورغم كل التفاؤل الا انه لا يمكن استثناء مخاطر التقلبات السريعة في الأسعار لا سيما اواخر هذا الشهر عندما تعقد "أوبك" اجتماعها في فيينا بتاريخ 30 نوفمبر الحالي لدراسة امكانية تمديد اتفاق التخفيض مع شركاء خارح اوبك. وما دام هناك نمو اقتصادي عالمي وتراجع في المخزونات سنرى استمرارا في انتعاش الأسعار. وحتى لو ارتفع انتاج الزيت الصخري فان ارتفاع النمو الاقتصادي والطلب العالمي سيستوعب اي زيادة في انتاج الزيت الصخري الذي من المتوقع ان لا يشكل خطرا على انتعاش الأسعار.